خطاب دروز إسرائيل بين الخِسَّة والشَمَم
تاريخ النشر: 05/06/20 | 16:00الطائفة الدرزية ككل شريحة على وجه الأرض فيها ما يكفيها من كل الاشكال والألوان إلا ان البعض يحاول ان يميز هذه الطائفة عن غيرها وقد وصل بالبعض بان ينسب جناتها إلى جهات غريبة وعجيبة علما بان الحقيقة الصلبة تُظهر بوضوح بان الدروز انبثقوا عن القبائل العربية المختلفة، ولعل في طليعة هذه الأهداف التلاعب بأفكار البسطاء لمواصلة استغلال الطائفة من قبل السلطات الإسرائيلية، وهنا سأدرج بعض النماذج المختلفة عن واقعنا الحقيقي من خلال معايشتي، بعيدًا عن التنظير، وعلى سبيل المثال كانت هناك وقفة عزة لأهلنا في قرية بيت جن الذين تحدوا السلطات التي حاولت أن تمنعهم من شق طريق يوصل قريتهم مع قرية حرفيش عام 1995 وقد جاء الخطاب الذي يعبر عن كبرياء وعنفوان على لسان السيد يوسف قبلان رئيس المجلس المحلي هناك آنذاك، حيث وقف في مقدمة الأهالي قائلا:
“استمروا في شق الطريق وانا اتحمل كامل المسؤولية ”
من ناحية أخرى نجد أن السيد رفيق حلبي الذي كنا نعتبره مثلنا الأعلى قد خيب الآمال حيث كان يعتقد الكثير من الناس بان النجم الإعلامي سوف يستطيع ان ينهض ببلده وسينعكس ذلك على جميع القرى الدرزية في ظل قرية دالية الكرمل كأكبر قرية درزية وفي ظل أهلنا من أل حلبي الكرام كأكبر عائلة درزية، والكثير ما زال يذكر الشيخ قفطان حلبي عندما رفع الحذاء في وجه المندوب الحكومي حين جاء ليملي عليه ارادته، وقد شاهدنا السيد رفيق قبل انتخابه لرئاسة المجلس المحلي في دالية الكرمل يتحدث عن واجب مقاومة المظالم ولطالما كان ينتقد الدروز هنا بقوله:
“ان الدروز في إسرائيل يفتقدون إلى الحد الأدنى من الجاهزية النضالية وهم يتميزون بالهبة التي سرعان ما تنطفئ”
واضح بان قوله هذا مفصل على مقاسه بمنتهى الدقة. هوة سحيقة بين ما كان يقوله قبل المنصب وبعده، ولو حاولنا ان نستعرض مواقفه العملية نجده انه قد وقف في وجه الدروز عندما طالبت جهات مختلفة بعدم قدوم رئيس الدولة المتوفي شمعون بيرس إلى مقام النبي شعيب عليه السلام، وفي الوقت الذي تواجه الطائفة الدرزية هجمة على أراضيها دعا إلى استقباله بالحفاوة؟!!، وقد منع مؤخرًا شباب عسفيا من تكملة شارع “(عسفيا – المحرقة) نعود ونذكر بقوله:
“إذا لم تسمح لنا السلطات بتعبيد شارع “كارم مهرال” نحن نعرف كيف نزفته ”
ولكنه لم يجرؤ على فعل ما قاله وما فعله السيد يوسف قبلان، حين فتح شارع بيت جن حرفيش، وهو يدفع الضريبة الكلامية، يتحدث عن الضياع فيما إذا خسرنا الشعور بالانتماء القومي ولكنه لا يعمل في سبيل ذلك وهو لا يستطيع ان يحملنا جميلة كونه اقام حفلا تكريميا لشاعرنا الحبيب طيب الذكر سميح القاسم الذي شحن بأشعاره نفوس الامة بالتفاؤل في احلك ظروفها، وإقامة ذكرى للكاتب طيب الذكر سلمان ناطور الذي وثق الرواية الفلسطينية، ولا إقامة ذكرى لطيب الذكر أيضا البروفيسور قيس فرو الذي كشف زيف الادعاءات الصهيونية، فهؤلاء يشرفوننا جميعا وان كانوا ينتمون إلى الطائفة الدرزية إلا انهم تخطوا المحلية إلى العالمية، وإذا اعتبرنا ذلك عملا بطوليا نقول ان السيد كرمل نصر الدين كان احد الخطباء الرئيسيين في مهرجان التضامن مع الكاتب سعيد نفاع والذي اقيم في قرية عسفيا عام2014.
وبما اننا نتحدث عن السيد نفاع نجد أن خطابه مضمخ والكبرياء والتحدي وقد قال للطائفة الدرزية التي تمنعها سلطات الإسرائيلية من السفر إلى الدول العربية أسواه بباقي المواطنين في الدولة، ذلك لتبقيهم ضمن حضيرتها، قال مشجعا لكل الاهل الذين أرادوا السفر إلى جبل العرب.. جبل البطولة والتاريخ:
“اذهبوا ولا تخشوا السلطات فما يحق لغيرنا يحق لنا أيضا وحطوها في رقبتي”.
