ألبير كامي.. كما يراه مولود فرعون ومن خلال المقارنة بمالك بن نبي – معمر حبار
تاريخ النشر: 15/04/20 | 9:15بدأت قراءة الكتاب بتاريخ: جوان 2019 وأنهيت قراءته بتاريخ: 5 نوفمبر 2018. وأشرع الآن في عرضه بعدما رأى صاحب الأسطر أنّ الصورة قد اكتملت واجتمعت لديه جملة من العناصر:
Mouloud Feraoun « LETTRE A SES AMIS », EL HOUDA, AIN M’LILA, ALGERIE, 2017, Dont 209 Pages.
أوّلا نظرة مولود فرعون لألبير كامي:
1. وقفت على 4 رسائل وجّهها الكاتب العلمي الجزائري الشهيد رحمة الله عليه لألبير كامي سنة 1957.
2. يعاتب مولود فرعون ألبير كامي وبشدّة لأنّه لم يذكر الجزائريين في كتابه: “La Peste”.
3. يعاتبه قائلا: “وهران” بالنسبة لك، يا ألبير كامي، لا تعدو كونها بلدية فرنسية صغيرة”. أقول: والغاية أنّ ألبير يرى في الجزائر امتدادا لفرنسا واحتلالها.
4. يقول له بعبارة أخرى: بيننا هوّة سحيقة لا تسمح لنا أن نتعارف.
5. يقول له: يؤسفني أنّك لا تعرف جيّدا الجزائريين. أقول: لأنّ ألبير كامي وهو الذي ولد بالجزائر مهتم بتثبيت الاستدمار وليس الجزائريين الذين يريدهم أن يكونوا تبعا وخدما للاستدمار.
6. يقول له: عرفت من كتابك ومن كتبك عدّة مجتمعات لا تختلف عنّا في شيء. أقول: وكأنّه يقول له: يا ألبير كامي، لكنّك تنكّرت للجزائر والجزائريين ولم تذكرهم في كتبك، واستحييت أن تذكر هم بخير.
7. كان في كلّ مرّة يذكّره أنّه جزائري. أقول: وكأنّه يقول له: لا تتنكّر للجزائر، أيّها الجزائري المولد.
8. وجّه الكاتب الجزائري مولود فرعون رحمة الله عليه، 4 رسائل لـ ألبير كامي سنة 1957.عاتبه لأنّ ألبير لم يذكر الجزائريين في كتابه “La Peste”. وكان مولود فرعون في كلّ مرّة يذّكر ألبير بأنّه جزائري، ولا يحقّ له أن يتنكّر للجزائر. ويقول له: الهوة التي بيننا لاتسمح لنا أن نتعارف، لأنّ ألبير كامي تنكّر للجزائر.
9. للأمانة، كتبت رسائل مولود فرعون بأسلوب كلّه أدب واحترام، ومستوى عالي وعالي جدّا من التحكم البالغ في اللّغة الفرنسية التي كان يكتب بها الجيل الذهبي من أمثال: محمد ديب، مالك بن نبي، مولود فرعون.
10. طلب منّي أحد الزملاء لايحضرني الآن اسمه، وهو يعقّب على منشوري بتاريخ: 9 أوت 2018 الخاص بقراءتي لكتاب: ” LETTRE A SES AMIS ” لمولود فرعون، أن أوافيه إن كان ألبير كامي ردّ على الرسائل الأربعة التي بعثها له الكاتب الجزائري الكبير “مولود فرعون” رحمة الله عليه، ومما جاء يومها في إجابتي: ” لم يذكر الكاتب الجزائري مولود فرعون ردّ ألبير كامي، ولا نعرف هل ردّ أم لا”.
11. جاء في صفحة54 ماذكره مولود فرعون، -وحسب ترجمتي- : ” ردّ كامي على رسالتي ووصلت إلى فكّ رموز إجابته. يعبّر بوضوح جيّد لكن في نظري صفر في الكتابة. كان فرحا برسالتي حيث كان لي الجرأة لانتقاده لعدم ذكره عرب وهران في “La Peste”.
