وسعوها عسى ان تدخلوها

تاريخ النشر: 08/10/11 | 4:18

مرَّ الحسن البصري على جماعة يبنون غرفاً ضيقة لا تكاد الواحدة منها تتسع لشخص واحد فاستغرب من ذلك واستفسر منهم عن الغرض منها وهي تأتي بهذا الشكل والحجم والمساحة والمواصفات التي لا يمكن أن تفي بأدنى الاحتياجات للحياة البشرية فأخبروه أنها زنازين في سجن جديد يشيَّد في البصرة في عهد الحجاج بن يوسف الثقفي .

قال لهم :- وَسِّعوها عسى أن تدخلوها يوماً فتشعرون بضيقها وصعوبتها على الناس.

إنها نظرة وهمسة !

نظرة ومراجعة حسابات بيننا وبين أنفسنا في كل الأمور وخاصة تعاملنا مع الغير وما يتطلب من رأفة ورحمة وسماحة وعدل واحترام لخلق الله مهما كانت الظروف والأوضاع وأن ينبثق كل ذلك من خلال القاعدة الأساسية :- أن تحب لأخيك ما تحب لنفسك وأن تقبل لأخيك ما تقبله لنفسك وأن تمتنع عن عملٍ لغيرك لو كان عليك لقامت الدنيا وقعدت !

لماذا لا نفكر بالدنيا الدوَّارة وأنَّ يوماً لك ويوماً عليك وأنها لو دامت لغيرك لما وصلت إليك وأن الله هو الذي يُعز من يشاء ويُذل من يشاء وهو الذي بيده الملك وحده ولا يرضى بالتجبر والجبروت وهو الجبار العظيم .

وهمسة في آذاننا عسى أن تصل إلى عقولنا وقلوبنا بأن نحفظ دائماً خط الرجعة فلا القوة مضمونة ولا الصحة دائمة ولا الغنى مضمون ولا المنصب والوظيفة ولا العمر ولا النجاح ولا الفشل ولا دائم إلا وجه الله وسلطانه .

ما أجمل أن نتعامل في ما بيننا بالود والاحترام والمحبة والأخوة وأن يكون دليلنا في حياتنا كتاب الله وسنة رسوله وأن نظل تحت هذه المظلة في كل جوانب حياتنا حتى لا نتفرق ونكسر عوداً عوداً ويذهب أمرنا سدى ونكون كغثاء السيل .

ولماذا نختلف وعلى ماذا نختلف ؟ ومع من نختلف ؟ ومتى نتحد ونأتلف ؟

ومهما كانت الأسباب والدواعي فلماذا لا يكون الاختلاف في مساحته وأن لا يتعداها فيتوسع ليعم وينتشر ويطغى ويُهلك الأجساد والنفوس .

لماذا لا يكون الاختلاف رؤىً وآراء ووجهات نظر وتباين في المواقف نُسخِّرُه لنُثري حياتنا ونحسن اختياراتنا ونظل لا يُفسد للود بيننا قضية .

لماذا لا نحرص على عرض أمورنا بايجابية وبطرق حضارية , لماذا تكون نقاشاتنا وحواراتنا حروباً طاحنة وملاحم نُسطرها بدمائنا ونُورث للأجيال القادمة ضغينة وحقد وكراهية على غنيمة أو مرتبة أو فوز في سباق خيل والذي من أجله تكون كل الوسائل والأساليب مشروعة والغاية تبرر الوسيلة فتفوز خيلنا وتُهزم خيولنا ؟

في كل خطوة نخطوها ما أعظم وأَجَلَّ من أن نوسِّعها على غيرنا ونأخذ بعين الاعتبار احتمال وقوعنا فيها فنتحسر على يوم كنا فيه هناك ولم نفكر للحظة أن نكون هنا وما أصعبها من حسرة وما أعظمه من ندم .

رحم الله وكرَّم وجه علي بن أبي طالب حيث قال :- إن المكارم أخلاق مطهرةٌ الدين أولها والعقل ثانيها والعلم ثالثها والحلم رابعها والجود خامسها والفهم ساديها والبر سابعها والشكر ثامنها والصبر تاسعها واللين باقيها .

وعلى الخير دائماً وبمشيئة الله سنلتقي!

‫2 تعليقات

  1. حياك الله اخي يوسف وبارك الله بك على هذه الكلمه التي لا تثمن بمال الكون كله واسال الله ان يعمل الجميع بما يرضي الله

  2. مقالة جوهرية المعاني تدعو للسلوكيات الفاضلة ..العقلانية الايجابية..

    تصرف مع الناس كما تريد ان يتصرفوا معك..حب الخير للناس..احترم الناس..

    اسلك معهم بمكارم الاخلاق.. وتحلى بالصفات السامية النبيلة..

    حياك الباري استاذي الكريم وجمل ايامك بالسعادة ومكارم الاخلاق…اتمنى لك دوام

    التالق والعطاء الخالد..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة