ألا يستحق اللاجئون الفلسطينيون في لبنان خطة طوارئ إغاثية؟
تاريخ النشر: 15/04/20 | 9:12فتحي كليب / مسؤول دائرة وكالة الغوث
في الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
لا يجادل اثنان حول حاجة اللاجئين الفلسطينيين في لبنان الى الدعم الاقتصادي والاجتماعي، فهذه مسألة تتفق عليها جميع المرجعيات الخدماتية والسياسية والاجتماعية. وتحفل مواقع التواصل الاجتماعي يوميا بعشرات، بل مئات، القصص لعائلات ضاق بها الحال وانسدت في وجهها آفاق الحياة، وتحتاج الى ما هو اكثر من “كرتونة” هنا وبضع دولارات هناك. هي مشكلة كبيرة ابعد من مواجهة تداعيات وباء كورونا وما احدثه من اجراءات لبنانية دفعت الى اغلاق المخيمات على قاطنيها دون ان يكلف احد نفسه عناء التفكير بكيفية انجاح هذا الاغلاق لناحية اقناع الناس بالابقاء في منازلها وتأمين الاحتياجات الحياتية والمعيشية للاجئين..
وتحفل الصحافة اللبنانية والفلسطينية ومواقع التواصل الاجتماعي بالتحليلات والتحذيرات من تسلل الوباء الى مجموعتين بشريتين تقيمان فوق الاراضي اللبنانية وهما مخيمات اللاجئين السوريين والمخيمات الفلسطينية التي تفتقر الى ادنى مقومات الحياة سواء عبر البنى التحتية الهشة والاكتظاظ السكاني المرتفع او لجهة الاوضاع الاقتصادية الصعبة التي تعيشها العائلات وتجعل من مسألة العزل المنزلي غاية في الصعوبة..
بين اعوام 2010 و 2015، اصدرت وكالة الغوث بالتعاون مع الجامعة الامريكية في بيروت دراستين هامتين قدمتا معطيات هامة حول اوضاع اللاجئين الفلسطينيين واحتياجاتهم الاقتصادية والمعيشية.. ولانعاش ذاكرة من نسى، او سهى وتغافل، عن حقيقة الاوضاع الاقتصادية للاجئين الفلسطينيين، نعود لاستذكار تلك المعطيات كمؤشرات لما نريد ان نخلص اليه، وليس باعتبارها معطيات راهنة، لأن المعطيات الحالية هي حتما اقسى واكبر واسوأ:
– اكثر من ثلثي من اللاجئين الفلسطينيين في لبنان هم من الفقراء، وعدد كبير منهم يعيشون في فقر مدقع، أي غير قادرين على الوصول إلى الحد الأدنى من احتياجاتهم الاساسية من الغذاء.
– نحو 15 بالمائة من اللاجئين يحتاحون الى دعم خارجي نظلارا لعدم قدرتهم على تأمين احتياجاتهم الاساسية من الغذاء، وان 63 بالمئة يعانون من فقدان الأمن الغذائي، فيبما يزيد عدد الذين لا يحصلون على متطلبات الغذاء عن الثلت، بينما بلغت نسبة الذين لا يستطيعون الوصول الى الفاكهة والخضار واللحوم ومنتجات الحليب نحو 25 بالمائة.
– نسبة العاطلين عن العمل من الفلسطينيين بلغت 56 بالمائة، فيما بلغ متوسط إنفاق الفرد من اللاجئين الفلسطينيين شهريّا حوالي 195 دولاراً أمريكي، وهو رقم لا يعكس الدقة، والواقع الفعلي هو اكثر سوءا..
رغم ان هذه المعطيات قدمت صورة قاتمة عن الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية للاجئين الفلسطينيين في لبنان، الا ان الواقع الراهن بعد مرور اكثر من خمسة سنوات عليها بات اكثر سوءا، بسبب اشتداد الضغوط الاقتصادية الناتجة عن مجموعة من التطورات والاحداث التي يعتبر كل حدث منها كاف لتدمير مجتمع اللاجئين وجعله مجتمعا فاقدا لمرتكزات حياته المعيشية. ومن هذه التطورات:
*- اجراءات الادارة الامريكية بدءا من العام 2018 بوقف المساهمة المالية للولايات المتحدة في موازنة والبالغة نحو (360) مليون دولار، اي ما يعادل مليار دولار خلال الثلاث سنوات الماضية، وذلك في اطار الاستهداف العام لقضية اللاجئين وحق العودة، وهو ما ترك انعكاسات سلبية على مستوى برامج الاونروا في كافة مناطق عملياتها..
