محطات رمضانية
تاريخ النشر: 21/05/20 | 16:43محمد سواعد- ابن الحميرة:
تتكرر المحطات في حياة الإنسان والتي من خلالها يبني المرء نفسه وفكره ويتزود منها للمحطة القادمة في حياته، فكل صلاة نصليها في يومنا تؤهلنا لما بعدها وصلواتنا اليومية تؤهلنا للانتقال إلى عيدنا الأسبوعي في صلاة الجمعة والصلوات كلها تنقلنا إلى شهر رمضان واحة الأرواح والقلوب وبستان العارفين الى مراقي الجنان: لقوله ﷺ: الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان كفارات لما بينهن ما لم تغش الكبائر، وعندما يتطهر المرء في صلواته وصيامه ينتقل إلى المحطة الكبرى في حياته وهي محطة الحج التي تؤهل الفرد والأمة الى الدرجات العلا من الجنة: فعن أبي هريرة قالَ: سَمِعْتُ رسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقولُ: منْ حجَّ فَلَم يرْفُثْ، وَلَم يفْسُقْ، رجَع كَيَومِ ولَدتْهُ أُمُّهُ. متفقٌ عَلَيْهِ.
إذا رمضان هو واحدة من المحطات الكبرى التي ينبغي للمرء التزود منها لما بعدها في الحياة، وما فرض الله علينا الصبر المادي بترك الطعام والشراب إلا لنتعلم من خلاله الصبر المعنوي عن شهوات الانتقام والكبر وغيرها من الأخلاق المنكرة؛ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه”، فالصيام عبادة يراد منها تطهير النفس وتحليتها بالفضائل والمكارم، كما يراد منها صياغة أمة قادرة على النهوض بنفسها وبغيرها، ولا عجب أن نجد أن المسلمين قديما استلهموا دروس التعبئة الروحية بالصبر وجهاد النفس وكبح شهواتها من أجل أن ينتصروا بدينهم وأخلاقهم على عدوهم انتصارا معنويا قبل أن يكون ماديا؛ انتصارا لأخلاق الإسلام ومبادئه العظيمة قبل أن يكون من أجل مغنم دنيوي.
يأتي رمضان في كل عام يحمل معه سلة من الأخلاق والقيم والمعاني التي تحتاجها الإنسانية في رحلتها الطويلة نحو خالقها جل وعلا أولا ثم في رحلتها إلى ذاتها ثانيا ثم في رحلتها البينية لبناء وتصميم منظومة قيمية أخلاقية تضبط سلوك الأفراد والجماعة.
ولعل ما يميز محطة رمضان ويجعلها فريدة في حياة الأمة أن الأمة كلها ملزمة بالدخول إلى هذه المحطة في آن واحد بعكس غيرها التي يجتمع فيها أفراد محددون، فالحج يجمع جزء من الأمة والصلاة كذلك بينما في الصيام نجد أن الأمة كلها تصوم وتفطر في وقت واحد وهذه دعوة للأمة لتوحيد مرجعيتها الدينية والفكرية لتستقيم حياتها وأخراها، والصيام عبادة يراد منها ما بعدها: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) البقرة- (183)، والتقوى هي ملكة الأخلاق الدينية والدنيوية: “سُئِلَ رسولُ اللَّه ﷺ عَنْ أَكثرِ مَا يُدْخِلُ النَّاسَ الجَنَّةَ، قَالَ: تَقْوى اللَّهِ وَحُسْنُ الخُلُق، وَسُئِلَ عَنْ أَكثرِ مَا يُدْخِلُ النَّاسَ النَّارَ فَقَالَ: الفَمُ وَالفَرْجُ”.
فبين مظهر الصيام في ترك الطعام والشراب وبين جوهره في التربية على الأخلاق والمكارم يكمن فهم الأمة لمعاني العبادات واستعداد الأمة للمرحلة القادمة في حياتها، ونحن مأمورون بالبحث عن روح العبادة وجوهرها وليس فقط النظر إلى قشورها وما يبدو منها، فهذه العبادات جميعا جاءت لتكون محطة هامة في سير الأمة نحو نثر عبير رسالتها الإنسانية الأخلاقية القيمية التي تتلوى البشرية ألما وتكتوي بحريق الظمأ وتتجرع الحسرات في رحلتها للبحث عن أخلاق وقيم تنقذها من الضياع، فهل ندرك اليوم دورنا ونضطلع به كما أمرنا الشرع الحنيف.