خواطر من قلب الكابوس المسدّس الشيطانيّ
تاريخ النشر: 29/04/20 | 0:13 بقلم: علي هيبي
تعرف الصحافة بالسلطة الرابعة، فإذا كانت السلطات الثلاث: التنفيذيّة والتشريعيّة والقضائيّة حتّى وإن تمتّعت بفصل كامل، فهي بالتالي أدوات بيد السلطة الحاكمة بغضّ النظر عن نوعيّة الحكم، ولكلّ منها نهج ومجال عمل وصلاحيّات، وكلّها تسعى من وجهة نظرها وطريقة ممارستها لصلاحيّاتها إلى تدعيم النظام وفق نظم مرسومة وثابتة، رغم ما يعتري ذلك من تناقضات وخلافات بينها أحيانًا، فالسلطة القضائيّة من المفروض أن تكون أكثرها نزاهة وموضوعيّة واستقامة إذا كان نظام الحكم ديمقراطيًّا، ولكنّها بالتالي تحكم وفق القوانين التي سنّتها وشرّعتها السلطة التشريعيّة، وتقوم أذرعة السلطة التنفيذيّة مثل الشرطة والموظّفين في الوزارات المختلفة بتنفيذها، وهي لا تتمتّع عادة بالنزاهة بل بمصلحة النظام ولا بالموضوعيّة بل بالظروف والعلاقات المشبوهة والامتيازات التي “تمنح لزيد وتمنع عن عبيد” وهذا يجعل في كثير من الأحيان بعض أنظمة الحكم التي تتباهي بالديمقراطيّة وتتغنّى بمنح الحريّات هي الأكثر إجرامًا والأكثر لاإنسانيّة، فنظام الحكم الأميركيّ هو نظام “ديمقراطيّ” وينعت بزعيم العالم الحرّ، وهو المعروف بتمييزه على مدى عقود طويلة ضدّ المواطنين الأميركيّين السود، وهذا النظام لطالما سلب شعوبًا حريّاتها واحتلّ بلادها وارتكب مجازر وجرائم، في فيتنام والعراق وأفغانستان ونهب خيراتها وثرواتها، ولطالما فرض حصارات اقتصاديّة حرم بها الشعوب من الغذاء والدواء كما في كوبا وفنزويلا، ولطالما سعى لتنصيب رؤساء حكّام دمًى وفقًا لمصالحه الاقتصاديّة كما في البرازيل وبوليفيا، ولطالما كان حليفًا وصديقًا لأكثر الأنظمة رجعيّة وتحجّرًا وكبتًا لشعوبها كما في السعوديّة، فما هي نسبة الديمقراطيّة في هذه الممارسات! هذا النظام الأميركيّ “الديمقراطيّ جدًّا وعلى آخر طراز” يريد أن يقتل الناس بفيروس وباء كورونا وغيره من الأوبئة والحروب كي يقلّل “المصروف” والإنفاق في الجانب الاجتماعيّ والثقافيّ والصحّيّ والتعليميّ والخدماتيّ كي تبقى الشركات الكبرى وتجّار السلاح والنفط والمال في وضع مريح ومتوازن، هذا النظام ليس فقط لا يهمّه ضمان عيش المواطن بكرامة وديمقراطيّة ولا أملاكه ولا حريّاته بل لا يهمّه حياته ووجوده أصلًا. وفي إسرائيل حتّى تسمية الدولة بأنّها دولة يهوديّة فيها عنصريّة وتمييز ولا ديمقراطيّة، وكذلك في رسم رموزها، ناهيك عن السياسات المتّبعة ضدّ المواطنين العرب، مواطنيها من تمييز صارخ في كافّة المجالات: هدم بيوت ومصادرة أراضٍ واعتداءات عنصريّة وتطرّف فاشيّ، فليشرْ لي أحد عن جانب ما ليس فيه تمييز ضدّ المواطنين العرب في إسرائيل عند التطبيق! وماذا مع احتلالها لشعبنا الفلسطينيّ وحرمانه من حقوقه الوجوديّة الأساسيّة، وإسرائيل دولة لطالما تغنّت كذبًا وتباهت بهتانًا بأنّها الدولة الديمقراطيّة الوحيدة في الشرق الأوسط! فأين مثقال ذرّة من الديمقراطيّة في هذه الممارسات!
