أسفل شي المعلم
تاريخ النشر: 05/06/20 | 19:53في الماضي، قبل خمسة عشر سنة وأكثر، كان دور المعلم في مدارسنا العربية شاملا، بمعنى؛ أنه كان يقوم بعدة وظائف بالإضافة الى وظيفته كمدرس؛ كان يقوم بوظيفة: المربي، والمستشار التربوي، والعامل الاجتماعي، والأخصائي النفسي، والممرض، والمُسعِف وفي بعض الأحيان، كان أيضا يقوم بدور الأب أو الأم. أما اليوم؛ فقد اختلف الوضع بعد أن خُصصت الملاكات لهذه الوظائف وأصبح هناك مَن يشغلها في مدارسنا، واهم هذه الوظائف، وظيفة المستشار التربوي والأخصائي النفسي، حتى ولو كانت وظائف جزئية. غير أن المعلم المربي، ظل (في كثير من الأحيان والكثير من المدارس)، ظل يقوم بوظيفة المستشار التربوي والعامل الاجتماعي وحتى الأخصائي النفسي، وهذا يعود لعدة أسباب منها: انشغال المستشار التربوي أو الأخصائي النفسي بفحص كثرة الرسائل الالكترونية الموجهة له والتي تصله من عدة جهات، كإدارة المدرسة والتفتيش وقسم المعارف في السلطة المحلية وغيرهم. أيضا، لانشغالهما (المستشار التربوي أو الأخصائي النفسي) بتعبئة الاستمارات الكثيرة، وتقديم التقارير ، وحضور الجلسات اللازمة وغير اللازمة، وسيي آخر، هو لكوْن المربي أقرب الى التلميذ من المستشار وغيره من أصحاب الوظائف في المدرسة، ولربما؛ لأن التلميذ او اهله كانوا يجدون حاجتهم او الحلول لمشاكلهم عند المربي، ولا سيما، وأقولها صدقا وعن معرفة، لأن في كثير من المدارس تفوق خبرة بعض المربين ومهنيتهم وثقافتهم، خبرة وثقافة ومهنية المستشار التربوي وغيره من أصحاب الوظائف في المدرسة.
صحيح ان كثرة أصحاب الوظائف في المدرسة وتسيّد البيروقراطية على نظامها أفقدا المعلم بعضا من صلاحيته وأبعدتاه عن موقع اتخاذ القرارات بما يخص عمله التربوي؛ لكن أيضا ما زاد الطين بلة هو تشويه صورة المعلم على يد أولياء الأمور، ورواد شبكات التواصل الاجتماعي، ووسائل الاعلام وغيرها.
مَن تابع الاعلام العبري في فترة الكورونا، والذي أقصى المجتمع العربي عن ملعبه وتجاهل مشاكله واحتياجاته؛ لاحظ ان هذا الاعلام قد اعطى للمعلم من المجتمع العبري منصة ليتحدث عبرها ويسمِع المسئولين تخبطاته، ومصاعبه في العمل، وما هي احتياجاته ومتطلباته في فترة لم يعرف مثلها المعلمون ولا غيرهم؛ حيث كان يُجري المقابلات مع المعلمين مثلما يجريها مع المسئولين، بينما وسائل الاعلام العربية كانت تتسابق فيما بينها لتجري المقابلات مع المختصين في التربية ليتشدقوا بنظريات وجمل ملأت بطون الكتب أو لتجري المقابلات مع مَن يجلسون في ابراجهم العاجية في وزارة التربية والتعليم. اما الأنكى من ذلك فهو أن تزخر صفحات الفيس بوك بصورة لمعلمات من المجتمع العربي وهن يقضين وقت فراغهن في المدرسة بصنع الكعك او تقطيف أوراق الملوخية ويتنافس بتناقلها الصحفيون أصحاب الصفحات على الشبكة وينشروها ليحصلوا على أعلى ريتنغ، ثم يعقبها الكثير من التعقيبات المهينة للمعلمين من قبل مثقفين وشرائح مختلفة من المجتمع. انه امر غير منصف؛ أولا لأن مبدأ التعميم مرفوض، وثانيا لأن الصور قد تكون مفبركة في زمن التكنولوجيا وكل البرامج التقنية، وثالثا، لأن المذنب في حال كانت هذه الصور صحيحة ليس هؤلاء المعلمات، وانما المذنب هو منظومةٌ معقدة ومركبة ومتداخلة المصالح والقوى شغّلت وتشغل مَن هم وهن ليسوا ملائمين للعمل التربوي.
الأمثلة كثيرة على وضع المعلم في وجه العاصفة بدءا من نتائج الطلاب وتحميله المسئولية في حال الفشل، وختاما بمسؤوليتهم عن سلوكيات افراد مجتمع عنيف. لا اخفي عليكم أنه في كل مرة يُكشف عن حادثة حدثت في مجال المهنة والعمل التربوي ويكون المعلم فيها كبش الفداء أو في وجه العاصفة، أتذكر قولا نُسب لإسحاق نافون (الذي أشغل منصب وزير التربية والتعليم في الفترة ما بين 1984 1990 وكان يجيد التحدث باللغة العربية). هذا القول الذي اصبح يُردد على ألسنة المديرين وغيرهم من العاملين في جهاز التربية، بهدف التندر؛ سمعته انا شخصيا في إحدى الجلسات الإدارية التي كنتُ حاضرة فيها، حيث روى أحد المديرين عن إسحاق نافون قائلا: عندما اجتمع اسحاق نافون ذات مرة مع كوادر من المديرين والتربويين العرب، أراد أن يوضح لهم على مَن تقع مسؤولية تعليم وتربية الطلاب فقال باللغة العربية: ” مسؤولية تعليم وتربية الطلاب تقع بالأول على وزير التربية والتعليم.
أسفل،
المدير العام للوزارة.
أسفل،
مدير اللواء.
أسفل،
المفتش.
أسفل،
المدير.
وأسفل شي، المعلم.
فضحك الموجودون في الاجتماع آنذاك، لأن مفهومهم لأسفل شي، كان مختلفا عما قصده الوزير نافون.
وأخيرا وليس آخرا بما قاله المفكِّر المغربي, المهدي المنجرة، والذي أوردته في مقال آخر عن مكانة المعلم، حيث قال : إذا أردتَ هدم حضارة أُمة , فعليكَ بثلاث:
1. إهدم الأسرة بتغييب دور الأم (دعها تخجل من كونها ربة بيت).
2. إهدم التعليم, وعليك بالمعلم, قلِّلْ من قيمته في المجتمع حتى يحتقره طلابه.
3. إهدم المرجعيات وهم العلماء.
************************
بقلم الكاتبة، جميلة شحادة // الناصرة