كيف يمكن وقف العمل بالإتفاقيات حبيا ؟
تاريخ النشر: 28/05/20 | 14:03في السابع عشر من ايار الحالي، تعهد رئيس وزراء العدو الاسرائيلي امام الكنيست، بعد نيله ثقة حكومته، العمل على تطبيق السيادة الإسرائيلية على مستوطنات الضفة الغربية، في اطار مشروع اوسع للضم يطال اراض فلسطينية في الاغوار وشمال البحر الميت. وخلال الاجتماع الاول لحكومته، اعتبر نتن ياهو ان ضم بعض اراضي الضفة الغربية هو اولوية بالنسبة له..
ردا على ذلك، عقد اجتماع قيادي فلسطيني في رام الله، اعلن بعده الرئيس محمود عباس في مؤتمر صحفي “أن منظمة التحرير ودولة فلسطين قد أصبحتا في حل من جميع الإتفاقات والتفاهمات مع الحكومتين الأميركية والإسرائيلية ومن جميع الإلتزامات المرتبة على تلك التفاهمات، بما فيها الأمنية”.
بعيدا عن مضمون ووظيفة الاعلانين وحدود كل منهما، فان الانظار ستتجه الى ما تريد اسرائيل فعله خلال الاسابيع القادمة، باعتبارها صاحبة الفعل على الارض، الذي هو جزء من مشروع اكبر على مساحة كل القضية الفلسطينية (صفقة القرن). اما مواقف الرئيس الفلسطيني، وطالما انها تأتي في اطار ردة الفعل، فالانظار ستتجه الى اختبار مدى جديتها في التطبيق العملي، خاصة وانها ليست المرة الاولى التي يعلن فيها الرئيس مثل هذه المواقف..
حين تتحدث اسرائيل عن قضية ما، فهي عادة من تكون جادة فيها، وتطرحها للتطبيق المباشر دون حاجتها للجان، كما في الحالة الفلسطينية التي اعتادت على تشكيل اللجان وفرق عمل تدرس القضية لترفع توصياتها، ثم تشكل لجان اخرى لدراسة التوصيات التي تظل تدور في حلقة مفرغة، وفي النهاية تصبح جزءا من التاريخ المنسي الذي يحفل بعشرات بل مئات المواقف والقرارات التي لم نعد نتذكرها لكثرتها..
لقد سبق للهيئات الوطنية الجامعة وان اتخذت قرارات هامة اصبحت عنوانا لمطالب يومية فلسطينية لفرض تطبيقها وهي: قرارات المجلس المركزي في (الدورة 28) في 15 كانون الثاني 2018، قرارات المجلس الوطني (الدورة 23) في 30 نيسان 2018، كلمة الرئيس في الدورة ال 74 للجمعية العامة للأمم المتحدة (26 أيلول 2019)، كلمة الرئيس خلال جلسة مجلس الامن في 11 شباط 2020، اضافة الى عشرات المواقف والتصريحات التي اعتبرت جميعها “ان العمل باتفاقات اوسلو لم تعد قائمة”. ولعل اكثر المواقف وضوحا كان الموقف الذي صدر عن الرئيس ابو مازن في شهر تموز 2019 بقوله: “أن القيادة قررت وقف العمل بالاتفاقيات الموقعة مع الاحتلال، وتشكيل لجنة لبحث آلية التنتفيذ”.
