الأمير عبد القادر كما تراه حفيدته بديعة الحسني – معمر حبار
تاريخ النشر: 02/05/20 | 12:45قرأت الكتاب الذي بين يديك سنة بتاريخ: الثلاثاء 28 رجب 1438، الموافق لـ 25 أفريل 2017، ولم أعرضه حينها، أي مرّ على قراءته لحدّ الآن 3 سنوات وهو: كتاب “الأمير عبد القادر، حقائق ووثائق بين الحقيقة والتحريف”، الأميرة بديعة الحسني الجزائري، دار المعرفة، الجزائر، الطبعة الثانية 2008 ، من 386 صفحة.
رجعت اليوم لمسودتي فكانت هذه القراءة:
أوّلا بديعة الحسني من خلال الكتاب:
1. تكمن أهمية الكتاب في أنه صادر من أحد أفراد عائلة الأمير عبد القادر رحمة الله عليه.
2. واضح جدا أن الأستاذة تملك ثقافة واسعة، واطلاعا شاملا، وظهر ذلك من خلال المراجع التي استحضرتها من ذاكرتها أحيانا، ومن التدوين أحيانا أخرى كما هو موضح في الهوامش.
3. إعتمدت على المراجع الجزائرية والعربية.
4. إعتمدت بشكل متكرّر على المراجع الغربية.
5. إستعملت الأستاذة في الدفاع عن الأمير عبد القادر بعض الألفاظ الجارحة وغير المناسبة ولا المبررة.
6. كانت منفعلة جدّا في نظرتها، ومفرداتها، وردّها على بعض الأساتذة.
7. لغة الكتاب بسيطة جدا، يمكن للقارئ العادي أن يقرأ الكتاب بسهولة ويسر.
8. لاحظت طغيان السرد والانفعال في غير محلّه، والهجوم غير المبرّر
9. تقدّم نفسها على أنها الأميرة بنت الأمير عبد القادر، والكتاب هو لبنت الأمير.
خامسا عظمة الأمير عبد القادر:
1. كان الأمير يقاتل بيد ويبني بيد.
2. تحدثت بإسهاب عن القلاع والحصون التي بناها الأمير.
3. إستعان الأمير بعلماء الأزهر الشريف، والزيتونة، والقرويين وكبار الفقهاء في العواصم الإسلامية.
4. تحدّث الجنرال السفاح بيجو أمام البرلمان الفرنسي عن عظمة الأمير فحصرها في الترحال الذي كان يتبعه الأمير ويصعب العثور عليه.
5. رفض الأمير أن يلقب بالسلطان أو الخليفة احتراما للسّلطان العثماني، واختار لنفسه لقب الأمير. وكان يعامل السلطان العثماني بكل احترام وتقدير، رغم أن الدايات كانوا لايكنّون الاحترام للسلطان العثماني.
6. كان الأمير يرى أن التشتّت الذي مسّ القبائل هو العائق الأساسي لأية مواجهة.
7. الحياة الفطرية البسيطة البعيدة عن الترف والإسراف أثّرت بشكل كبير على الأمير عبد القادر.
8. أكمل الأمير عبد القادر تعليمه في وهران، والزيتونة، وفاس وكانت البيعة سنة 1832، وهو في 21 من عمره.
9. من عوامل قوّة الأمير معرفته للخلفية الثقافية بطبيعة بلاده الجغرافية، وكان لدور الطبيعة أهمية كبرى في نجاح مخططات الأمير.
10. عرضت على أب الأمير عبد القادر الإمارة بعد الاحتلال الفرنسي 1830، فرفض لكبر سنه واقترح ابنه الأمير عبد القادر وهو 24 من عمره.
ثانيا: الأمير عبد القادر: استسلم ولم يخن ولم يهاجر:
11. مارست الأستاذة ضغطا على القارئ حين كانت تردّ التهم عن الأمير عبد القادر بقوة، معللّة ذلك أن الأمير حفيد سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن أسيادنا آل البيت الأطهار رضوان الله عليهم جميعا وإلى يوم الدين.
12. تستعمل مصطلح “انسحب”، و “رسالة وقف الحرب”، و “وثيقة طلب الاستئمان الزمني”، ولا تستعمل إطلاقا مصطلح استسلم وهي تتحدّث عن الأمير.
13. ترفض بشدّة وبقوّة كل من يتحدّث عن استسلام الأمير، وسلم نفسه، وتضعها بين شولتين. وتصف أصحابها بالكذب، والزور، والخلط بين السياسة والتاريخ، وتستعمل في المقابل مصطلح “تسليم راية الجهاد إلى الشعب الأبي”.