*- اجراءات وزارة العمل اللبنانية بدءا من تموز 2019 وما احدثته من تأثير سلبي على العمالة الفلسطينية في لبنان نتيجة تفعيل بعض القوانين اللبنانية وبتفسيرات استنسابية، وهو ما ادى الى اقفال السوق اللبناني في وجه العمالة الفلسطينية التي خسر معظم افرادها مصدر رزقهم..
*- التحركات الشعبية اللبنانية منذ تشرين اول 2019 والتي استمرت حوال (100) يوم تخللها شلل تام للحياة الاقتصادية نتيجة قطع الطرق واقفال المحال التجارية والمصارف وفي ظل تجمعات كبيرة في جميع المحافظات، وهو ما انعكس سلبا على المخيمات التي اتخذت توجها عاما قضى بالنأي بالنفس بعيدا عن هذه الازمة مع ما تطلبه ذلك من توقف عدد كبير من العمال عن الذهاب الى اعمالهم..
*- الحدث المستجد المتمثل باعلان الحكومة اللبنانية التعبئة العامة وما رافقها من اجراءات لجهة الحد من التجول ومنع التجمعات والالتزام بالعزل المنزلي في اطار مواجهة تداعيات وباء كورونا حيث كانت المخيمات اكثر المتضررين من هذه الاجراءات لجهة عدم وجود هيئات اغاثية تعمل على التخفيف، اقتصاديا، عن ابناء المخيمات.
لا يختلف إثنان بأن الاوضاع الاقتصادية في لبنان وصلت الى مستوى من الخطورة لا يستطيع احد وقف تداعياتها، وقد ابرزت التحركات الشعبية اللبنانية التي اندلعت نهاية العام 2019 تزايد حالات الفقر والافقار على امتداد جميع المناطق اللبنانية. ومع تفشي وباء كورونا، وقفت الدولة اللبنانية، التي كانت تتهيأ لاعلان خطتها الاقتصادية، عاجزة عن الاستجابة لصرخات المواطنين اللبنانيين الذين كانوا يئنون تحت وطأة ازمة اقتصادية طالت كل مرافق الحياة.. لكن فيروس كورونا فاجأ اللبنانيين، كما العالم، فشلت الحياة الاقتصادية من جديد، وكان اهم اجراء في مواجهة هذا الوباء هو العزل المنزلي.
غير ان مواجهة تفشي وباء كورونا عبر العزل المنزلي ليس كافيا ما لم يقرن باجراءات اقتصادية تشجع المواطنين على البقاء في منازلهم.. وعلى هذه القاعدة طرح البعض ضرورة تبني الدولة اللبنانية لحزمة اجراءات دعم اقتصادي نزولا عند حاجة المواطنين، حيث حددها رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي ب (500) الف ليرة لبنانية داعيا الحكومة اللبنانية الى الوصول الى جميع الاسر الفقيرة التي تضررت بفعل الازمة نتيجة تراجع الحد الأدنى للأجور لنحو (200 ) دولار (من 450 دولارا الى 267 دولارا شهريا)، اضافة الى ارتفاع الاسعار الى حوالي (50) بالمائة في الفترة بين بداية تشرين الأول 2019 وحتى 15 شباط 2020 وفقا لما اعلنته جمعية حماية المستهلك.
هذه المعطيات وغيرها، كانت حاضرة على جلسة مجلس الوزراء التي عقدت في 14 آذار باقرار خطة دعم اقتصادي بلغت (18) مليار ليرة لبنانية مخصصة للأسر الفقيرة، وقد كان رئيس الجمهورية العماد ميشال عون قد سبق الجلسة بالقول”ان الدولة ستوفر الحماية للمواطنين والمقيمين”، ونظرا لأن حاجة المواطنين كبيرة جدا ولا يمكن لمبلغ بسيط ان يسدها، قام مجلس الوزراء في جلسة لاحقة بزيادة المبلغ المقر سابقا وليرتفع الى (75) مليار ليرة، ثم الى (80) مليار ليرة في اطار خطة اقتصادية تتضمن توزيع (400) الف ليرة لثلاثة اشهر على نحو (200) الف عائلة (44 الف عائلة مسجلة لدى وزارة الشؤون الاجتماعية كعائلات فقيرة وتستحق المساعدة، و 130 الف عائلة مسجلة عبر البلديات وعائلات جديدة ستنضم الى العدد السابق ليصبح العدد اكثر من مليون مواطن لبناني موزعين على: عمال توقفت اعمالهم، عمال فانات وسيارات اجرة، عائلات اسرى، ذوي الاحتياجات الخاصة، وعائلات لديها افراد مرضى..