أمّا السلطة الرابعة أي الصحافة إذا كانت حرّة وغير مجنّدة للدفاع الأعمى عن الأنظمة، وكانت ذات طريق واضح في كشف المستور وفضح عيوب السلطة وفسادها وإنصاف قضايا الناس والجمهور العامّ، فهي إذن سلاح ماضٍ بيد المواطنين والرأي العامّ المعبّر عادة عن القضايا التي تمسّ حياة الناس بصدق واستقامة ونزاهة، وعندما تكون كذلك فإنّ السلطات الأخرى تهابها وتحسب لها حسابًا، وتستحقّ أن تسمّى بالسلطة الرابعة التي تسعى لزعزعة سياسات النظام الفاسد بقوانينه التعسّفيّة وسياساته الظالمة وقراراته الفاشلة، بعكس ما تسعى إليه السلطات الثلاث.
كشفت بعض المقابلات التلفزيونيّة مع محلّلين اقتصاديّين وسياسيّين أنّ السياسة الأميركيّة الشيطانيّة والحيوانيّة المجرّدة من الإنسانيّة في عهد هذا الإبليس الأميركيّ، والمقترنة بالفكر الاقتصاديّ تسعى لتقليل عدد سكّان العالم وعدد سكّان الولايات المتّحدة الأميركيّة نفسها لضمان استمرارها كدولة قويّة ومسيطرة لمئة عام أخرى، لذلك ستجد هذا الإبليس يتمتّع الآن بنعمة الكورونا التي تعينه على تحقيق أحلامه الكابوسيّة السوداء. هكذا يغدو العالم عندما يصبح المال ليس القيمة الأولى في حياة الإنسان، بل القيمة الوحيدة في حياة الوجود الكونيّ برمّته. الآن الإبليس الأميركي يتمتّع ويفرح للموت ودفن الناس في باطن الأرض كما تمتّع إبليس الأوّل بهبوط آدم وحوّاء من الحياة الخالدة في جنّات النعيم، إلى الحياة الفانية في جحيم الأرض وشقائها.
في مقابلة تلفزيونيّة لمحطّة “ترو نيوز” أجراها الإعلاميّ “ريك وايلز” مع محلّل سياسيّ واقتصاديّ أميركيّ، تناولا فيها تقديرات رجل الاقتصاد الأردنيّ العالميّ “طلال أبو غزالة” وتحليلاته السياسيّة والاقتصاديّة الموضوعيّة لرؤية القادة الأميركيّين ورجال السياسة والاقتصاد الكبار، ومعهم كبار رجال الفكر السياسيّ، ومن أخطرها ما لا يمكن أن يخطر على بال بشر، “فهكذا يفكّر الشيطان” وهذه العبارة ترد بالحرف الواحد في تلك المقابلة على لسان مقدّم البرنامج كخلاصة هامّة ويوافقه الضيف على ذلك بشكل تامّ.
لا يختلف هذا التفكير الشيطانيّ الذي تضعه المؤسّسة السياسيّة والاقتصاديّة والعسكريّة الأميركيّة عن النظريّة المالتوسيّة التي توصّل إلى خلاصاتها توماس روبرت مالتوس (1766 – 1834) العالم الجغرافيّ والديمغرافيّ الإنجليزيّ في أواخر القرن السابع عشر وأوائل القرن الثامن عشر، وملخّصها أنّ التكاثر الإنساني يتزايد على شكل متوالية هندسيّة (2 – 4 – 16 – 256 – 65536) بينما الإنتاج الزراعيّ والمحاصيل الغذائيّة يتزايد على شكل متوالية حسابيّة (2 – 4 – 8 – 16- 32) وهذا الفرق برأيه سيحدث اختلالًا في التوازن المعيشيّ على هذه الأرض، وهو ينذر بكارثة اقتصاديّة واجتماعيّة من فقر وجوع وفوضى، ولذلك يجب وضع قوانين قسريّة للحدّ من النسل وبخاصّة عند الفقراء الذين لا يدركون “ولا حاجة لوجودهم أصلًا”، وإذا لم تفعل الحكومات مثل هذه القوانين فإنّ الطبيعة بقوانينها ستعيد التوازن بقتل البشر بالمجاعات والأوبئة والأمراض الفتّاكة والزلازل والهزّات والبراكين والحروب، ولذلك فهو يرى لضمان نوعيّة قليلة العدد وجيّدة النوع من البشر، يرى بتلك الكوارث والحروب التي تخلّص العالم من الأعداد الكثيرة وذات النوعيّة “الرديئة” نعمة من النعم التي يجب أن نفرح لها، تمامًا كما فرح إبليس بإنزال آدم من جنّات العلا إلى أدنى الأرض وكما يفرح الآن إبليس الجديد الأميركيّ بالكورونا. لقد خُلّد اسم مالتوس هذا صاحب هذه النظريّة الشيطانيّة على حبوب منع الحمل، ولذلك على كلّ مستخدمي هذه الحبوب على مختلف أنواعها وأسمائها أن يتذّكروه، وذلك بأن يصلّوا ركعتيْن حمدًا وشكرًا لهذا الإله الشيطانيّ الرجيم.
