لماذا ينتحر المبدعون ..؟!
تاريخ النشر: 09/10/11 | 5:33بقلم شاكر فريد حسن
في ذلك اليوم المشؤوم الذي بلغنا فيه نبأ رحيل عاشق صفورية ، الشاعر الفلسطيني المبدع ، والانسان الجميل الرقيق الهادئ الدمث والمتزن طه محمد علي ، صاحب حانوت التذكاريات العريق بمدخل سوق الناصرة ، الذي كان بمثابة صالون ادبي يجتمع فيه ادباء وشعراء الداخل الفلسطيني. في ذلك اليوم علمنا بالخبر الحزين الكئيب المؤلم بانتحار المسرحي الفلسطيني ، من اصل فرنسي، فرانسوا ابو سالم ، مؤسس مسرح “الحكواتي” في القدس ، بطريقة مروعة ، حيث القى نفسه عن سطح مبنى في طيرة رام اللـه..!
والسؤال الذي ينتصب امام هذا الموت التراجيدي المباغت والمدهش : لماذا ينتحر المبدعون..؟!وما الذي يجعل شاعراً كاللبناني خليل حاوي يموت انتحاراً احتجاجاً على الصمت العربي ازاء الحرب الهمجية على لبنان عام 1982..؟!وما هي الدوافع والاسباب التي جعلت فرانسوا ابو سالم الى وضع حد لحياته باللجوء الى الانتحار ؟!. هل هو الشموخ والكبرياء يا ترى..!! ام هو اليأس والكآبة والاضطراب النفسي؟ ام هو الوضع المعيشي والاقتصادي السيء؟ ام ان هذا الانتحار هو احتجاج على بؤس المرحلة والواقع المزيف واستحالة التغيير ؟!.
ان موت ورحيل فرانسوا ابو سالم ، هذا الفنان المسرحي المعروف، شكل صدمة كبيرة لاصدقائه ومعارفه ومجايليه وجمهوره ومحبي فنه . كيف لا وهو باعث الحداثة في المسرح الفلسطيني تحت الاحتلال في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي ، والركيزة الاساسية ، التي بنيت عليها دعامة المسرح الفلسطيني الحديث، وذلك بانشاء وتأسيس مسرح “الحكواتي” او المسرح الوطني الفلسطيني بتسميته الجديدة . وهذا المسرح كان ولا يزال الحاضنة للوعي الوطني والروح الوطنية، والجبهة الثقافية والفنية الامامية والصدامية للمقاومة ومواجهة ومقارعة الاحتلال البغيض، ومنتدى التجريب والابداع المسرحي والفني الملتزم.
فرانسوا ابو سالم لم يولد لابوين فلسطينيين ، لكنه كان فلسطينياً حتى الثمالة وحتى النخاع، بارادته ورغبته الذاتية والشخصية. رغم انه كان باستطاعته ان يعيش في نعيم الريفييرا الفرنسية ويكون احد ابرز مسرحييها ويستمتع برغد العيش وبحبوحة الحياة ، لكنه اختار فلسطين حباً وطواعية، مكاناً للحياة والحب والابداع والعطاء والمستقبل . وقد اعطى جل حياته للمسرح والقضية والوطن ، فناً وثقافة ونضالاً وابداعاً .
اشتهر فرانسوا ابو سالم بالاخراج المسرحي وطوع مسرحيات كثيرة للمشاهر العالميين ، فقدم داريو فو وبريخت وتشيخوف ويانيس ريتسوس وسواهم للجمهور الفلسطيني وعشاق الفن المسرحي. كذلك كتب العديد من المسرحيات بالعربية مثل “ذاكرة النسيان” التي استند فيها الى عمل الراحل محمود درويش الابداعي الجميل اضافة الى عمله “ظل الشهيد” الذي مسرحه ولقي اقبالاً وتجاوباً واسعاً منقطع النظير .
فرانسوا ابو سالم شخصية فنية اشكالية ، وعلامة فارقة ساطعة في تاريخ المسرح الفلسطيني . ورحيله المفاجئ والمباغت هو خسارة فادحة للمسرح الفلسطيني وللحياة المسرحية والثقافية الفلسطينية ، وسنشتاق اليه كثيراً على خشبة المسرح . واخيراً من واجب المؤسسات الثقافية والاعلامية الفلسطينية العمل على تخليد اسمه واحياء ذكراه والحفاظ على ارثه المسرحي والفني وتقديمه ونقله للاجيال الفلسطينية القادمة .
عندما يصل المرء للكمال في مجال الحياة يحدث عنده نوع من الفراغ مما يؤدي للانتحار !!
وطبعا الفراغ الديني والابتعاد عن الدين
الديانات السماوية ترفض الانتحار وتحرّمه!
وهذه الظاهرة لا تقتصر على المبدعين، وقد تتعدّد
أسبابها ودوافعها، ولكنّا لا نملك إلّا أن نعبّر عن
ألمنا وحزننا على الراحلين، ونسأل الله لهم المغفرة
وحسن الثواب.