في نقاش الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية للاجئين الفلسطينيين في لبنان تبدو الصورة العامة اكثر سوداوية ومأساوية. فاذا كان المواطنون اللبنانيون يعانون من اوضاع اقتصادية اقل ما يقال فيها انها صعبة، فكيف هو الامر بالنسبة للاجئين الفلسطينيين؟ ولسنا هنا في معرض نقاش اسباب تدهور هذه الاوضاع، التي وان كان اللاجئون الفلسطينيون يتقاسمون مع اخوتهم اللبنانيين تفاصيلها اليومية، الا ان الاوضاع تنعكس على اللاجئين بأضعاف مضاعفة:
اولا، لأن منشأ معاناة اللاجئين يعود بجذره الى صراع سياسي والى ضغوط دولية، امريكية، تمارس على الشعب الفلسطيني لتحقيق اهداف سياسية ليست خافية لدفعه للقبول بحلول سياسية لا تنسجم والحد الادنى من تطلعاته الوطنية، وبالتالي فان المعاناة الاقتصادية تصبح بهذا المعنى جزءا لا يتجزأ من صراع مع المشروع الصهيوني يمتد الى اكثر من مئة عام.
ثانيا، لان وضعية اللاجئين الفلسطينيين، السياسية والقانونية والاقتصادية، تختلف عن وضعية المواطنين اللبنانيين الذين يعيشون بحماية دولة لها مؤسساتها السياسية والقانونية وفي ظل نظام اقتصادي متكامل ومتبلور اقتصاديا ويتمتعون بجميع الضمانات، فيما اللاجئين الفلسطينيين يعيشون في مخيمات تفتقر الى ابسط شروط الحياة ويعانون من الحرمان من حق العمل في ظل غياب جميع اشكال الضمانات.. وهم حكما خارج اطار الدورة الاقتصادية وخارج اطار المكتسبات الاقتصادية والاجتماعية التي يستفيد منها المواطنون مثل حزمة الدعم الاقتصادي التي اقرتها الحكومة مؤخرا.
ثالثا: لأن اللاجئين الفلسطينيين في لبنان ينظرون الى وكالة الغوث باعتبارها “قطاعهم العام” الذي يوفر لهم خدمات التعليم والرعاية الصحية والاغاثة الاجتماعية التي لا يمكن ان تستمر الا عبر تمويل، اريد له ان يكون طوعيا، تقدمه الدول المانحة، واي اخلال دولي بالتزام الدول المانحة، كما هو حاصل اليوم، فمن شأنه ان ينعكس على طبيعة الخدمات المقدمة، كما ونوعا.
انطلاقا من كل ذلك، يصبح مفهوما لماذا يطالب اللاجئون بدعم اقتصادي، كما يصبح مفهوما ايضا حاجة اللاجئين الدائمة لخطط طوارئ اقتصادية وصحية وتربوية واغاثية لا يوجد من هو مؤهل اكثر من وكالة الغوث التي درجت في مناسبات عدة على اعتماد هذا النوع من الدعم، نظرا للااوضاع المتغيرة اللاجئين وعدم ثباتها على واقع معين بفعل تشعب الصراع وتعقيداته..
عندما تشكلت وكالة الغوث عام 1949 وفقا لقرار الجمعية العامة رقم (302)، لم يكن ضمن تفويضها الاستجابة لحاجات طارئة ومستجدة ولم يكن في بال احد اعتماد خطط طوارئ للاجئين، لأن النظرة العامة كانت ان وجود الوكالة هو وجود مؤقت سينتهي بانتهاء السبب الذي نشأت من اجله وهو عودة اللاجئين.. وكانت حينها الموازنة العامة للوكالة عبارة عن موازنة “الصندوق العام” فقط، لكن مع ازدياد الصراع تعقيدا، وبعد ان تيقن المجتمع الدولي ان العودة ليست بالمتناول، بعد ان اخذ الصراع طابعا عسكريا وتدميرا ترافق مع عمليات عدوانية واسعة ومتككرة شنها الاحتلال الاسرائيلي ضد اماكن تجمعات اللاجئين في المخيمات، برزت الحاجة الى ضرورة الاستجابة للتحديات التي كان تفرضها تلك الاحداث فنشأت ابواب اخرى للموازنة الى حانب موازنة الصندوق العام ليصبح شكل الموازنة الاجمالية معتمدا على ثلاثة ركائز: موازنة الصندوق العام التي تتكرر كل عام وهي المعروفة بخدمات التعليم، الصحة والاغاثة الاجتماعية، موازنة المشاريع التي نشأت بفعل تزايد اعداد اللاجئين وبروز الحاجة الى توسيع الاونروا لمنشآتها ومرافقها بما يستجيب للاحتياجات المتزايدة. وموازنة الطوارئ التي عادة ما توضع بهدف الاستجابة لتحد ما وتنتهي بانتهاء السبب، كأن تعود الحياة الى طبيعتها بعد عدوان عسكري مثلا.