هذا هو مالتوس صاحب هذه النظريّة التي تنادي بقتل الناس بالأوبئة والحروب وغضب الطبيعة، ولكن الإبليس الأميركيّ لا يستطيع التحكّم بالطبيعة، لكنّه يستطيع التحكّم بالأوبئة والحروب، ولذلك فهو يسعى وفقًا لما ورد في تلك المقابلة التلفزيونيّة إلى صناعة الفيروسات وافتعال الحرب مع الصين “عدوّه الأوّل” بهدف تقليل “عدد القطيع”، وهو يسعى أيضًا إلى تقليل عدد سكّان الولايات المتّحدة، بلاده – التي يموت منها كلّ يوم حوالي 2000 إنسان – إلى 90 مليون، لأنّ الإنفاق على 300 مليون في شؤون البناء والصحّة والتعليم والرفاه والضمان الاجتماعيّ والـتأمين الوطنيّ يرهق الاقتصاد، ولكنّهم لا يتكلّمون عن التقليل من الترسانة العسكريّة النوويّة كي يُديم هيمنته على العالم، فإذا كان هذا التفكير بمصير الناس الأميركيّين، أهله فهل سيرعوي عن قتل 90% من سكّان العالم! وهل من الغريب على هكذا تفكير أن يصنّع وينتج وينشر الفيروسات، التي من الممكن أن تكون الكورونا نسختها البدائيّة! وقد صرّح كثيرون من الخبراء والمسؤولين الأميركيّين أنّه للخلاص من هذا الانهيار الاقتصادي الذي سيصاحبه عدم استقرار في أميركا وأوروبا وانقسام اجتماعيّ داخليّ وفوضى واضطرابات: “إذن لا بدّ من هذه الحرب” مع الصين!
هل يختلف هذا التفكير عن نظريّة “البقاء للأصلح” والتي هي صلب الفكرة النازيّة التي تؤمن بنقاء العرق الآريّ، كما آمن “آدولف هتلر”، ومن خلالها قتل الملايين وسعى إلى السيطرة على الاقتصاد العالميّ في الحرب العالميّة الثانية، وانتهى على ثلوج الاتّحاد السوفييتيّ وأمام صمود شعوبه، فهل يكون ترامب هتلر جديدَا! وهل تكون الولايات المتّحدة الأميركيّة ألمانيا نازيّة جديدة! وهل تكون الصين الشعبيّة اتّحادًا سوفييتيًّا جديدًا! باعتقادي ووفقًا لما أسمعه من تحليلات وما استشفّه من الوضع القائم في العالم تحت شبح هذا الوباء، وباقتراب الانتخابات الرئاسيّة في الولايات المتّحدة الأميركيّة، سوف يستغلّ ترامب ذلك لتجييش الرأي العامّ الأميركيّ معه لشعوره بإنّ الريادة والسيادة الأميركيّة على العالم تؤول تدريجيًّا إلى نهاية وشيكة، ولديونها المتراكمة ولتزعزع مكانتها الاقتصاديّة والعسكريّة ورؤيته لنموّ محاور جديدة قويّة في الصين وروسيا، سيلوّح بالحرب مع الصين وسيفتعل ذلك كي يحدّ من تعاظم قدرات الصين التقنيّة والاقتصاديّة، وتحت شعار “عظمة أميركا” والحفاظ على تقدّمها في المجالات جميعًا، فإنّه سينجح نجاحًا “ديمقراطيًّا” باهرًا وسيحظى بأغلب أصوات الأميركيّين وسيمهّد لنفسه الطريق ليصبح دكتاتورًا على العالم أو على قسم كبير منه ويسيطر على موارده وثرواته، وهو يعمل على إبطال فاعليّة