«مسافة أمان» مساحة من الفرح والعذاب
تاريخ النشر: 16/04/20 | 12:37حوا بطواش
القرار لمشاهدة حلقات مسلسل «مسافة أمان» (كتابة إيمان سعيد وإخراج الليث حجو) تطلّب مني الكثير من الشجاعة والإصرار لعلمي بأنه يحتاج إلى قلبٍ من حجر لتحمّل مشاهد العنف والتعذيب التي فاجأتني في المرة الأولى التي أردتُ مشاهدته، بعد شهر رمضان الماضي مباشرة فتوقّفتُ حالا قبل انتهاء الحلقة الأولى ولم أكمل. إلا أنني فوجئتُ هذه المرة، إذ قرّرتُ مشاهدة المسلسل قبيل شهر رمضان هذا العام، وفرحتُ أن تلك المشاهد التي لم أقدر على تحمّلها في الحلقة الأولى اختفت بعد ذلك وتحوّل المسلسل إلى عمل دراميّ، رومانسي، إجتماعي سار بطيئا جدا في حلقاته الأولى ثم تحوّل بعد ذلك إلى أحداثٍ مشوّقة جدا.
يضمّ المسلسل شخصيات كثيرة، وبرأيي أكثر من اللازم، يتنقل بينها لتصوير معاناة السوريين الباقين في سوريا من آثار الحرب والدمار ماديّا ونفسيّا، يصوّر آمالهم وخيباتهم، رغباتهم ومخاوفهم، انعدام الثقة وتلك المسافة من الأمان التي تفرض نفسها بينهم وبين كل ما حولهم.
شخصية سراب، التي تقوم بدوره كاريس بشار، تمثّل شخصية المرأة السورية الصّامدة، العنيدة، المتسلّطة، القويّة أمام الناس لكنها ضعيفة بداخلها، ملولة، وحيدة في ذلك الزمن الصعب إثر سفر زوجها إلى ألمانيا، تعيش على أمل لمّ الشمل عن قريب.
(«صار لي سنتين ونص بقول هاد الحكي. انو ليش ما عم ترجعي تشتغلي؟ مو محرزة، قرّبوا الوراق يخلصوا. ما بعمل شي غير إنو بس عم بستنى. هاي شغلتي. يعني شلون العالم بفيقوا الصبح بروحوا على شغلهن برجعوا بناموا؟ أنا بشتغل بستنى! بفيق… بستنى. برجع بنام. برجع بفيق… بستنى. برجع بنام… وبس»).
حتى تقول لها ابنتها التي تعرف عن أبيها ما يخبّئه عن سراب: «روحي، ماما، روحي شوفي حياتك. حرام كل ها الوقت اللي عم بتضيّعيه مشان حدا يمكن ما يكون بستاهلك.»
ثم تتحوّل سراب إلى إمرأة عاملة، تعتمد على نفسها ماديّا، ولا تنتظر زوجها البعيد كي يبعث لها المال، تستيقظ باكرا في الصّباح لتمارس الرياضة، تهتمّ بملابسها ومظهرها، وتفاجأ بمحاولات حسام (عبد المنعم عمايري)، زوج صديقتها، للتقرّب منها في وقت كانت هي بأمسّ الحاجة فيه إلى رجل يعينها ويساندها ويغمرها بالحب والدفء والحنان.
شخصية يوسف التي لعب دورها قيس الشيخ نجيب من أكثر الشخصيات المحبّبة في المسلسل، لرقّته وطيبته، وتثير التعاطف معه لفقدانه الثقة بالحب وبالحياة إثر فقدانه حبيبته التي أحبّها حبًّا كبيرًا، ويتمكّن المسلسل من جذب اهتمام المشاهد بقصة حبّه الجديدة والجميلة مع نور (حلا رجب) والتي أعادت إلى قلبه شيئا من الفرح وأنعشت بالحبّ نفسه المحطّمة. لكن الفرح لا يدوم على أرض الحروب والدموع، وكم كرهتُ المخرج الليث حجو الذي قرّر بعد ذلك إيذاء عيني وقلبي بمشاهد العنف والتعذيب مرة أخرى.
مشكلتي مع المسلسل ليست في مشاهد العنف البشعة التي لا تطيقها النفوس الرهيفة فحسب، ولا في ترميزه السياسي لخدمة النظام السوري بإلقاء اللوم على المعارضين السوريين فيما آلت إليه حال البلاد، فأنا أتوق إلى أن أرى سوريا بلدا مزدهرا، مستتبّ الأمن والسلم والأمان، خاليًا من الحروب وسفك الدماء، لكن، مشكلتي الأكبر تكمن في كمّ البؤس والنكد والحقد والغضب التي يعجّ بها المسلسل، متمثّلا بشخصيّتَي سلام ونهاد.
سلام (التي تقوم بدورها سلافة معمار)، الدكتورة التي اختُطف زوجها وتعيش في بيتها الكبير الجميل مع ابنها الوحيد، تقع طوال المسلسل تحت ثقل الضغوط وتعاني من آثار حادث زوجها وتبعاته على نفسيّتها وجسدها، تكابد من أجل حماية ابنها ومستقبله ومن أجل العودة إلى حياتها الطبيعية قدر الإمكان، وتحاول كشف الأسرار الغامضة وراء اختطاف زوجها وما يحدث من أمور غريبة في المستشفى الذي تعمل فيه، وتستعين بمروان (إيهاب شعبان) الشاب الذي تشغّله سائقا لها فيحميها وتحميه ويشاركان بعضهما البعض في الهموم وحلّ لغز حادث الاختطاف.
أما نهاد (التي تقوم بدورها ندين تحسين بك)، صديقة سراب، فتتعرّض لصدمة عاطفية تتحوّل من بعدها إلى إمرأة الخبث والنكد، بدل أن تثير التعاطف معها باتت تثير الكراهية والنفور بسبب اتّباعها اللؤم الذي لا يُطاق، رغم اعتذار ظالميها في لحظة ضعف وإبداء الندم والأسف لها، والساديّة التي اتّصفت بها لمعاقبتهم.
وأخيرا يمكنني القول بأن مسلسل «مسافة أمان» ينجح في شدّ الاهتمام وإثارة التشويق ويترك في النفس مساحة من الفرح والعذاب.