وقد سبق للاونروا وان اقرت واشرفت على عدد واسع من خطط الطوارئ التي كانت تهدف الى تلبية حاجات نشأت بفعل تحديات ما ومن اهمها: خطة الطوارئ لمواجهة تداعيات احتلال اسرائيل للضفة الغربية وقطاع غزه عام 1967، برنامج الطوارئ الذي انشأ لمواجهة تداعيات للحرب الأهلية اللبنانية في فترة ما بعد العام 1975، خطة الطوارئ لمواجهة ما نتج عن اجتياح اسرائيل للبنان عام 1982، الخطة التي وضعت في الضفة وغزه بعد العام 1987 لمواجهة تداعيات “انتفاضة اطفال الحجارة” ثم انتفاضة الاقصى عام 2000، خطة الطوارئ الخاصة بمخيم نهر البارد في لبنان الذي تم تدميره بشكل كامل عام 2007 وشرد جميع ابناءه، خطة الطوارئ المتعلقة بقطاع غزة سواء في مواجهة الحصار او نتيجة الحروب المتكررة التي شنت عليه في اعوام 2009، 2012، وفي عام 2014، اضافة الى خطة الطوارئ المتعلقة بتداعيات الازمة السورية بدءا من العام 2011.
ولعل السؤال الذي يتردد على السنة الجميع: انطلاقا من الواقع الاقتصادي والإجتماعي الصعب الذي يعيشه اللاجئون الفلسطينيون في لبنان، الا يستحق هذا الواقع خطة طوارئ اغاثية من قبل وكالة الغوث؟
ما تبرزه الاونروا في تقاريرها منذ سنوات والمدعوم بعشرات الدراسات والمسوحات الاجتماعية تؤكد جميعها حاجة فلسطينيي لبنان الى ما هو اكثر من خطة طوارئ.. بل المؤكد ان هذه الخطة قد تأخرت، وان الحد الادنى مما يمكن للاونروا ان تعتمده وتقره هو خطة طوارئ اغاثية تعالج تداعيات الازمة اللبنانية بمحطاتها المتعددة.
في العام 2015 اقرت الاونروا خطة عملها للفترة المقبلة تحت عنوان “الاستراتيجية المتوسطة الاجل 2016 – 2021″، ورغم ان الكثير من عناوين هذه الخطة قد طرأ عليها بعض التعديلات نتيجة التطور الغير متوقع المتمثل باجراءات الادارة الامريكية، فقد جاء في هذه الخطة، في اطار تحديد اولويات الاونروا، ما حرفيته “ستسعى الأونروا للاستجابة إلى الاحتياجات الإنسانية الأساسية للاجئين الفلسطينيين من الغذاء والمأوى والصحة البيئية، مع إعطاء الأولوية للأفراد والأسر الأشد فقرا والأكثر ضعفا. وسوف تسعى إلى تعبئة الموارد الكافية لضمان أن تكون المساعدات المباشرة للمفتقرين إلى الأمن الغذائي”.
ولعل النقاش المطروح اليوم هو ليس حول ما اذا كان اللاجئ الفلسطيني يصنف على انه فقير ام لا، بل حول تعريف الفقر اولا. صحيح ان ليس هناك من تعريف متفق عليه عالميا لمفهوم الفقر، الا انه بامكاننا الاسترشاد بما توصلت اليه الامم المتحدة من كون مصطلح الفقر يعني “حالة الحرمان الشديد من الاحتياجات الاساسية التي تبقي الانسان على قيد الحياة..” . ولو ذهبنا الى ما قاله البنك الدولي بأن مصطلح الفقر الشديد يطلق على الشخص الذي يعيش دون عتبة (1.9) دولار يوميا، لاصبحنا امام لوحة واضحة لا تحتمل اي جدال، وهي ان غالبية الشعب الفلسطيني داخل وخارج المخيمات في لبنان هم من الفقراء، واي خطة لا تأخذ بعين الاعتبار هذا المعطى ستكون عرضة للنقد من قطاعات اجتماعية فلسطينية واسعة.