الكونغرس كعنصر مؤثّر على قرارات الرئيس وعلى تقزيم دور الجمعيّات الإنسانيّة العالميّة والأميركيّة، ليحكم بلا أيّة معارضة سياسيّة أو اجتماعيّة أو إنسانيّة، ألم يسعَ إلى إفشال ما بدأه سلفه أوباما بتصحيح جهاز الخدمات الصحيّة الأميركيّة، وبذلك الإفشال يصبح ثمّة طبّ وصحّة للأغنياء وطبّ وصحّة للفقراء! ألم يتنصّل من معاهدة المناخ الدوليّة ومن الاتّفاق النوويّ مع إيران ومن الحدّ من الأسلحة النوويّة مع روسيا ومن الاتفاقيّات الاقتصاديّة مع الصين! وهو يتنصّل يوميًّا من كافة المواثيق الدوليّة التي أجمعت عليها الأمم المتّحدة بما سمّاه “صفقة القرن”! لا شيء مقدّس عند هذا الإبليس إلّا حكمه الشيطانيّ وشركات المال الكبرى والتجارة والمال والربح، على حساب الإنسانيّة وحياة البشر وأوطانهم وأملاكهم وحريّاتهم وكرامتهم! وبهذا سيكون هذا الترامب الشيطانيّ “هتلر” جديدًا، وسيعيد التاريخُ نفسَهُ على شكل مأساة.
وفي نداء عاجل وحملة تواقيع دعت إليها منظّمات إنسانيّة وشعبيّة وطبّيّة وتحت شعار “أنقذوا منظّمة الصحّة العالميّة” وصل عدد الموقعّين عليه إلى زهاء المليون، لأنّ الإبليس الأكبر “ترامب” وبتصرّف استعلائيّ مقيت وبصلف أنانيّ صفيق أوقف كلّ أشكال الدعم لهذه المنظّمة الدوليّة، وإيقاف عمل هذه المنظّمة ونشاطها الآن يعني أنّه لن يكون من الممكن إنقاذ ملايين الناس في العالم، وبخاصّة في الدول الفقيرة من كورونا، وهذا الفيروس المتجدّد لا يختلف بهيمنته عن هيمنة “ترامب” الشيطان المتجمّد ولا عن هيمنة “هتلر” الشيطان ولا عن “مالتوس” الشيطان ولا عن “مكيافيلي” الشيطان، في هذا العالم الذي يريد الشياطين أن يُحكموا قبضة هيمنتهم عليه بقطيع قليل ومال كثير.
وبهذه الأضلاع الستّة: الكورونا وترامب وهتلر ومالتوس ومكيافيلي وإبليس يكتمل المسدّس الشيطانيّ الموجّه بكافّة فوّهات رؤوسه إلى الحقّ بالوجود الإنسانيّ والمُلك الشخصيّ والوطنيّ وإلى الحقّ بالعمل وضمان الحياة الكريمة وإلى الحقّ بالحريّات وإلى الحقّ بالتأمين الصحّيّ والتعليم المجّانيّ والرفاه الاجتماعيّ والمستقبل السعيد، على هذه الكرة المهدّدة بالمسدّس الشيطانيّ وفيروسات الديمقراطيّات المزيّفة والأوبئة المفتعلة والحروب المبرمجة.
في هكذا عالم ما هي أهميّة وجود السلطات الثلاث! وما قيمتها سواء فُصلت أو لم تُفصل! وما أهميّة الصحافة كسلطة إذا كانت رابعة أو خامسة أو عاشرة! فهل ستكون سلاحًا بيد جثث الفقراء الذين قتلتهم الشياطين وهل ستكون ركامَ شاهدٍ على دمار الشعوب والأوطان وحطامَ دليل على انهيار العمران والحضارة!
بماذا ستنفع السلطاتُ والهيئاتُ والمنظّماتُ كلّها “بصرى” بعد خرابها وموت أهلها!؟