صار لمشروع الضم حكومة بقلم د. جمال زحالقة
تاريخ النشر: 19/05/20 | 13:00أدى أعضاء الحكومة الإسرائيلية اليمين الدستورية، ووصلت إلى نهايتها (المؤقتة) الأزمة السياسية التي استمرت سنة ونصف السنة، والتي جرت خلالها ثلاث معارك انتخابية ساخنة، كان في مركزها، هل يسقط نتنياهو أم يعود إلى كرسيّه؟ ورغم عدم حصوله على أغلبية وبالرغم من تقديم لائحة اتهام ضده ومن بدء محاكمته الأسبوع المقبل، فإنّه عاد منتصرًا إلى كرسي رئاسة الحكومة وللمرة الخامسة. وفي طريق العودة استطاع تفتيت تحالف ” إلى ثلاثة كيانات حزبية، وتمزيق قائمة “العمل ميرتس” إلى ثلاثة أو حتى أربعة أطراف، وشق حزبٍ “يمينا”، وقام أيضًا بإبعاد منافسيه المحتملين في الليكود عن مناصب قد تفيدهم في المنافسة على زعامة الحزب والدولة، وضمن تعيين وزراء يخدمونه سياسيًا وشخصيًا.
جاءت هذه الحكومة برأسين متساويين ظاهريًا، نتنياهو الآن وغانتس بعد سنة ونصف السنة، ولكن في الواقع، الأول هو رئيس مهيمن والثاني رئيس ثانوي، ومن الممكن ألا يحظى بالجلوس على كرسي رئاسة الحكومة، لأنّ نتنياهو قد يستغل أي فرصة للإفلات من التزامه بالتناوب، والذهاب الى انتخابات تبعّا للتطورات في ملفّاته الحالية وفي ملفّه المقبل، وهو ملف الأسهم، الذي يقال عنه بأنّه الأخطر.
في جلسة الحكومة الأولى، التي جرت في الكنيست، حدّد نتنياهو، بالبث المباشر، خمسة تحديّات تواجه حكومته: أزمة كورونا الصحية، والاستعداد لجولة ثانية آتية كما قال، الأزمة الاقتصادية الخانقة ودعم المصالح الاقتصادية ومعالجة البطالة المتفشية، الخطر الإيراني ومنع إيران من الحصول على قنبلة نووية ومن التواجد في سوريا، فرض السيادة الإسرائيلية على منطقة غور الأردن والمستوطنات في الضفة الغربية، التصدّي لمحكمة الجنايات الدولية.
كان من عادة نتنياهو في الماضي أن يتطرق الى تحد آخر، وهو «خطر الصواريخ من غزة ولبنان وخطر الإرهاب». هذه المرّة لم يذكر ذلك، لأنّه لا يرى أن هناك حاجة لفعل إسرائيلي مبادر في الفترة القريبة. وتدل تصريحاته وتصريحات قيادات عسكرية، أن إسرائيل وضعت استراتيجية للتعامل مع هذا «الخطر» في إطار ردّ الفعل وليس المبادرة العلنية، أي أنّ إسرائيل تملك خططا جاهزة للعدوان العسكري على غزة وعلى لبنان، إذا اقتضت «الضرورة» في أعقاب تصعيد أمني على هاتين الجبهتين، أو على أحديهما. في هذا الموضوع تحديدًا سيكون لوزير الأمن الجديد، الجنرال احتياط بيني غانتس ولزميله جابي أشكنازي دور مهم ارتباطًا بموقف المؤسسة الأمنية، ذات الوزن الكبير في اتخاذ القرار في هذا الموضوع.
نتنياهو، أيضًا، لم يأت في خطابه ومقابلاته على العلاقة مع الدول العربية. في الماضي القريب اكّد المرة تلو المرة على أن إسرائيل ودول عربية معيّنة على اعتاب البوح بالعلاقة، وجعلها معلنة وعلنية، لكن يبدو ان «العرس» تأجّل بسبب أولوية مشروع الضم، ومنعًا للإحراج الناجم عنه. وفي تقييم تعامل نتنياهو وترامب مع رد الفعل العربي على الضم، كتب صحافي إسرائيلي بأنّه مزعج مثل «العلكة الملتصقة بأسفل النعل». فلا يعتقد نتنياهو ومن حوله بأن علاقات إسرائيل السرية والعلنية مع الدول العربية ستتأثر كثيرًا، أو بأنّه سيكون هناك قطع لمثل هذه العلاقات بسبب الضم.
فيما يتعلّق بمشروع نتنياهو المركزي وهو مشروع ضم منطقة غور الأردن والمستوطنات، فإن نتنياهو يضرب بعرض الحائط موقف المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، المتحفّظ على مثل هذه الخطوة، تبعًا لتأثيرها على العلاقة مع الأردن ومع مصر، وعلى استقرار واستمرار وجود السلطة الفلسطينية وبسبب المتاعب الأمنية الناجمة عن لوازم حماية خطوط حدود طويلة ومتعرّجة تصل الى 1700 كم.
