خواطر من قلب الكابوس بلفور الأوّل وإبليس الأكبر وحجارة الشطرنج
تاريخ النشر: 22/04/20 | 15:25بقلم: علي هيبي
أنا على هيبي واحد من الناس البسطاء في قرية من قرى فلسطين، التي سلّم “أوّلها” الانتداب البريطانيّ للحركة الصهيونيّة وفقًا “لوعد بلفور” منذ 1917، فسلب المُلك من أصحابه الشرعيّين، وأعطى من لا يملكه لمن ليس له أيّ حقّ فيه، وجاء “بلفور” موديل 2020، الإدارة الأميركيّة برئيسها “ترامب” فسلّم “تاليها” وفقًا “لصفقة القرن” لدولة “اليهود” فسلب هو الآخر المُلك من أصحابه الشرعيّين، وأعطى من لا يملكه لمن ليس له أيّ حقّ فيه.
لو أنّ الصلف والاستعلاء والاستكبار، هذه المثالب الثلاث التي يتمتّع بها وبنسبة عالية الرئيس الأميركيّ “ترامب” كانت صفات شخصيّة فيه لأشحت عنه بوجهي، ولا أثارني صلفه ولا استعلاؤه ولا استكباره، ولأدرت له ظهري وجزءًا آخر من جسمي يقع في أسفل ظهري، بلا اهتمام وبإحساس كبير بإنسانيّتي وكرامتي وكبريائي الإيجابيّ ولأنّني لست ثورًا لأدير ظهري لهموم البشر. ولكنّ الصلف والاستعلاء والاستكبار مثالب خطيرة بكونها مركّبًا رئيسًا في عمق التفكير السياسيّ الأميركيّ، وبتشكيلها معظم عناصر سلوك هذه السياسة الأميركيّة الخطيرة المبنيّة على أسس ماديّة يقع الاقتصاد والمال والربح على الطريقة المكيافيليّة في صميمها، فعندما تكون الغاية تبرّر الوسيلة لا بدّ من أن تكون الغاية دنيئة ووسيلة الوصول إليها دنيئة مثلها، وبهذا تتنافى هذه السياسة بتفكيرها الاقتصاديّ المجرّد مع كلّ قيم الإنسان والإنسانيّة والأخلاق والقوانين الدوليّة والمواثيق التي أقرّتها أمم العالم، وهي تبغي لتحقيق تلك الأهداف اللاإنسانيّة السافلة السيطرة على موارد الشعوب وثرواتها، وتريد أن تنصّب دمًى تحكم تلك الشعوب لتسهّل عليها السلب والنهب بعد تمكّنها من الهيمنة على الثروات القوميّة لتلك الدول الفقيرة وإذلال شعوبها بحكّام صوريّين يخدمون أهداف تلك الغاية الدنيئة، والمثال الحيّ الماثل أمام بصائرنا وأبصارنا لهذه الأنظمة العميلة من ملكيّة وجمهوريّة الأنظمة العربيّة، وأكبرها مصر وأغناها السعوديّة.
وإذا كان ذلك الصلف والاستعلاء والاستكبار بهذه المثابة، فإنّني لا أستطيع – أنا علي هيبي – أن أشيح بوجهي عن هذه الموبقات الأميركيّة أو أن أدير لها ظهري ولا ما يقع في أسفل ظهري فقط، ولا أستطيع حتّى الوقوف معقود اللسان أو مكتوف الأيدي ولا راضخًا حقيرًا لهذه السياسات الأميركيّة وأذنابها في منطقتنا من العرب وغيرهم فقط، بل يجب عليّ وعلى من يماثلونني بالبساطة ويوافقونني الرأي والموقف ويتماهَوْن مع إنسانيّتي وأخلاقي ومناقبي السامية المخالفة لكلّ المثالب الأميركيّة الدنيئة أن يتّحدوا ويتحدّوا، خاصّة في هذا الزمان الكورونيّ البغيض والذي من الدلائل المحتملة بشكل شبه قاطع أنّ للأصابع الأخطبوطيّة السياسيّة والاقتصاديّة الأميركيّة دورًا كبيرًا وضالعًا في تكوينه، علينا يا فقراء العالم وبسطاءه أنّ نتصدّى لها وأن نناضل ضدّها بما أوتينا من أيادٍ بيضاء وأسلحة ممكنة وصدور عارية وضمائر حيّة وعقول سديدة وفكر ووعي منفتحيْن.