ورغم ان هذه اللجنة قد مضى حوالي العام على تشكيها، الا ان الرأي العام الفلسطيني لم يعرف اين وصلت في نقاشاتها. لذلك يصبح التشكيك مشروعا في مدى الجدية في تطبيق القرارات الوطنية، وهل تتخذ لاسباب تكتيكية او في اطار استراتيجية نضالية تعني كل الشعب الفلسطيني، داخل وخارج فلسطين، خاصة وان هناك حوالي (9) لجان تم تشكيلها لأغراض مشابهة، الا ان ما قلناه في حينه عن تلك اللجان سنكرره اليوم لجهة مضمون الاجراءات والقرارات التي عادة ما نسمعها، دون ان يعرف احد مصيرها. ففي حينه، دعونا تلك اللجان الى الشفافية في تعاطيها مع الشعب الفلسطيني وتياراته، وان تعلن نتائج عملها اول بأول، وتضع لأعمالها سقفا زمنيا ليس مفتوحا. ومن اجل تكتسب المصداقية امام الرأي العام الفلسطيني والعربي والدولي، ان كانت قيادة منظمة التحرير والسلطة جادة فيما تقول، فمن المنطقي ان يكون الرد على اي اجراء عدواني اسرائيلي اجراء مقابل، خاصة وان بعض الردود المفترضة لا تتطلب سوى قرار وصدقية في التطبيق، ومن هذه الاجراءات التي لا تحتاج سوى الى جرأة وارادة سياسية ولا تتطلب لجان عمل واجتماعات مطولة سحب الاعتراف بإسرائيل ووقف التنسيق الأمني معها، ووقف التنسيق الأمني مع (سي أي ايه)، ومقاطعة تامة للبضائع الإسرائيلية، والعمل على توفير البدائل الوطنية والعربية الأجنبية، ومد الولاية القانونية للقضاء الفلسطيني على كامل أراضي الضفة الفلسطينية وغير ذلك من عناوين لا تحتاج سوى توافق وطني على كيفية مواجهة ردود اسرائيلية محتملة.
لكن بالرغم من كل ذلك، سوف ننتظر بدء التطبيق المباشر للقرار الاخير للرئيس ابو مازن، الذي لا يكفي الاعلان عنه لنقول اننا دخلنا مسارا جديدا. بل ان هذا يتطلب جملة امور من المنطقي ان تشكل ردا على ما اعلنه رئيس وزراء العدو. فاذا كان تعهد نتنياهو السابق، قد انهى عمليا اتفاق اوسلو، فهذا يعطي الشعب الفلسطيني وقيادته، ومنذ زمن، حق الانتقال الى اعلان انتهاء اتفاق اوسلو بكل التزاماته، وترجمة ذلك في إطار سقف زمني محدد ملزم للإدارات والمؤسسات والأجهزة الفلسطينية المعنية للتعاطي مع الواقع الجديد، بغض النظر عن نتائجه الاقليمية والدولية والاسرائيلية لجهة المواجهة المباشرة مع الاحتلال وتشكيلاته المختلفة.
إذا كانت اسرائيل، ومعها الولايات المتحدة وعدد من الدول العربية، قد ضمنوا ان مشروع الضم الاسرائيلي لن يحدث اي ردة فعل فلسطينية، نظرا لسيطرة اسرائيل وتحكمها في كل صغيرة وكبيرة، فان واجب كل وطني حر في الشعب الفلسطيني ان يرفض هذا الواقع ويعمل على تصحيحه، خاصة وان الرئيس هو من استخدم تعبير “سلطة بلا سطة واحتلال بلا كلفة”.. وان كان القاسم المشترك بين مواقف الفصائل في ردها على قرار الرئيس، هو ان العبرة في التنفيذ، فان الواجب الوطني ايضا يملي على الجميع طريقة جديدة في التعاطي مع الامور. ولسنا بحاجة لتعداد ما يمكن ان نخسره، اذا ما اقدمنا على هذا الخيار او ذاك.. بل السؤال هو ما الذي يمكن ان نكسبه في حال واصلت قيادة السطة ومنظمة التحرير السير على ذات في طريق اوسلو، وهي تعلم اكثر من غيرها ان الافق المسدود لهذا الخيار!
وان كانت امورنا الوطنية لا يمكن ان تدار بصيغة ال ” لو”، فان مقارنة بسيطة مع سنوات مضت، تجعل اي خيارات مستقبلية، مهما كانت “متطرقة” وصعبة”، بنظر البعض، فهي ستكون اقل ضررا وكلفة من واقعنا الراهن. ففي ظل اوسلو، على سبيل المثال، وبتغطية منه حصل التالي؛
– الشعب الفلسطيني الذي ظل موحدا منذ اقرار البرنامج الوطني المرحلي عام 1974، عاد مجرد مجموعات وتجمعات سكانية لكل تجمع همومه الخاصة، ومرجعيته السياسية والامنية والسياسية..