لكن رغم ذلك، يمكن القول ان العائلات المصنفة ضمن برنامج شبكة الامان الاجتماعي والذين يتجاوز عددهم في لبنان (60) الف فرد، هم الاكثر تأثرا بالازمات الاقتصادية، نظرا لاعتمادهم على مساعدات وكالة الغوث وخدماتها بشكل كامل، خاصة ان برنامج الاغاثة الاجتماعية لا يلبي الحد الادنى من الحاجات، ومعايير الوكالة لادخال عائلة ما ضمن هذا البرنامج تتصف بالكثير من الاستنسابية، لأن المعلومات التي تقدمها الاونروا هي في معظمها تقديرات قد لا تصلح كأساس لدراسات علمية جدية تشكل أساس لبرامج تنموية حقيقية تنهض بمجتمع اللاجئين، وتساهم في تنميته.
لذلك، فلو قاربنا مسألة الفقر من زاوية الربط بين الإنفاق والاستهلاك ومن ثم الاعتماد على مستوى الدخل كمعيار للفقر، لتوصلنا الى تعريف متفق عليه بأن الفقير هو الذي يهبط دخله عن الحد الأدنى اللازم لتلبية حاجاته الأساسية. واستنادا الى هذا التعريف، فان العدد الاكبر من العائلات الفلسطينية في لبنان يهبط متوسط انفاقها الشهري الراهن الى ما دون الحد الادنى للاجور الذي كان محددا سابقا في لبنان ب (450) دولارا وليصل راهنا الى نحو (267) دولارا.
ويبدو واضحا ان موازنة الاغاثة والخدمات الاجتماعية لا تلبي الحد الادنى من الاحتياجات، ولعل النظرة الى موازنة هذا القسم تعطي صورة عن التطور البسيط في الموازنة التي بلغت عام 1012 نحو 12 مليون ارتفعت الى نحو 12.2 مليون في عام 2014 فيما تم انفاق نحو 11 مليون دولار عام 2018، اما موازنة هذا القسم لعام 2020 فلم تزد عن 13 مليون دولار، واذا ما احتسبنا النفقات الادارية، فان المتبقي لا يكاد يلبي الحد الادنى من احتياجات المستفيدين، ولعل هذا هو سبب اصرار الاونروا على اقتطاع مبلغ (2) مليون دولار من اصل (5) ملايين دولار حصلت عليها الاونروا في اطار دعم اللاجئين الذين تضرروا من الازمة اللبنانية.. وذلك بهدف التغطية على تقصيراتها وتراجع تقديماتها في هذا القطاع.
رغم ايجابية كل دعم اقتصادي يقدم للاجئين، مهما كان بسيطا، الا انه يبقى خطة هامة يجب الثناء عليه، لكنه لا يجب ان يشكل بديلا عن خطة اغاثية متوسطة او طويلة الاجل تمتد لعدة سنوات على غرار خطط الطوارئ التي عادة ما تعتمدها الاونروا، خاصة حين تعجز برامجها العادية عن الاستجابة لاحتياجات اللاجئين التي تزداد بشكل غير متوقع.. لذلك فان عمليات الدعم الاقتصادي يجب ان تشمل جميع اللاجئين دون استثناء، انطلاقا من كون الازمة الاقتصادية تطال بانعكاساتها السلبية جميع فئات اللاجئين وهذا هو بالتحديد سبب رفض اي استنساب يسعى الى التمييز بين اللاجئين.
كما ان اي تقسيم لفئات المجتمع الفلسطيني لهو دعوة الى احداث شرخ بين من يستحق الدعم والمساعدة، وهم غالبية الشعب، وبين فئة قليلة قد تكون اوضاعها الاقتصادية افضل حالا، لكنها تعاني اقتصاديا وتحتاج الى كل المساعدة. لأن دعم اللاجئين الفلسطينيين اقتصاديا يجب ان ينسجم مع ما اقرته الدولة اللبنانية من مساعدة للعائلات بقيمة (400) الف ليرة.. رغم ان حاجات اللاجئين اكبر بكثير من احتياجات المواطنين اللبنانيين، وهذه مشكلة لا يمكن حلها الا من خلال خطة طوارئ لها موازناتها الخاصة، بعيدا عن الاستنساب في الخلط سواء بين البرامج او بين ابواب الموازنة الثلاث. وهنا يكمن الفارق بين ادارة تدرك حجم الاحتياجات وتعمل على توفير مستلزماتها المالية والتوظيفية، وادارة لا هم لها الا تخفيض الخدمات تحت عناوين التوفير والعجز المالي، رغم ان الجميع يقر بحاجة اللاجئين الفلسطينيين الى خطة طوارئ اغاثية!