12. لم يكن مولود فرعون -حسب قراءتي- متحمّسا للقاء ألبير كامي ومن يحمل فكر ألبير.
ثانيا: حب البنت من حب الزوجة:
13. واضح جدّا أنّ مولود فرعون رحمة الله عليه يحب زوجته، بدليل أنّه يذكرها بكثرة وباستمرار في رسائله، ويصف شهور الحمل قبل الولادة، بل يصف لحظات المخاض والولادة حتّى أنّه يتأسّف لافتقارها للحليب لكي ترضع ابنتها الرابعة.
14. يفتخر بكونه رزق 4 فتيات ومتشبّث بهن، رغم أنّ عائلته كانت تعيّره بـ “سلسلة الفتيات” كما يسميها، وظلّ على حبّه لبناته.
15. أقول: الزوج إذا أحبّ زوجته بإخلاص أحبّ بناته بإخلاص، فحب الأب لابنته نابع من حب الزوج لزوجته وامتدادا لها.
ثالثا: مولود فرعون ومالك بن نبي:
16. لن أضيف شيئا إذا قلت أنّ كلا من مولود فرعون ومالك بن نبي رحمة الله عليهما أبدع وتفوّق في الكتابة باللّغة الفرنسية، وإن كان كلّ منهما اختار لنفسه طريقة وأسلوبا للتعبير عن أفكاره. وكلاهما أحبّ الجزائر، ولم يخن الجزائر. و واجه الاستدمار الفرنسي بالحبر والسّطر.
17. يتحدّث ميلود فرعون عن مختلف مراحل تأليف كتبه فيجعل القارئ يشاركه متعة المراحل، كقوله وفي أكثر من مناسبة: شرعت في تأليف الكتاب. أنا الآن في الفصل الأول. لم يبق إلا 50 صفحة. سأضع تحت تصرفك الفصل الثالث لتراجعه. أنتظر بفارغ الصبر ملاحظاتك حول كتابك. أسرع في قراءة الجزء الذي قدّمته لك لأعطيك الجزء المتبقي من كتابي. وعبارات من هذا النوع التي تسعد القارئ وتنم على متابعة دقيقة من الكاتب.
18. في نفس الوقت تجد مالك بن نبي يتحدّث عن: منع كتابي. تأخر كتابي. لست أدري لماذا لم ينشروه. من هو الذي يقف وراء منع كتبي. أخيرا نشروا كتابي. وغير ذلك من العبارات التي تدل – في تقديري- على الإفراط في سوء الظنّ من طرف مالك بن نبي، والمبالغة في الزعم أنّ كتبه لن تنشر ولم تنشر، ثمّ تبيّن وبشهاداته أنّها نشرت وبسرعة.
19. مالك بن نبي تعمّد ولأسباب -لانعرفها لحدّ الآن- في عدم نشر بعض كتبه وهو على قيد الحياة ولم يمنعها أحد، ونشرت بعد وفاته رحمة الله عليه.
20. من خلال قراءاتي المتعدّدة والمتكرّرة لكتب مالك بن نبي، لا أعرف أنّ كتابا من كتبه منع من الطبع بل كلّها نشرت وبشهاداته وفي حياته.
21. بعض الكتب التي ألّفها مالك بن نبي لقيت ردّا عنيفا وغير لائقا من جمعية العلماء لأنّه خالفها في الوسيلة، فمارست عليه ضغوطا كبيرة كمنع المنحة، وإبعاده، وعدم الاستعانة به، وعدم تقديمه وتقريبه، وتفضيل غيره في أن يكون مندوبا عنها في فرنسا وهو العارف بفرنسا والمتقن للّغة الفرنسية، والاستهزاء من بعض كتبه، واتّهامه بأنّه غير المختص لولوج بعض القضايا.
22. بعض قادة الثورة الجزائرية عارضوا مالك بن نبي فيما يخص بعض كتبه، ومارسوا عليه ضغوطا، كإبعاده، وعدم استشارته، وعدم تقريبه، والاستعانة بغيره وتهميشه.
23. خلاصة، بالغ مالك بن نبي – في تقديري وحسب قراءاتي ولحدّ الآن -في التحدّث عن ما يسميه “منع كتبه !”التي لم يمنعها أحد من النشر وبشهاداته.
