بحث اكاديمي عن العقوبات الجنائية في الشريعة الاسلامية
تاريخ النشر: 10/06/20 | 18:51بقلم : المحاسب والمحامي تيسير بدران
النظرة العامة للشريعة الاسلامية نظرة خاطئة ومتطرفة، حيث تبين وبشكل ممنهج ان العقاب في الاسلام يتم من خلال القتل او قطع اعضاء جسد المشتبه به او المتهم _المجرم الذي قام بالجرم بالرغم من ان هذا العقاب اذا تم فانه يكون في حالات معينة وبعد اثبات وادلة وشهادات مشفوعة بالقسم لشهود، وكان الهدف من هذا العقاب الردع وبالتالي محاولة منع حدوث هذه الجرائم.
من خلال البحث الذي قمت به كجزء من دراسة اللقب الثاني للقانون في جامعة حيفا، تبين لي ان من يجلس ليحكم بين الناس وفقًا للشريعة الاسلامية عليه ان يجتهد ويعمل جاهدا جدا ليصل للادلة الدامغة والحقائق التي لا تترك اي مكان للشك قبل ان يصدر حكمة على متهم.
الشريعة الاسلامية بهدفها السامي، جاءت لتحافظ وتحمي المجتمع والدين، واذا ما اخذنا على سبيل المثال كتب قوانين الشريعة نرى انها وفي كل الاثنا عشر جزءا تتحدث عن اؤسس واركان الاسلام من الصلاة والصوم والزكاة والحاج حتى طريقة صيد وذبح الحيوانات والاحوال الشخصية وحقوق المرأة بالإسلام وحكم تقسيم الورثة والحثوث الفكرية وغيرها من القوانين، ومع ذلك القوانين والحدود والعقاب فانها لا تتجاوز اثنان بالمائة من مجمع القوانين في الشريعة الاسلامية، من هنا فان النظرة العامة والشمولية للشريعة الاسلامية بها الكثير من الآراء المسبقة والمغلوطة
بعكس ما كان قبل مئات وربما الاف السنين فان العقاب الاساسي هو السجن على الغالبية العظمة من الجرائم التي ترتكب من قبل مشتبهين و مجرمين، بالرغم من ان تكلفة ادارة السجون باهظة جدا، حيث انها بدأت السجون نقاط توقيف حتى انتهاء الحكم على المشتبه.
العقاب الجسدي والاعدام كانت اكثر العقوبات شائعة في العالم على مدارس التاريخ، وكانت تعتبر سريعة وغير مكلفة نسبيًا، وقد استعملت هذه العقوبات في اوروبا حتى القرن الثامن عشر، حتى بدأت القوانين المدنية تأخذ منحى اخر وتم الغاء العقاب الاعدام وهو بمثابة جرم بطريقة او باخرى.
في الشريعة الاسلامية فان تعريف “الحدود” هو امر من الله غير قابل للنفي او للنقاش، وهو ما يطلب من المسلم ان لا يتخطاه او يتعداه، وفي حال قيامه بذلك فيتم العقاب وفقًا لما جاء في الشريعة، الا ان “الحدود” بدأت بالاختفاء من دول العالم المختلفة الاوروبية والعربية والاسلامية، في اعقاب الاحتلال للدول الاوروبية للدول العربية والاسلامية، بالرغم من ان هناك بعض الدول التي ما زالت تستعمل عقاب الاعدام مثل السعودية والسودان وسوريا وايران ونيجيريا، الا ان نسبة المشتبهين الذين يتم ادانتهم واعدامهم تقلصت بشكل كبير جدا وذلك كجزء من تطور وتغير الجهاز القضائي خلال القرينين الاخيرين بشكل خاص.
الشريعة الاسلامية بدأت قبل 1450 عام، وقد تمحورت حينها بمكافحة ومحاربة الجرائم التي كانت منتشرة في تلك الفترة، وقد تم اعتماد طرق بدائية جدا نسبة لما هو اليوم في مجال العقاب كجزء من الرادع لمنع وقوع جرائم مشابهة، وبالرغم من هذا فان هناك تشابه كبير في طريقة الحكم، واهمها واولها بان اعتراف المتهم يجب ان يكون وفقا لقراره ورغبته ويتوجب عرض ادلة واثباتات، اضافة الى انه يطلب الحفاظ على صحة وسلامة المتهم حتى اصدار الحكم عليه وبعد اصدار الحكم وحتى ان كان اعدام يمنع ان يتعرض المتهم للتعذيب اضافة الى منع نشر اسمه وذلك لمنع الاذى بعائلته وأقربائه من خلال التشهير وتداول الاسم، بالمقابل لم تكون هناك امكانية الالتماس او الطعن بالحكم في مرحلة البداية، ولم يطلب من القضاء تعليل حكمهم ولم تكن شفافية كما اليوم ان كان في الجهاز القضائي المدني او حتى الشرعي اليوم.
مؤيدي حكم الشريعة يرون ان المعارضين يرون قوانين الشريعة بعين غير مهنية او علمية وبشكل ضيق، وحتى انهم يتساهلون مع المجرمين في بعض الجرائم، مع التشديد على الاساس وهو ان “الله رحمن رحيم”، من هنا فإنني ارى ان الداعمين لحكم الشريعة والمطالبين بان يتم اعتمادها بشكل مطلق ليسوا على صواب تام، خاصة واننا اليوم في خضم تكور تكنلوجي وعلمي كبير ويتوجب مواكبة الحداثة من خلال ملائمة القوانين والحكم العقاب لما يحدث اليوم وليس لما كان قبل ما يقارب خمسة عشر قرنا خاصة بما يتعلق بالإعدام وقطع اعضاء الجسم.
في نهاية الامر اقول ومن خلال البحث الذي اجريته بان قوانين الشريعة الاسلامية مركبة وشاملة للكثير من نواحي الحياة، وبلا شك فانها اساس واضح ومتين، لكن اليوم يتطلب العقاب عن اي جرم عملية تحقيق واثبات ودقة اضافة لاستعمال ادوات تكنلوجية تساهم على كشف او عرض الحقيقة امام القضاة.