14. تقول الكاتبة أن من أسباب هزيمة الأمير عبد القادر، بعض الجزائريين الحاقدين على الأمير والرافضين لحكمه، وبعض القبائل الجزائرية التي كانت موالية لفرنسا ودعمتها فرنسا لمناهضة الأمير وطمعا في سلطة ونفوذ، وسلطان المغرب يومها بعد معاهدة طنجة وقد ضيّق على الأمير وحاربه، بالإضافة إلى الاحتلال الفرنسي، فأصبح الأمير محاصرا من طرف الأخ، والجار، والعدو، وعلى إثرها كانت نهاية الأمير.
15. العوامل التي أدّت إلى انهزام الأمير: أبناء قومه، وقوم الجوار، والقبائل الجزائرية المسلحة بأسلحة فرنسية.
16. ترفض وبشدّة القول أن الأمير عبد القادر استسلم، وتصف قائلها بأبشع الأوصاف.
17. استعملت الأستاذة في البداية مصطلح طلب الأمان ثمّ تقول أن الأمير عبد القادر هاجر مثله في ذلك كمثل سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي هاجر، فالأمير في نظرها هاجر من الجزائر، فهي -في نظرها- هجرة وليس أمر آخر.
18. بذلت قصارى جهدي لأفهم معنى الهجرة الذي تبنته الأميرة بنت الأمير ولم أستطع إلى ذلك سبيلا.
19. بالغت الكاتبة كثيرا حين اعتبرت استسلام الأمير هجرة وما هي بهجرة.
20. حين نقول أن الأمير عبد القادر استسلم، فإننا نذكر أن الأمير جاهد المستدمر الفرنسي وهو ابن 24 سنة وطيلة 17 سنة، وكان من وراء استسلامه، تعاون الجيران مع فرنسا، وخيانة بعض الجزائريين، وخيانة الأتراك، وخيانة بعض القبائل الجزائرية، وعدو فرنسي يفوقه عددا وعدّة، فاختل التوازن فاستسلم.
21. استسلام الأمير ليس عيبا ولا إهانة، ولا حطّا من قدره، إنما منطق المعارك والحروب، أجبرته على الاستسلام.
22. تحاول الأميرة بنت الأمير دفع فكرة استسلام الأمير عن الأمير بكل الطرق ولو كانت مضحكة كالقول أن الأمير عبد القادر هاجر وما هي بالهجرة.
23. التهوين من عظمة وجهاد الأمير عبد القادر ضدّ المحتل الفرنسي من الخيانة في حقّه وحق الجزائر، والقول أن الأمير عبد القادر هاجر من الجزائر خطأ وقعت فيه الأميرة بنت الأمير.
سادسا نقدي لمراجع الأستاذة التي حذّرت منها:
24. تحذّر الأستاذة بشدة من بعض الكتّاب الفرنسيين، كـ: الجنرال دوماس، والكابتن كاريت، والكولونيل مارتي.
25. لن أناقش الكتب التي لم أقرأها وسأكتفي بالكتاب الذي قرأته، وهو: Professeur GEORGES YVE “LES CORRESPONDANCES DU CAPITAINES DAUMAS, Consul de France à Mascara 1837-1839, Rapports et entrevues inédits sur l’Emir Abdelkader” , el Maarifa, Algérie, 2 édition2008, 562 pages.
26. أختلف جذريا مع الكاتبة بشأن الكتاب الذي بين يدي وقد سبق أن علقت عليه في مقال عبر الحلقة الأولى بعنوان ” الأمير عبد القادر.. رسائل السفير الجاسوس دوما لدى الأمير”.
27. الكتاب يحتوي على وصف دقيق للأوضاع التي سادت تلك الفترة، رغم أنه يقرّ أنه الحاقد والحاسد والمبغض والكاره للأمير عبد القادر. وقد بالغت الكاتبة في التحذير منه وتعاملت مع القارئ على أنّها الوصية ومارست ضغوطا غير مبرّرة، وكان عليها أن تعرض وجهة نظرها، وتبيّن ماجاء في الوثائق الغربية من عيوب، وتبتعد عن طريقة التحذير.
ثالثا: متفرقات:
1. ذكرت الأستاذة أن الكاهنة كانت علاقتها جيّدة جدّا مع الفاتحين العرب، وأحسنت إلى القائد حسان بن نعمان، وأوصته بابنيها خيرا، فجعلهما ضمن قادته، وكذلك كان الوضع مع كسيلة.
2. تفتخر بالحكم الوراثي وتنسبه إلى سيّدنا معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه وأرضاه.
3. بذلت جهدا كبيرا لإثبات أن أصل الأمير عبد القادر من الأدارسة بالمغرب، عبر صفحات 22-25، وتحت عنوان ” دولة الأدارسة وأسباب ترحيب القبائل بها”. وكانت عنيفة جدا ضد كل من ينكر هذا النسب أو يتجاهل مرحلة الأدارسة 172هـ – 459 هـ.