رابعا وصية مولود فرعون للفرنسي و وصية مالك بن نبي للسوري وليس للجزائري:
24. يرسل ميلود فرعون لزميله الكاتب الفرنسي EMMANUEL ROBLES أن يكون وصيا على تراثه الفكري وكتبه وأن يهتم بطبعها ونشرها، خاصّة وأنّه تلقى رسالة تهديد بقتله وقطع رأسه.
25. في نفس الوقت استحضرت أنّ الكاتب والأديب مالك بن نبي رحمة الله عليه، سافر لسورية ولبنان في أواخر حياته ليوصي الأستاذ السوري عمر كامل مسقاوي أن يكون وصيا على تراثه الفكري وكتبه وأن يهتم بطبعها ونشرها.
26. الفرنسي كان أمينا واهتم بتراث مولود فرعون، والسوري كان أمينا واهتم بتراث مالك بن نبي على أكمل وجه.
27. أقول: الأجانب من الغرب وإخواننا العرب اهتموا بكتاب وأدباء وأساتذة الجزائر، وكانوا خير عون وسند وحفظ وصيانة لتراثهم وكتبهم وأفكارهم.
28. تحية تقدير واحترام للأستاذ الفرنسي EMMANUEL ROBLES على الصدق والإخلاص في الأمانة. وتحية تقدير واحترام للأستاذ السوري عمر كامل مسقاوي أمدّ الله في عمره ورزقه الصّحة والعافية على أداء الأمانة والصدق والإخلاص.
خامسا: تنكّر لوطنك تنل جائزة نوبل للآداب !:
29. وأنا أعيد قراءة الرسائل الأربعة التي وجّهها الكاتب والأديب ميلود فرعون رحمة الله عليه إلى “ألبير كامي”، خاصّة في الرسالة ماقبل الأخيرة من نهاية الكتاب على شروط منح جائزة نوبل والتي لم يذكرها الكاتب لكن استنبطتها من خلال القراءة والنقد والمتابعة، وهي:
30. سؤال يراودني منذ مدّة: لماذا الكتاب العمالقة الجزائريين من أمثال: محمد ديب، ومولود فرعون، ومالك بن نبي رحمة الله عليهم جميعا وربما غيرهم من الذين لا نعرفهم والذين كتبوا باللّغة الفرنسية لم ينالوا جائزة نوبل في الآداب، رغم أنّهم أبدعوا وتفوّقوا وتميّزوا.
31. أجابتني أستاذة حينها فقالت: لأنّهم كتبوا بلغة غير لغتهم الأصلية، ولا يمكن للغربي والفرنسي أن يمنحك جائزة نوبل حتّى لا يمنح التفوّق والتميّز لغير أبناء الغرب الذي يكتب بلغة الغرب. أعترف أنّ هذه النظرة لقت استحسانا في صدري يومها، لكن لم يعد لها مكان في العقل بعدما أنهيت قراءة الكتاب، وبعدما تحصّل بعض العرب على جائزة نوبل للآداب وقد كتبوا باللّغة العربية.
32. عبارة ذكرها ميلود فرعون هي التي دفعتني لكتابة هذه الأسطر وهو يراسل “ألبير كامي” قائلا -حسب ترجمتي- : “هذه هي صورة وطنكم”، بعدما سرد عليه قصّة الأب الجزائري الذي مات تحت تعذيب الجلاّدين السّفاحين الفرنسيين إبّان الثورة الجزائرية حتّى أنّ ابنته أصيبت بالصمم من هول وبشاعة ما رأت، ولم يعد باستطاعتها إعادة ذكر ماشاهدته.
33. أقول: “ألبير كامي” نال جائزة نوبل لأنّه لم يتحدّث عن وطنه الجزائر، ولأنّه لم يتحدّث عن جرائم ونهب واستغلال وسطو واعتداء الاستدمار الفرنسي للجزائر، بينما آخرون تفوّقوا عليه في الأدب كمولود فرعون لم ينالوا جائزة نوبل، لأنّهم تحدّثوا عن بشاعة وجرائم الاستدمار الفرنسي، والتعدي على الأملاك والأعراض، والسّطو في وضح النّهار، وقتل الأبناء واستحياء النّساء طيلة 132 سنة من الاعتداء، والاحتلال، والقهر، النّهب، والعبودية، والذل، والقهر.
