شهر رمضان المبارك في الأدب العربيّ
تاريخ النشر: 16/08/10 | 17:26بقلم الأديب السوري: رجب قرنفل
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتمُّ التسليم، على سـيد الأولـين والآخرين، وخاتم الأنبياء والمرسلين، المبعوث رحمـة للعالمين، سـيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين, وعلى من اتبعه بإحسان إلى يوم الدين
أما بعد :
لم يكن شهر رمضان بكل معانيه الدينية, والروحية, والقيميَّة, بالمناسبة الـتي يغفلـها الأدب العربي بشـقيه النثري والشعري , وزمنيـه الإسلامي والحديث, بـل نجـد الأدباء والشعراء يحتفلون بشـهر رمضان ويحسنون استقباله من خلال إظهار آثار الشهر الكريم على عادات النـاس وسلوكياتهم والاحتفال بالانتصارات التي حدثت خلال الشهر , باعتباره شـهراً للهدايـة والنصر والكرم والجود وحسن الخلق, وقد هجا الشعراء من يرتكب المعاصي في رمضان, وإن كان بعض الشعراء ممن كان يثقل عليهم الصوم قد هجوا رمضان في بداية حياتهم , خلافاً لما قالوه عنـد الشيخوخة, مثل :
( ابن الرومي … و … أبي نواس )
حيث قال الأول, وهو الشاعر العباسي , وقد أدركه الصيام في شهر أغسطس آب, بعد أن صامه واصفاً معاناته من شدة الحر والعطش بقوله :
شهر الصيام مبارك
ما لم يكن في شهر آب
الليل فيه ساعة
و نهاره يوم الحساب
خفت العذاب فصمته
فوقعت في نفس العذاب
وهذا ( ابن رشيق القيرواني ) يعبر عن حزنه وضجره لرؤيته هلال رمضان :
لاح لي حاجب الهلال عشياً فتمنيت أنه مـن سحابِ
قلت أهلا وليس أهلا لما قلت ولكن أسمعتها أصحابي
مظهراً حبه وعندي بغض لعـدو الكؤوس و الأكوابِ
وعلى الجانب الآخر .. لقد كان رمضان ملهماً للأدباء المسلمين مـن العرب وغير العرب .. ولقد حفـل الأدب العربي منذ عصر صدر الإسلام بكثير من صور التعبير عـن التكريـم والحب والتقدير للشهر الفضيل .. وفي التاريخ الإسلامي القديم والحديث تغنى الكثير من الشعراء بفرحة شهر رمضان منهم على سبيل المثال :
يقول ( محمود حسن إسماعيل ) مرحباً بشهر الصيام :
أضيفٌ أنت حلّ على الأنام وأقسم أن يحيـا بالصيام
قطعت الدهر جوّابا وفيّا يعود مزاره في كـل عـام
تخيم لا يحدُّ حماك ركنٌ فكـلّ الأرض مهـدٌ للخيـام
نسخت شعائر الضيفان لما قنعت من الضيافة بالمقام
ورحت تسدُّ للأجواد شرعا من الإحسان علويّ النظام
بأن الجود حرمان وزهد أعـز من الشراب أو الطعام
وقد جرت عادة الشعراء أن يرحبوا بهلال رمضان الذي يأذن ببدء هذا الشهر الكريم , ويتفننوا في وصفه ويعدوه أمارة خير وبشارة يمن وبركة, فيقـول الشاعر (ابن حمديس الصقلي) :
قلت والناس يرقبون هلالاً يشبه الصبّ من نحافة جسمه
من يكن صائما فذا رمضانُ خطَّ بالنور للورى أول اسمه
وفي الختام :
(دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)
جميل ان نرى ادباءنا وشعراءنا، نحن ناطقي اللغة العربية, في كل قطر من أقطار الشرق الأوسط ان يبدعوا بكتابتهم في تكريم وتقدير هذا الشهر العظيم, شهر رمضان الكريم. فتحية إكبار للكاتب السوري رجب قرنفل على مقالته هذه وعلى إطلاعنا على مدى اهتمام الأدب العربي, في كل مكان وفي كل زمان, بالمناسبات والمواضيع الدينية التي هي عماد لغتنا العربية، لغة القرآن الكريم:” انا أنزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون”.
لم اتوقع ان يتطرق الأدب العربي نثرا وشعرا, قديما وحديثا, لتكريم شهر رمضان بهذه الصورة الشيقة..شكرا لبقجة على هذا التنوير..ومنكم نستفيد..
…ويرسم عميد الأدب العربي طه حسين صورة أدبية للحظات الإفطار فيقول : ” فإذا دنا الغروب وخفقت القلوب وأصغت الأذان لاستماع الآذان وطاشت نكهة الطعام بالعقول والأحلام ، فترى أشداقا تنقلب وأحداقا تتقلب بين أطباق مصفوفة وأكواب مرصوفة ، تملك على الرجل قلبه وتسحر لبه بما ملئت من فاكهة وأترعت من شراب ، الآن يشق السمع دوي المدفع ، فتنظر إلى الظماء وقد وردوا الماء ، وإلى الجياع طافوا بالقصاع ، تجد أفواها تلتقم وحلوقا تلتهم وألوانا تبيد وبطونا تستزيد ولا تزال الصحائف ترفع وتوضع والأيدي تذهب وتعود وتدعو الأجواف قدني .. قدني ، وتصيح البطون قطني .. قطني ، ومع تعدد أصناف الطعام على مائدة الفطور في رمضان فإن الفول المدمس هو الصنف الأهم والأكثر ابتعاثا للشهية.
*ويقول احمد شوقي:
يا مديم الصوم في الشهر الكريم = صم عن الغيبة يوما والنمـيم
وصلِّ صلاة من يرجو ويخشى = وقبل الصوم صم عن كل فحشا
*يقول الشيخ عائض القرني:
مرحباً أهلا وسهلاً بالصيام = يا حبيبا زارنا في كل عام
قد لقـــيناك بحـــب مــــفعم = كل حب في سوى المولى حرام
فاقبــــل اللهم ربي صومنا = ثم زدنــا من عطاياك الجسام
لا تعاقبنا فــــقـد عاقـــبــــنا = قلق أســـهرنـــا جنح الظلام