هذا هو خطاب الشكيمة والكرامة.. خطاب العزة والشهامة الذي يجب ان نقتدي به.. والحق الذي يجب ان نتشبث به.. يجب ان ننطلق إلى فضائنا العربي وان لا نرضى أن تضعنا السلطات في القمقم.
صحيح لقد دفع السيد نفاع سنة ونصف من حياته داخل السجون الإسرائيلية وهو ليس بنادم وان كان عاتبا على البعض ممن كان من واجبهم الوقوف إلى جانبه.
واستمرارًا في عرض النماذج من خطاب العظمة مقابل خطاب الخسة وهذه المرة يأتي من الاخر، ما زل يدق في جمجمتي خطاب وزيرة المعارف الاستثنائية في تاريخ إسرائيل، شلوميت الوني يوم افتتاح المدرسة الثانوية في عسفيا قبل حوالي ثلاثة عقود، لقد قال كل من صعد إلى المنصة من السياسيين (والمربين) وكان من بينهم رئيس الدولة آنذاك البروفيسور كتسير، بان الدروز يخدمون في الجيش إلخ.. إلى ان صعدت الوزيرة وزأرت في وجوه كل المتملقين بقولها:
” اخجلوا على أنفسكم.. وافهموا في الأصول.. في حفل افتتاح مدرسة يجب ان يكون الحديث عن السلام والاخوة والمحبة وليس عن القتل والحروب ولتذهب بدلات العسكرية إلى الجحيم”
وفي سياق اخر.. قبل ثلاثين عاما زرت أحد الأصدقاء في مدينة طمرا الذي افادني بان هناك 45 جمعية زراعية تحصل على الماء للري وعندما عدت إلى البيت دعوت أصحاب أراضي ” الزراعة والمقتلة ” لاجتماع وأقمنا جمعية تهدف إلى الحصول على الماء للري لاستصلاح أراضينا، واخذ المسؤولون يماطلون وقد طلبنا الاجتماع مع وزير الزراعة وعند الموافقة بعد مماطلة طويلة كان هناك موعد وقد استقبل الوفد السيد ” تشابي” مساعد الوزير بدلا من الوزير؟!! وقال أحد أعضاء الوفد:
” انا اعرف كيف اخاطب المسؤول اليهودي ”
فكان له ذلك قال”
نحن دروز.. اجابه السيد تشابي بحدة.. وماذا في ذلك؟ فرد عليه مندوبنا.. اننا نخدم في الجيش، فما كان من تشابي هذا إلا ان قال له:
انها قصة قديمة اكل الدهر عليها وشرب، لقد كنا في هذا الفلم الممجوج مرارًا وتكرارًا.. اطلب كونك مواطنا ليس إلا”.
نرى هل تقطع فينا مثل هذه (الفنسة).. هل نستخلص العبر اللازمة؟ ومرافقة لخطاب التملق نجد ان هناك متظاهرين ضد سياسة الدولة يرفعون علم الدولة!! واضح بان هؤلاء يملك ونفسية مثقوبة.
ولكن بالمقابل هناك تنظيم “لجنة المبادرة العربية الدرزية” التي يقودها حاليا الكاتب المناضل غالب سيف والتي يأتي خطابها من منطلق الكبرياء الانتماء القومي، كما ان هناك خطاب اخر من قبل مشايخ اجلاء أمثال الشيخ مهدي سعد الذي ضع النقاط على الحروف في كتاباته التي نشرت في صحيفة “كل الناس” والشيخ سعيد الستاوي اسعده الله الذي ساهم في اجهاض الفتنة عندما أرادت السلطات الإسرائيلية استغلال مقتل ابن عمه في باحة المسجد الأقصى، وخطاب الشيخ كايد سلامة الذي قال بكل جراءة ووضوح:
“ان من يمتهن الخدمة العسكرية عليه ان يتوقع وذويه مثل هذه النتيجة”.
وخطاب الشيخ يوسف شروف الذي دفع بصحته ليكون واقعنا أفضل، وخطاب الشيخ عماد عطشة الذي حوصر لكم فاه، وغيرهم من المشايخ والاخوة الذي لا يوجد مجال لذكرهم وهنا قول بان على كل القوى النير ان تتحد وتتعالى عن خلافاتها لتشكل قوة لا يستهان بها لندفع بواقعنا إلى الامام.
واخيرًا ظهر مؤخرا خطابًا جديدًا يأتي على لسان السيدة غدير مريح فيه من الجراءة الكثير ولكنه ينحصر بين الخطوط الزرقاء ونأمل له مواصلة الانطلاق ليتخطى هذه الخطوط لينعم ونعم معه بالفضاء الرحيب.
هادي زاهر