” لن نلبس الأقنعة لإرضائهم “
تاريخ النشر: 22/05/20 | 11:05شهدنا خلال الأيام الماضية أحداثا جسيمة لها أثرها الكبير على واقعنا السياسي نحن الفلسطينيين في الداخل، حيث تزامنت هذه الاحداث مع الذكرى ال 72 لنكبة شعبنا وبلادنا، ومع تشكيل حكومة “هيدرا الأسطورية” ذات الرأسين والجسد العليل ، ثم ارتقاء المواطن مصطفى يونس شهيدا بعد عملية اعدام ميدانية أجريت له أمام عيْنَيْ أمه في يوم من أيام رمضان المباركة ، تلا ذلك كله صدور حكم يبدو في ظاهره العدل مع أنه في جوهره بعيد كل البعد عن العدالة ، ويجانب الحقيقة الواضحة أن وراء المجرم القاتل جيش من القتلة الداعمين وعلى رأسهم ولي نعمة المستوطنين بيبي نتنياهو.
وكل هذه الأحداث تزامنت مع الذكرى السنوية الثالثة لرحيل فضيلة الشيخ الوالد عبد الله نمر درويش – رحمه الله – مؤسس الحركة الإسلامية في البلاد.
احداثٌ قد تبدو في ظاهرها غير مترابطة ولا علاقة بينها، مع أنها كلها تدور حول حقيقة واحدة وهي: الاحتلال وافرازاته الفكرية ، رأس المصائب كلها!
قدر الله سبحانه وتعالى أن يولد فضيلة الشيخ عبد الله نمر درويش في ذكرى النكبة في بلد الشهداء كفرقاسم ، وقدر سبحانه وتعالى للشيخ الجليل أن يرحل عنا قبل ثلاث سنوات في ذكرى النكبة ، تاركا لنا ارثا فكريا وفقهيا واسعا لفهم واقع حياتنا وحالتنا ودراسة تعقيداتها بعين ثاقبة واعية. ولد الشيخ عبد الله وعاش كما كل أبناء شعبنا، واقعا مركبا تتداخل فيه المواطنة بالوطنية والمتغيرات بالثوابت ليخلص من ذلك كله الى رسم معالم ثباتنا وتمسكنا بديننا وأرضنا محافظين على الانسان رافعي رؤوسنا متمسكين بثوابت ديننا حيث لا تنازل عنها أبدا، مناورين حيث سعة المناورة متاحة ومتوفرة.
لقد علمنا الشيخ الراحل كيف نعيش فوق أرضنا متحدين أمام كل العناصر الساعية لاقتلاعنا منها ، وعلمنا أن صراعنا مع المحتل يحتاج منا نفسا طويلا ورؤية بعيدة المدى.
ومن خلال فهمنا لواقعنا وخصوصية حالتنا ، أتقنا في القائمة العربية الموحدة اللعبة السياسية مع أساطين السياسة الإسرائيلية الذين هالهم وأزعجهم صمودنا وهم الذين طالما سعوا الى تحييدنا بعيدا عن دائرة التأثير والتغيير.
خضنا موحّدين من خلال القائمة المشتركة معتركا صعباً أمام ساسة عنصريين نعرف تمام المعرفة أنهم لا يمين فيهم ولا يسار ولا عقلاء ولا متهورين، بل كلهم خداما لمشروع الحركة الصهيونية بتفاوتٍ في أسلوب التعصب والتطرف ، لكننا مع ذلك ادركنا ان خيار تهميشنا وتحييدنا هو مطلبهم ومرادهم الأساسي فاتخذنا قرارا صعبا بالتوصية على أحدهما دون الآخر ليس من باب المفاضلة بين خيرين، إنما من باب المناورة بين أقل الضررين، بعد أن كنا قد رأينا كيف وقف المعسكران صفا واحدا لضرب حقيقة كادت تفقدهما صوابهما: الوحدة التاريخية لشعبنا وانجازه غير المسبوق في نتائج الانتخابات الأخيرة وإمكانية التأثير المباشر على مجريات السياسة الإسرائيلية، فانكشفت خفايا السياسة الصهيونية وانفضحت حقيقتها لتتشكل حكومة ممسوخة يقف على رأسها البنيامينين: نتنياهو وغانتس .
في أجواء الاصطفاف هذه تصدر المحكمة قرارا بإدانة مجرم من الذين أشعلوا النار وأحرقوا عائلة الدوابشة. في ظاهره يبدو القرار عادلا! لكنه يخفي في جوهره حقيقة عدم نزاهة القضاء الإسرائيلي وتحيزه الى جانب النداءات العنصرية التي تنحدر من الجالسين في رأس الهرم السياسي ومن هناك تتغلغل الى كل مؤسسات الدولة ، بما فيها المؤسسة القضائية التي تبدو محكومة لرغبات الساسة وتعصبهم ، بالإضافة لانحياز هذه المؤسسة بالكامل ضد المعالم التاريخية العربية والإسلامية ومحاولة تغييبها وطمسها حيث كان آخر هذه القرارات قبول المحكمة المركزية بتجريف مقبرة السرايا الإسلامية في مدينة صفد.
في ظل هذه الأجواء المشبعة بالتحريض رأينا كيف يُستباح الدم العربي الفلسطيني بكل صفاقة وصلف، باغتيال الشهيد مصطفى يونس أمام ناظِرَيْ والدته وضمن حرم المستشفى ، مع كل ما في ذلك من رمزية للصراع ما بين النفوس المتسامحة الإنسانية وبين النفوس الخبيثة وعديمة الإحساس ، والتي تنكرت بسرعة للدور المميّز للأطباء والممرضين والصيادلة العرب في مواجهة وباء الكورونا بكل مهنية وتفان وإنسانية دون أي اعتبارات قومية أو دينية.
لا خيار أمامنا سوى الاستمرار في نضالنا ضد كل اشكال العنصرية والتحريض ومحاولات التهميش، مع الإصرار على فضح كل الاعيبهم الخسيسة من خلال وحدتنا ووعينا بواقعنا وخطابنا الواضح الجريء.
والله غالب على أمره
بقلم :
النائب الاستاذ وليد طه