– الارض الفلسطينية التي كانت، وفقا للقانون الدولي، اراض فلسطينية محتلة، قسمت، وفقا لاوسلو، الى مناطق “أ”، “ب” و”ج”، وتم التعاطي معها باعتبارها اراض متنازع عليها يحسم وضعها بالمفاوضات..
-القدس التي رضيت قيادة منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية ان يؤجل البحث بها الى ما سمي مفاوضات الوضع النهائي، اخرجهتا الادارة الامريكية من النقاش لتتحول شيئا فشيئا الى مجرد قضية.
– اللاجئون ضاعت قضيتهم في سراديب ودهاليز الدبلوماسية، وعادت التجمعات الفلسطينية داخل وخارج فلسطين الى المربع الاول والى مرحلة ما قبل انطلاق الثورة الفلسطينية، واصبح ممكنا بالنسبة للادارة الامريكية ان تجاهر بعداءها لوكالة الغوث وان يعلن نتنياهو بشكل صريح عزمه العمل من تصفيتها..
– عمليات الاعتقال التي كانت محط ادانة كل دول العالم ومنظماته المختلفة اصبحت قضية روتينية تعالج ببيان استنكار هنا وادانة هناك..
– الاوضاع الاقتصادية في فلسطين، وخارجها، ازادت، واصبح الفلسطيني واللاجئ يتسول المساعدات الدولية ويدين ببقاءه على قيد الحياة الى الدول المانحة..
في كثير من الاحيان تكون البيانات الرسمية للجنة التنفيذية والحكومة جيدة ومقبولة من الكل الفلسطيني، لكن المشكلة هي في تطبيق مضامين ونصوص هذه البيانات. فوقف العمل بالاتفاقيات الموقعة مع اسرائيل، بكل ما يتطلبه ذلك من انفصال عن المسار السياسي الذي تكرس منذ اتفاق اوسلو، يعني اننا ندخل مرحلة جديدة، بل هي تعتبر بنظر البعض اعلان حرب ليس فقط على اسرائيل، بل وعلى كل المرحلة السابقة وما حملته من تداعيات مست كافة عناوين القضية الفلسطينية، وبالتالي لا يمكن تطبيق قرار وقف العمل بالاتفاقيات بشكل حبي، بل يجب ان يرافقه مجموعة من الاجراءات التصادمية مع الاحتلال حددها اجتماع اللجنة التنفيذية الذي عقد اواخر شهر ايار وخرج بمجموعة قرارات نعتقد انها يمكن ان تشكل نقطة انطلاق جديدة في التعاطي مع الامور خاصة لجهة تطبيق قرارات المجلسين الوطني والمركزي، والتأكيد على حق شعبنا في مواصلة كفاحه ودعوته إلى تصعيد مقاومته الشعبية من أجل دحر وإنهاء الاحتلال وغيرها من عناوين سينتظر شعبنا مدى الجدية في تحويلها الى واقع نضالي ملموس..
نقول ختاما، لو فكر الشعب الفلسطيني وحركته الوطنية بكم من الخسائر سندفع، وكم من التضحيات سنقدم، لما حملنا البندقية واخذنا قصيتنا بيدنا، ولما تمكنا من استعادة قضيتنا، ولضاعت القضية الفلسطينية والى الابد في ادراج المنظمات الدولية.. ولعل المعادلة الواقعية التي كرستها تجارب الشعوب وحركاتها الوطنية، هي انه كلما وصلت الامور الى حائط مسدود والى خطر داهم فلا بد من صدمة كبيرة تعيد خلط الاوراق من جديد، ولا يجادل اثنان في ان قضيتنا الوطنية تقف عند اخطر مراحلها وتتطلب قرارات جريئة يجب ان نتحمل جميعا مسؤولياتها بالانتفاض على كل الواقع القائم والذي كان سببا في كل كوارثنا الوطنية، التي لن تنتهي الا على ايدي مناضلين يعرفون معنى الحرية واثمانها..
28 أيار 2020
فتحي كليب /عضو المكتب السياسي
للجبهـة الديمقراطيــة لتحرير فلسطين