4. شكّكت في كتاب “المواقف” للأمير عبد القادر.
5. الأمير مصطفى إسماعيل وهو العضد الأول لباي وهران التحق بالمحتل المغتصب.
6. الكتاب مبني على فكرة تكذيب أن مذكرات الأمير كتبت بعض مقاطعها بالعامية، وفي نفس الوقت تنقل رسالة الأمير للسلطان العثماني في صفحة 45، وهي تضم عبارات بالعامية لمن أراد أن يعود إليها.
7. بعث الضابط الفرنسي السفاح الجلاد المجرم سانت آرنو في 18 جانفي 1844 لرؤسائه الغزاة المحتلين، وهو يصف الجزائريين بقوله: “لن أترك لهم شجرة واقفة في بساتينهم ولا رأسا بين كتفي هؤلاء الأشقياء”.صفحة 63، نقلا عن الأستاذ محفوظ قداش.
أخطاء الأستاذة بديعة:
8. لم تترك الأستاذة أستاذا جزائريا ولا عربيا ولا غربيا إلاّ ونال حقّه من الهجوم العنيف.
9. تستعمل مصطلح “دخول القوات الفرنسية !”، عوض الاحتلال الفرنسي أو الاستدمار الفرنسي.
10. تتحاشى إطلاق لفظ جاسوس على الجاسوس ليون روش.
11. تتعمّد صاحبة الكتاب إلى عدم التطرق لخيانة السلطان العثماني للأمير عبد القادر، ورفض تقديم المساعدة له.
12. بالغت الأميرة الكاتبة في استعمال عاطفة البنت حين أصرّت على القول أن الأمير هاجر، وكان عليها أن تتعامل مع الأمير ككاتبة تذكر حقائق ولو كانت مريرة كالقول أن الأمير استسلم، وهذا لا يعيبه في شيء وقد ذكر ذلك من قبل الأمير خالد في كتابه “الأمير عبد القادر”، و وصف أدق تفاصيل الاستسلام.
وصايا القارئ النّاقد:
13. أنصح كل من يتحدّث عن الأب أو الأم أن يتطرق لحياته الشخصية التي لايعرفها القارئ ولا يمكنه أن ينازع الابن أو ينتقده فيما كشفه الابن ويستفيد حينها الجميع.
14. حين يتطرّق الإبن لحياة الأب الفكرية من منطلق الابن فإنّه سيحمّل الأب مالا يطيق ويسيء إليه من حيث لايدري، وهذا ماوقعت فيه الحفيدة بديعة وهي تتحدّث عن الجدّ الأمير عبد القادر بعاطفة البنت المفرطة ولم تحسن التفريق بين البنت والكاتبة فمالت للبنت ناسية أنّها الكاتبة.
15. عاملت الأمير عبد القادر على أنّه يطير في السّماء ويمشي فوق الماء. واحترامنا وتقديرنا للأمير عبد القادر نابع من كونه إنسان مكتمل الأخلاق وشاعر وبطل وعاشق ومجاهد وصادق وأمين ومخلص ومعاهد يتعرّض لما يتعرّض له الفارس الشّجاع النبيل من جروح وسقوط وخسارة.
16. ذكرت بعض خصال الأمير عبد القادر الخالدة لكن لم تظهر جليا لأنّها لم تحسن توزيع الفصول وكانت متشابكة غير مفهومة، ولو قسّمت الكتاب للرد والتحقيق من جهة وذكر خصال الأمير من جهة لكان أنفع للقارئ وأحسن.
17. يتمنى القارئ النّاقد من الأستاذة بديعة الحسني الجزائري أن تفرد في الأيام القادمة كتابا عن حياة الأمير الأسرية مع زوجه وأبنائه في الجزائر أو في دمشق وتستطيع بذلك أن تقدّم إضافة غالية ونادرة وأحسن بكثير مما قدّمته في كتابها هذا الذي لاينكر فضله أحد.
18. يظلّ الجزائري يعترف بجميل سورية الحبيبة حين احتضنت الأمير حيا والأمير ميتا إلى أن أعادته للجزائر معزّزا مكرّما بعد استرجاع السيادة الوطنية في انتظار أن تستعيد الجزائر جماجم أسيادنا الشهداء من فرنسا المحتلة المغتصبة.
19. تحية تقدير واحترام للأستاذة بديعة الحسني الجزائري على ماقامت به من جهد تجاه الأمير عبد القادر راجين التوفيق والسّداد في الأعمال القادمة.
—
الشلف – الجزائر
معمر حبار