ومن هذا المنطلق فإنّه تصحّ تسمية الولايات المتّحدة الأميركيّة بالشيطان الأكبر ونعتها بدولة الاستكبار كما يحلو للمرشد الإيرانيّ، آية الله علي الخامنئي وغيره من المسؤولين الإيرانيّين أن يسمّوْها وينعتوها، وإذا كان الشيء بالشيء يذكر فإنّه يحلو لي دائمًا نعت الرئيس الأميركيّ الحاليّ “ترامب” بالثور الهائج أو الذئب الشرس المجرّد من كلّ ما هو جميل في الإنسان ويخلو من مثقال ذرّة خيرًا، من الإنسانيّة الطاهرة وتسميته بإبليس كبير الشياطين. ومع ذلك سنجد لهذا الشيطان الملعون أتباعًا من المسيلمين والمسيلمات العرب وغير العرب الكذّابين الذين خوّلهم الله نعمة في الأرض وسلّطهم على عباد الله المعتصمين بحبله، ولا غرابة أنّ حكّامنا العرب رؤساء وملوكًا هم الأشدّ انجرارًا وخدمة وخنوعًا، لأنّهم تعوّدوا دائمًا الارتداد على أدبارهم بائسين ومهزومين، لا يرفّ لهم جفن لذلّ ولا يخجلون لمهانة أو لخنوع للشيطانيْن: الأكبر الولايات المتّحدة الأميركيّة الخمسين والأصغر إسرائيل الولاية الحادية والخمسين، وقد حقـّت فيهم الآية الكريمة: “إنّ الذين ارتدّوا على أدبارهم من بعد ما تبيّن لهم الهدى، الشيطان سوّل لهم” (سورة محمّد: 25). ولكنّ هؤلاء لم يهتدوا في الماضي ولا يهتدون الآن ولن يهتدوا في المستقبل، لأنّهم لا يعيشون إلّا بما سوّله لهم الشيطان وسيبقوْن في تيههم وعلى ضلالتهم وخذلانهم إلى يوم الدين. وكأنّ الله لم يقل لهؤلاء المسيلمين والمسيلمات الأفّاقين في آياته الكريمة أيضًا: “وكان الشيطان للإنسان خذولا” (سورة الفرقان: 29) فهل ارعووْا! وقال: “ومن يتّخذ الشيطان وليًّا من دون الله فقد خسر خسرانًا مبينا” (سورة النساء: 119) و”إنّ الشيطان للإنسان عدوّ مبين” (سورة يوسف: 5) فهل سمعوا ووعَوْا وامتثلوا وكانوا من حزب الله المفلحين! أم رهنوا أنفسهم وثرواتهم وشعوبهم ومقدّساتهم لحزب الشيطان وقدّموها على أطباق من ذهب وعُقُل من قصب وعلى شكل نفط مخفّض السعر وعلى شكل أسلحة لا توجّه لصدر عدوّ بل لظهر صديق وشقيق، فكان هؤلاء الحكّام الفاسدون والمُفسدون حزب الشيطان، “ألا إنّ حزب الشيطان هم الخاسرون” (سورة المجادلة: 19). هؤلاء هم ملوك الهوان والذلّ والهزائم والجرائم، ولكن “ما طول عهد بدائم ولا سالم عمّا قليل بسالم” أو كما قال شاعر العرب الأكبر الذي مدح بسيفيّاته سيف الدول بمدائح تليق به لأنّه كان سيفًا مسلّطًا على رقاب أعداء الأمّة فحماها من أطماع الروم، وحاربهم وغلبهم في أدنى الأرض.
قال في داليّته: “لكلِّ امرئٍ منْ دهرِهِ ما تعوّدا وعادةُ سيفِ الدولةِ الطعنُ في العدا”
وقال في ميميّته: “أما ترى ظفرًا حلوًا سوى ظفرٍ تصافحَتْ فيه بيضُ الهندِ واللممُ”
واليوم مع هذه الزعنفة من الحكّام الأجراء لا سيوف ولا حروب ولا غلبة، بل إنّ كلّ ما يحلمون به رضا إبليس الأكبر عنهم، وكلّ ما يحملونه هو الهوان والخنوع للروم الجدد، ولا شيء غير الهوان الذي اعتادوا عليه فهانوا واستكانوا:
كما قال أبو طيّب شعرنا في ميميّة أخرى: “مَنْ يهنْ يسهلِ الهوانُ عليْهِ ما لجرحٍ بميّتٍ إيلامُ”.
وبعد أن صار العدوّ الأوّل شقيقًا “من عظام الرقبة” وصديقًا يفرشون له الورود ويلاقونه ويصلّون له كعام جديد في عواصمهم التي باتت بلا عصمة، وصار كلّ شيء محلولًا حدّ الدكك، وصار الشقيق عدوًّا لدودًا نقصف أمجاده التليدة في مأرب وغمدان وانتصارات سيفه بن ذي يزن المجيدة، ونقصف أولاده وأطفاله في صعدة والحجّة وصنعاء “الزغب الحواصل لا ماء ولا شجر” بالخطط والمشاريع الشيطانيّة وبالرادارات والطائرات الأميركيّة، وبعد أن صار الشيطان الأكبر نبيّ عصرهم والذي هو بلفور الثاني وصار “بلفور” الأوّل هو “المؤمن” الذي من أبرز آياته “إذا وعد وفى”، في عصرهم الكالح كوجوههم! أبعد هذا كلّه ألا تكفينا هذه الكورونا العربيّة القاتلة روحيًّا! فهل نحن بحاجة لفيروس يبثّه الشيطان الأكبر كي يقتلنا جسديًّا!
لذا لن أكتفي أنا علي هيبي بأن أقول: “لعنة الله عليهم: إبليس الأكبر وشياطينه الصغار وبلفور الأوّل”!
ولن أكتفي بالإشاحة بوجهي عنهم غير مبالٍ!
ولن أكتفي بإدارة ظهري غير آبه!
ولن أكتفي بإدارة ما هي في أسفل ظهري مشمئزًّا!
بل “نفسي أخفش عليهن أولاد هالتاخّة وعلى عُقُلهن الذليلة ببسطاري التاخخ اللي كعبو أعلى من روسهن الواطية”. وأبصق على لحاهم، “هذا واللهِ مكان البصقة” على حدّ تعبير الشاعر العراقيّ مظفّر النواب.