خلال تقديمه لحكومته الجديدة وخلال الطقوس والمقابلات، التي رافقتها، عاد نتنياهو وكرّر الإعلان عن نيّته القيام بالضم قائلًا: «هذه المناطق هي مهد نشوء وتكوّن الأمة اليهودية، وحان الوقت لفرض القانون الإسرائيلي عليها، وتسطير فصل مجيد إضافي في تاريخ الصهيونية. مئات آلاف المستوطنين في يهودا والسامرة، أخوتنا وأخواتنا، سيبقون حيث هم في أي اتفاق سلام دائم. وآن الأوان حتى يعترف الفلسطينيون بهذه الحقيقة». من الصعب، ولكن ليس من المستحيل، أن يتراجع نتنياهو عن التزامه هذا بتطبيق الضم، خاصة أنّه تفاخر فوق كل منصة بأنّه هو وليس غيره من جاء بهذا «الإنجاز»، حيث قال بأنّه عمل طيلة ثلاثة أعوام متتالية في الإقناع وفي التحضير له، مضيفًا ملاحظات استهتار بالذين يلتفون عليه من اليمين ولم يفعلوا شيئًا على أرض الواقع.
قام نتنياهو بإقناع ترامب، وبقي عليه ان يشكّل حكومة تقوم بالمهمة. وفعلًا كان شرط نتياهو الإلزامي في مفاوضات تشكيل الائتلاف الوزاري، عدم عرقلة مشروع الضم. ففي حين يقضى الاتفاق بين نتنياهو وغانتس على عدم تمرير قوانين وقرارات مهمة إلا بالاتفاق، وافق حزب «أزرق أبيض»، على التنازل عن حق النقض «الفيتو» بكل ما يتعلق بمشروع الضم، ووافق الطرفان على حق نتنياهو في طرحه وتمريره في الحكومة والكنيست، وهذا ما مهّد الطريق لتشكيل الحكومة بلا عوائق سياسية. وفي الاتفاق مع عضو الكنيست أورلي ليفي صيغ النص بطريقة محدّدة، وهي الالتزام بدعم «بسط السيادة الإسرائيلية على مناطق في الضفة الغربية بالتنسيق مع الولايات المتحدة». جاء تعبير «ضم بالتنسيق مع الولايات المتحدة» لضمان موقف أمريكي إسرائيلي في جبهة واحدة ضد المحكمة الجنائية الدولية، إن هي شرعت بإجراءات فرض عقوبات على قيادات إسرائيلية، بسبب ضم مناطق محتلة بما يناقض القانون الدولي. وما تريده إسرائيل ألا تتحمل وحدها مسؤولية تبعات الضم في القانون الدولي وفي المحاكم الدولية، بل أن تكون الولايات المتحدة شريكًا كاملًا في تحمّل المسؤولية.
وعبّر نتنياهو عن قلقه لما يجري في محكمة الجنايات الدولية قائلا: «هناك كلمة لا استعملها إلا نادرًا، وتقريبًا لا استعملها بالمرة، وهي كلمة تهديد «استراتيجي»، وفعلًا هذا تهديد خطير جدا علينا وعلى جنودنا وضباطنا ووزرائنا وقياداتنا». وبسبب هذه الخشية من قرارات في المحكمة الدولية في لاهاي، يسعى نتنياهو، مستعينًا بقوّة ورغبة الولايات المتحدة، لتحييد المحكمة، ومنعها من القيام بما تقتضيه صلاحياتها وواجباتها.
هناك من يراهن على وزير الأمن الإسرائيلي بيني غانتس ووزير الخارجية اشكنازي بانهما سيعرقلان الضم، وهناك من يعتقد ان الولايات المتحدة تعيد حساباتها، وهناك كذلك من يرى أن تهديدات أوروبية كالتي سمعناها ستجبر نتنياهو على التراجع. لا أساس لهذه الأوهام، حيث ان غانتس سيكون في منتهى الليونة مع نتنياهو بانتظار تطبيق التناوب، خاصة أنّ الأغلبية في الكنيست تدعم الضم. أما ترامب فهو مشغول في الانتخابات، وما يهمّه هو أن يكون توقيت الضم قريبًا من الانتخابات، ليستفيد منه أكثر لكسب أصوات قاعدته الانتخابية الأنجيلية. في المقابل لا شك بأنّ أوروبا تعارض الضم وترى فيه مقبرة لمشروع حل الدولتين الذي تتبناه، ولكنّها لن تستطيع التأثير في القرار الإسرائيلي، إلّا إذا ألقت بكل ثقلها الاقتصادي وهدّدت بعقوبات اقتصادية فعّالة على إسرائيل.
صار لمشروع الضم حكومة تقوم به. وقد يقال الكثير عن الحكومة الإسرائيلية الجديدة، إلّا أن ضم غور الأردن والمستوطنات في إطار استراتيجية حسم الصراع، هو مشروعها الأهم. إسرائيل انهت انقسامها “الخفيف” وشكّلت حكومة وحدة ستقوم بتنفيذ الضم، أما آن الأوان لتشكيل قيادة فلسطينية موحدة لمقاومة الاحتلال والتصدّي للضم. نحن بصدد تغيير قواعد اللعبة، ولا يعقل ان نستمر كفلسطينيين وكعرب باللعبة نفسها، لا يعقل ان نستمر في لعب «شيش بيش» وإسرائيل تلعب معنا الشطرنج.
د. جمال زحالقة