ضرورة التبكير في كتابة المذكرات – معمر حبار
تاريخ النشر: 05/06/20 | 19:51الجمعة 13 شوال 1441 هـ الموافق لـ 5 جوان 2020
أنهيت قراءة كتاب: “الأيّام” لطه حسين رحمة الله عليه، دار غبريني، بومرداس، الجزائر، دون ذكر عدد ولا سنة الطبع، من 288 صفحة. فوقف القارئ على الملاحظات التّالية:
1. آخر تاريخ ذكره طه حسين في كتابه هو سنة 1922، مايعني أنّ طه حسين أنهى كتابه “الأيّام” وهو في سن 33 سنة، باعتبار طه حسين من مواليد 1889. وقد قرأت أنّ أوّل طبعة لـ “الأيّام” كانت سنة 1929، أي كان عمره 40 سنة.
2. من جهة ثانية توفى طه حسين سنة 1973، أي عاش 51 سنة بعد كتابة “الأيام” وهي فترة تفوق فترة كتابة أيامه بـ 18 سنة. مايعني أنّ “الأيّام” بحاجة إلى أيّام.
3. الغاية من هذه المقدّمة أنّ طه حسين كتب “الأيام” وهو في عزّ شبابه ولم ينتظر أن يبلغ الكبر والشيخوخة ليكتب أيامه، وقد عاش 84 سنة.
4. قلت البارحة لأستاذ جامعي في 30 سنة من عمره وأنا أحدّثه عن فضائل كتابة المذكرات مبكّرا: يمكنك من الآن أن تشرع في كتابة مذكراتك -وقد رزقت اللّغة وحسن البيان عن مرحلة الطفولة قبل الدراسة والابتدائية والمتوسطة والثانوية-، باعتبارها مراحل انتهت ولن تعود وطوي ملفها واكتملت أركانها. ومازالت المرحلة طرية يمكن استرجاعها بسهولة وبقليل من الجهد. ويمكن الاستعانة بمن قاسمك المرحلة أن يعينك وتستعين به على ضبط الأسماء والأماكن والتّواريخ وتحديد المواقف. وبهذا تتمّ الانتهاء من كتابة مذكرات مرحلة الطفولة والابتدائي والمتوسط والثانوي والمرء مازال في 30 من عمره.
5. ويمكن للمرء في نفس الوقت أن يشرع في كتابة سنواته بالجامعة وهو في 30 من عمره باعتبار جزء من المرحلة الجامعية قد انتهى. وهذه المرحلة ستكون أسهل بكثير من تلك التي مضت باعتبار المدّة التي تفصله عنها قصيرة جدّا قد لاتتجاوز 12 سنة. والذين عايشوا معه المرحلة مازالوا يقاسمونه الأيّام ويمكن الاستعانة بهم للمزيد من الضّبط والتدقيق.
6. كتابة المذكرات عن المراحل السّابقة وبالتدريج ليس من الأمر الصّعب. وفي الأخير يكون قد كتب المرء عن أيامه كلّها وبدقّة لأنّه كتبها وهو أقرب إليها زمنيا ولم ينتظر حتّى يكون شيخا يصعب استرجاعها واستحضارها.
7. حضرت لمجاهدين جزائريين وهم يتحدّثون عن الثورة الجزائرية فوجدوا صعوبة بالغة في النطق ناهيك عن التعبير. ولم يستطيعوا يومها أن يستحضروا ماحدث بدقّة وبالكم المطلوب الذي يؤدي الغاية المرجوة. فتحدّثوا عن عموميات يحسنها من لم يشهد الثورة الجزائرية من الشباب. وأثّر عليهم الكبر والمرض وفقدان الذاكرة والسّمع الضعيف جدّا والصّحة المتدهورة فلم يستطيعوا أن ينفعوا رغم أنّهم كانوا قادة ميدان أيام الثورة الجزائرية ولهم مواقف مشرفة وبطولات نادرة. فكانت كلامهم مبتورا هزيلا. والسّبب في ذلك أنّهم لم يكتبوا مذكراتهم في حينها وبعد استرجاع السّيادة الوطنية حين كانوا أشدّاء أقوياء أصحاء، فانتظروا حتّى انحنى الظهر وضعف البصر ليقدّموا مذكراتهم فكانت أقلّ بكثير ممّا كان ينتظره المجتمع والشباب. وتلك من مساوئ التأخير في كتابة المذكرات وانتظار أرذل العمر لتدوينها.
8. كنت أقول غير نادم ولا آسف: تكمن أهمية قراءة المذكرات في كون أصحابها أصحاب تجربة ودراية بالحياة ومسؤولون عمّا يكتبون وقد زهدوا في الحياة ولا يرجون شيئا ولا يتملّقون أحدا وصادقون فيما شهدوا وكتبوا. ولذلك نحرص على قراءة مذكراتهم ونوصي بقراءتها مهما كان دينهم وجنسياتهم وألوانهم ومواقفهم.
9. والآن نؤكّد ماقلناه ونضيف: كلّما كانت كتابة المذكرات مبكّرة كانت أفضل من حيث الدقة والضّبط والأمانة وقوّة الذاكرة وقدرة الاستحضار وإمكانية الاستعانة بالشهود الأحياء وممن عايشوا نفس الوقائع والأحداث وإمكانية تصحيحها وإضافة ماتمّ نسيانه من قبل وتقديمها في شكل أفضل ممّا كان من حيث الصدق والأمانة.
10. ترقّبوا في الحلقة القادمة بإذن الله تعالى مقالنا بعنوان: “طه حسين من خلال الأيّام”.
—
الشلف – الجزائر
معمر حبار
“جودة” المذكّرات أو كتب السيرة لا تتعلّق
بعمر كاتبها، فميخائيل نعيمة كتب سيرته الرائعة
“سبعون” بعد أن جاوز هذا العمر (السبعين)!