34. أضيف وأؤكد: لا تمنح جائزة نوبل للضعيف ولا للغبي، لكنّها لا تمنح أبدا لمن يحارب الصهيونية، ويعادي الاستيطان، ويحارب الاستدمار، فتلك خطوطا لا ينال صاحبها جائزة نوبل ولو كان وحيد زمانه وفريد عصره.
35. جائزة نوبل خطوط قبل أن تكون مستوى علمي وأدبي وسياسي. تمنح لمن التزم بالخطوط المرسومة سلفا، وتحرم على من لم يلتزم بالخطوط ولو كان أفضل الجميع في العلم والأدب والسّياسة.
36. حين أنهيت قراءة قراءة كتاب: LETTRE A SES AMIS : MouloudFeraoun، كتبت عبر صفحتي بتاريخ: 5 نوفمبر 2018، منشورا أقول فيه: لماذا الكتاب الجزائريين الذين يكتبون باللّغة الفرنسية وبجودة عالمية عالية كـ: مولود فرعون، ومالك بن نبي، ومحمّد ديب، وآخرون لا نعرفهم، لم ينالوا جائزة نوبل، وقد نالها “ألبير كامي”، وذكرت 6 أسباب.
سادسا: ألبير كامي بين قارئ لرواياته وقارئ لكتبه السياسية:
37. ممّا وصلت إليه من قراءاتي لألبير أنّ هناك نوعين من القرّاء وهذا الاستنتاج الشخصي أكتب عنه لأوّل مرّة وهو: هناك من قرأ روايات ألبير وهناك من قرأ مقالاته السياسية وبينهما اختلاف عميق وجذري ومختلف ومتضارب.
38. الذين اكتفوا بقراءة روايات ألبير معجبون به كثيرا والذين قرؤوا كتاباته السياسية -كما نفعل- فإنّهم يرون في ألبير المجرم في حقّ الجزائر لأنّه لايعترف بها ويهينها ويدعو لمحاربة الثورة الجزائرية ويصفها بأبشع الأصناف.
39. مما أفتخر به في قراءاتي أنّي وصلت لنفس النتيجة التي وصل إليها الكاتب الجزائري العالمي القدير الشهيد مولود فرعون رحمة الله عليه في كتابه « LETTRE A SES AMIS », وأنا الذي لم أقرأ له من قبل ولم أقف على موقفه من قبل.
40. نفس النقد الذي وجهناه لألبير في كتبه الأربعة السياسية التي قرأناه له -لحدّ الآن- وهي: « Misère de la Kabylie » و “Chroniques algériennes”، “L’Algérie déchirée ” “L’ETRANGER”. سبق لمولود فرعون أن انتقد ألبير كامي في كتابه ” La Peste” بنفس النقد، لأنّ ألبير لم يذكر الجزائر في كتابه عمدا من باب احتقار وإهانة الجزائر وهو الذي ولد بالجزائر.
41. حين كتبت مقالين عقب قراءتي لكتابين لألبير كامي، لم أكن قد قرأت هذه الرسائل للكاتب مولود فرعون، وحين أضف لها قراءتين الكتابين الأخرين فأصبحت أربعة، فرأيت أنّي توصلت إلى نفس ما توصّل إليه الكاتب مولود فرعون تجاه ألبير كامي، وبين مقالاتي وقراءاتي من جهة ورسائله من جهة أخرى مدّة زمنية تمتد لـ61 سنة.
42. قرأت للمتنبي وللبشير الإبراهيمي رحمة الله عليهما وغيرهم من كبار الأدباء ممن لاتحضرني الآن أسماءهم الغالية العالية من الزاوية السياسية فوصلت إلى نتائج معاكسة ومختلفة ومتناقضة تماما عن الذين اكتفوا بالقراءة لهم من الناحية الأدبية فقط.