الأمومة في زمن الكورونا : من الجزائر أمنا إلى فلسطين أم السماء !
تاريخ النشر: 21/03/20 | 11:18بقلم: لينا أبو بكر
· ( الجزائر أمنا ) ، ليست جملة شعرية فحسب ، إنما صفة وراثية للهوية ، بحيث لا يمكن أن تزرع وطنا تمتد جذوره إلى السماء ، في رحم أجنبي دخيل ، فلا فرنسا هي أمنا المتبرعة برحم الإيواء ، ولا الجزائر خلية أنثوية للإيجار، في بنك اللقطاء !
· لا يمكن للدولة المحتلة أن تكون حتى زوجة أب ، مع عدم التحفظ على أمومة البغاء ، لأن أمومة الأوطان تعبير رمزي عن عفة الأرض – في سياقها الأخلاقي ، كتربة مُولّدة للبذار الأولى و كشجرةٍ مُنتهى للسلالات، و كعمق شرعي للانتماء البيولوجي ، ولذلك تغدو الدول الاستعمارية أرضا حراما ، أو أمّا محرمة !
· ( الجزائر أمنا ) ، الشرارة الأم للنشيد الوطني ، من أم الثورة وأيقونتها ، جميلة بوحيرد، المحاربة الأمازونية ، عذراء الأوراس ، أندلسية الجنوب ، و نجمة وهران المقدسة ، واحة الشمس الإفريقية ، مرأة السماء ، سمراء الساحل و حورية الصحراء ، و يا إلهي ما أعظم النساء ، ما أرق قوتهن ، وما أقوى رقتهن ، إنهن أمهات الأرض ، والحقول ، سيدات الجنات و الفراديس ، ربات الخصب ، و سارقات الشعلة من فم التنين ….. يا للنساء !
· ( الجزائر أمنا ) لم تكن مجرد احتجاج لغوي ، أو حتى ثوري ، إنها تتعلق بترسيخ الأمومة كمظلة وطنية ، تعبر عن انتماء عرقي و ثقافي للجينوم الأم ، على اعتباره نواة أصلية للشيفرة الوراثية ، وليست خاصية منحرفة أو طفرة جينية مدسوسة !
· لم تكن بوحيرد بحاجة لتفسير الأمور تبعا للمنطق العلمي والأنثروبولوجي ، لأن فطرة المناضل هي أمه ، وبهذا المعنى لا يمكن للأمومة أن تكون وعاء عضويا مستعارا ، فالأم لا تُستعار ، ولا يمكن للاحتلال أن يكون أمًّا بالتبني، ما يخالف شريعة وأعراف هذا النظام ، الذي يقوم بالأساس على إصباغ طابع الأمومة أو الأبوة على أبناء يتامى أو تم التخلي عنهم ، أما أن تفرض فرنسا أمومة استعمارية على الجزائر التي لم تكن بلا صاحب ، فهذا وحده كفيل بإبطال التبني وتعزيز جريمة السرقة ، تماما على طريقة اختطاف الأبناء، عبر مافيات منظمة ، تسرقهم من ذويهم ، وتبيعهم أو تقايض بهم أو تستغلهم لأغراض منحلة ، أو عبر مؤسسات خدمة اجتماعية تمارس وصاية الاختطاف بالقانون ، وتفرض صهرا انتمائيا من خلال نظم و قيم تربوية زائفة ومشوهة .. !
· زنزانة الأم الفلسطينية الأسيرة ، هي شرنقتها ، طالما أن مشكلتها ليست في السجن كمحيط فيزيائي ، بل في الاعتقال كفعل تعسفي واضطهادي ، يمارس سلخا قسريا للأم عن شجرة العائلة … عموما ، لا يغدو هذا السلخ فاعلا ، بما أن الزنزانة هي الابنة الصغرى للمعتقل الأكبر : الوطن ، والوطن أم !
· يتم حرمان الأم الفلسطينية من أحضان أبنائها .. على فكرة ، الحضن وطن ، ولك أن تتخيل تجليات الأمومة في تعدد الأحضان ، فالأبناء يمارسون دور أمهاتهم ، ليس على النطاق العائلي المحدود ، بل ضمن تآزر وطني شامل ، ما يوسع مفهوم الأمومية ، وينقلها من حالة انفرادية إلى بطولة عامة يتقاسمها الجميع ، من رجال و أطفال و أشجار و جدران و شبابيك ، و سماء ، و أغنيات وذاكرات ، و حنين …. وما أدراك ما الحنين !
· مشكلة الاحتلال كمشكلة الاستعمار ، يحاول اختطاف الأمومة ، قبل الأبناء ، لأن الأمومة هي الانتماء !
· يعذب الاحتلال الأم الفلسطينية بأبنائها ، عبر القهر النفسي ، ليجعل من هذا الارتباط العاطفي الحميم عبئا يضني كاهل الحنين ، ولكنه في واقع الأمر فشل فشلا ذريعا … لأن العبء اتخذ شكلا من أشكال الادخار العاطفي …ولك أن تتخيل كيف يرتفع الرصيد والمخزون ، وكيف يصبح الحنين كنزا خبيئا ، لا حملا ثقيلا !
· كل تكتيك قهري يبتكره الاحتلال ، ينقلب ضده ، لأن المقاومة الوطنية أمومية الطبع لا التطبع !
· الأمومة الفلسطينية هي العقار الحيوي المضاد ، الذي يحارب الاحتلال على اعتباره فيروس العصر !
· أثبتت الأم الفلسطينية أنها أم الأرض ، قبل أن تكون الأرض أمها ، حتى كأنها هي التي تنجبها كلما اغتالها اللقطاء !
· الجنة وطن الشهداء وهي أمهم ، ونيالهم ، حين تكون أمُّ سمائهم هي أرضهم : فلسطين !
· هذا زمان الكورونا ، زمان بلا أحضان ، بلا أحبة ولا خلان ، زمنٌ لسجون بلا قضبان ، أيها العالم : بماذا تحس الآن ؟
· هذا العالم يدخل زنزانة انفرادية ، سجانها الفيروس ، ويعيش حربا بيولوجية بلا بطولة ولا شهداء ، فلسطين وحدها ، في أزمنة العدم ، هي الاستثناء !
· العالم يتيم ، والكوكب أصبح طلقة طائشة ، أو فوهة شائطة ، فكلما غدا الوجود حياديا كالعدم ، تفاقم الشعور بالتيه والضياع .. من يرد هذا العالم لأمه الأرض … والأرض أصبحت في زمن الكورونا : أرملة سوداء ؟!
· يا أمهات العالم ، كل أم وطن ، وكل وطن أم ، وأم الشهداء ، سيدة النساء .
· يا أمي ، يا حضني الذي يسكنني وأسكنه .. يا حضني الذي يرفعني وأحمله ، يضمني و ينضم إلي ، يسعني حين لا تتسع لي الدنيا ، أمي يا فلسطيني و حضن سمائي : أنا طفلة أبنائي و أم أمي !