الحاكم بين الرّقة والشّدة من خلال سيّدنا سليمان عليه السّلام – معمر حبار
تاريخ النشر: 10/05/20 | 19:36قرأ إمام صلاة التراويح سورة النمل، فاستوقفتني الملاحظات التّالية التي أقف عليها لأوّل مرّة، وهي:
1. سيّدنا سليمان عليه السّلام وهو الحاكم والقائد الأعلى للقوات المسلّحة يهدّد الهدهد إن لم يأتيه بالخبر اليقين. ويهدّد بلقيس إن لم تأتيه طائعة وتسلّم له أمر جيشها ودولتها.
2. الملفت للنظر أنّ الهدهد ضعيف وبلقيس امرأة ضعيفة. لماذا إذن هذه الشدّة والحسم والقوّة والبأس مع الضعفاء؟ والإجابة هي:
3. حين يتعلّق الأمر بتهديد أمن الدولة وسلامة المجتمع وجب التعامل مع من يهدّد الأمن والسّلم بالقوّة والرّدع المطلوبين ودون تراجع.
4. لايوجد في أعراف الدول ضعيف حين يهدّد هذا الضعيف أركانها وبنيانها.
5. سيّدنا سليمان عليه السّلام وهو الحاكم والقائد العسكري لم يتعامل مع الضعفاء على أنّهم ضعفاء يمكن التّسامح مع أخطائهم التي تهدّد أمن واستقرار المجتمع بل تعامل معهم على أنّهم يهدّدون الدولة والمجتمع بغضّ النظر عن كونهم ضعفاء أو أقوياء. مايستوجب الموقف القوي ودون تراجع حتّى يضمن أنّهم فعلا لايهدّدون أمن واستقرار المجتمع.
6. هدّد الهدهد بقوله: “لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ” النمل – الآية 21. وهدّد بلقيس بقوله: ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُم بِجُنُودٍ لَّا قِبَلَ لَهُم بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُم مِّنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ” النمل – الآية 37.
7. لم يكتفي سيّدنا سليمان عليه السّلام باعتباره الحاكم والقائد العسكري من تهديد بلقيس بل راح يستعرض أمامها القوّة العسكرية الخارقة التي لاقبل لها بها وذلك إمعانا منه في تثبيت التهديد العسكري ولكي يضمن انهيارها أمامه ويضمن أنّها لاتهدّد أمن وسلامة مجتمعه. ” قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ ۖ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَن سَاقَيْهَا ۚ قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُّمَرَّدٌ مِّن قَوَارِيرَ”، النمل – الآية 44.
8. كنت شاهد عيان أيام العشرية الحمراء من التسعينات من القرن الماضي التي فرضت على الجزائر يومها حين كانت تجيّش قوّة عسكرية ثقيلة جدّا من حيث العتاد وكثيرة جدّا من حيث العدد وانتشار واسع لأجل شخص واحد.
9. حين تدخل المرأة الحكم والقيادة يجب التعامل معها على أنّها حاكمة قائدة وليس امرأة ضعيفة. وتعامل حينئذ بنفس القوّة التي يعامل بها الحاكم الرجل. وحين تحكم المرأة يجب عليها أن تضع في الحسبان أنّها الحاكمة القائدة وليس المرأة الضعيفة. وتستعمل القوّة الضّاربة والشّراسة المطلوبة حين يتطلّب المقام ذلك. ولا يحقّ حينئذ أن يقال: كيف تعاملون امرأة بهذه القوّة؟ والجواب: إنّها حاكمة قائدة تعامل معاملة الحاكم القائد. ومن أراد الرّقة واللّطف فليعتزل الحكم وله حينئذ اللّطف والحنان.
10. بقيت الإشارة أنّ سيّدنا سليمان عليه السّلام كان رحيما بالنمل أي رحيما بضعفاء المجتمع الذين لم يهدّدوا أمن واستقرار المجتمع ولم يطلبوا غير حمايتهم “فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِّن قَوْلِهَا ” النمل – الآية 19.
11. وكان مشجّعا مدعما لـ “عِفْرِيتٌ مِّنَ الْجِنِّ” النمل – الآية 39. ولـ “الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ” النمل – الآية 40. باعتبارهم من أفراد المجتمع الذين قدّموا خدمات جليلة خارقة لخدمة المجتمع أيام المحنة، فاستحقّوا من الحاكم القائد كلّ التشجيع والثناء. وهذا من واجبات الحاكم القائد تجاه رعيته وأبناء مجتمعه.
12. يستعمل الحاكم الشدّة والقوّة حين يتعلّق الأمر بمسّ أمن وسلامة المجتمع و لو كان ضعيفا أوامرأة ضعيفة. ويشفق على الضعيف حين يطلب المساعدة وأن يحترم ولا يداس. ويثني على كلّ من خدم المجتمع والرّفع من مستوى أبنائه وكان سدّا منيعا أمام كلّ من يتربّص به. وهذه من واجبات الحاكم القائم التي يجب أن يقوم بها في حينها وحين يتطلّب المقام وحسب الظروف المحيطة حينها وبما يضمن أمن واستقرار المجتمع.
—
الشلف – الجزائر
معمر حبار