“حدود المنفى” (رحلة إيڤا شتّال إلى فلسطين عبر مخيّم تلّ الزعتر)(3)
تاريخ النشر: 11/06/20 | 10:02اليوم الثاني في حيفا؛ السادس من ديسمبر 2018
لقد قدَّمتَ لنا صباحا مع الكثير من القهوة العربية الممتازة، ولم يكن الأمر بسيطا! كان المشي في البازار(وادي النسناس ح.ع.)، سوق الطعام، ممتعا – كذلك رؤيتكما، حسن وفؤاد، أن نتحدث إلى الجميع، وأن نتعرف إلى الجميع ونحصل على فنجان قهوة من هنا وهناك. أرجوا أن تبلغوا تحياتنا الخاصة للمرأة التي تقوم بإعداد “الكوسا” (إم إلياس ح.ع.).
دخلنا إلى متجر الموسيقي وصانع الآلات الموسيقية؛ بشارة ديب، وشاهدنا آلات العود الجميلة – بعضها من أعماله الخاصة – والآن؛ نحن في المنزل نستمع إلى أغانيه. شكرا على الموسيقى!
تجولنا في وادي النسناس وحصلنا على معلومات عن تاريخها. انضم إلينا صاحب صحيفة المدينة؛ رشاد عمري، نحيّيه. مررنا بقطعتين من الفن على السور: “حنظلة ” و”المرأة تعانق شجرة الزيتون”. إنها زخارف جميلة على الحائط، ولكنها أيضًا بيانٌ سياسيٌ قويٌ؛ حيث لا يمكن حتى رؤية الأعلام الفلسطينية. إنها ممنوعة؟
صعدنا إلى جبل الكرمل (ربما كان على اسم الضابط موشيه كرمل الذي خطط لاحتلال الجليل قبل عام 1948؟) للحصول على إطلالة رائعة على حيفا، هذه المدينة جميلة.
يذكرني المرفأ الكبير بقصص الناس، من القرى والبلدات في الجليل، كيف أخذوا إلى حيفا في حالة رعب بسبب الاشتباكات وعمليات القتل المستمرة في القرى من قبل القوات المسلحة الصهيونية. وكيف فرَّ الكثير من الفلسطينيين من الحرب، وبقي بعضهم، وكان البعض يقاتلون، وقُتل الكثير.
ما عرفته من لبنان (ويعرف نيستور أيضًا؛ حيث أننا كنا هناك معًا) هو حياة اللاجئين في المخيمات. الآن يمكننا أن نرى كيف استمرت حياة الأشخاص الذين بقوا (وبعض الذين عادوا مبكرًا). عبء التأقلم في بلدك له أثرٌ أقل منه على اليهود الذين دخلوا وأسسوا إسرائيل على الأرض. كانت زراعة الأرض تتم من قبل الفلسطينيين الذين أجبروا على اللجوء الخارجي أو الداخلي.
لقد أخذتمونا لنلقي نظرة على المعبد والحدائق البهائية الكبيرة. يمكن العثور على العديد من الأديان في هذا العالم ولكن يبدو، على الأقل، أن هذه الديانة تتمتع بالجمال والحياة الجيدة. الكنيسة البهائية صغيرة ولكن لديها أتباع في جميع أنحاء العالم. يجب أن يكون لديك توصيات قوية لتكون أحدهم، ولكن يمكن لأي شخص زيارة حدائقهم الجميلة.
المحطة التالية كانت حديقة الكنيسة الأرثوذكسية التي يبدو أنها مشاركة في العديد من القضايا الثقافية في حيفا. تحدثنا في السيارة عن الدين، لا أحد منّا مؤمن، لكن الروابط بين الكنائس والمساجد والشعب أقرب في فلسطين منها في السويد. هنا إما أن يكون لدينا اتصال بالدين أو لا يكون. إن الشخص العلماني في السويد لا يبقى قريباً من الكنيسة أو الجماعة. نحن نعيش ما يسمى بالحياة العلمانية.
في حيفا، رأينا أيضًا مجالات رعاية الكنيسة، واستخدام المباني. أحد الأمثلة على ذلك مركز كيميديا للفنون الثقافية حيث يقوم “عبد عابدي” بابتكار لوحات رائعة مثل “الطرد والأب”، “بيكاسوس”، والفتاة التي تحمل فلسطين حمامة في يديها – إنها لوحة معروفة للناشطين.
في المساء، كانت المحطة التالية هي “نادي حيفا الثقافي”. إنه عبارة عن قاعة كبيرة، تنتمي إلى الكنيسة الأرثوذكسية نفسها، حيث يلتقي الناس لإجراء محادثات حول الكتب والكتابة والفن وكتابة التقارير المهمة الفعلية أو غيرها عن الأحداث الثقافية والجوانب المتعلقة بالحياة الفلسطينية.
من المثير للإعجاب السماع أنكم تلتقون مساء كل خميس منذ 4 سنوات (إذا كنت أتذكر جيدًا؟). كما يمكنكم التعليق على الكتب والمعارض الجديدة في الصحف العربية أو الصحف الورقية ونشر الكلمات حول الأعمال الرائعة التي يقوم بها الناس: الكتب واللوحات والمنحوتات والمقابلات – من أجل الحفاظ على التاريخ الحديث والقديم لفلسطين والفلسطينيين على قيد الحياة.
أنا ممتنة للغاية لأنك منحتني إمكانية التحدث عن بعض ذكرياتي من تل الزعتر، وهي واحدة من جميع الحروب الرهيبة على اللاجئين الفلسطينيين. كنت أعمل هناك كممرضة، وكنت زوجة يوسف حمد، ابن المخيم. قُتل زوجي خلال الحصار، أُصبت بجروح بالغة. تلك الحرب على المخيم انتهت بمذبحة وهُدم كل شيء. واضطر 25000 شخص، لاجئون من فلسطين بالفعل، إلى الفرار مرة أخرى. كان ذلك في صيف 1976. قُتل حوالي 3000-4000 شخص هناك. وأصيب آلاف آخرون بجروح.
لقد أعددتَ خطابي للنادي بشكلٍ جيد. بدأ الأمر مع الدكتور يوسف عراقي على الشاشة، تحدث معي. عندما ألقى هذا الخطاب كنت قد بلغتُ 70 عامًا وأقمنا حفلة للأصدقاء، كان هو وزوجته “فاديا” هناك أيضًا في جوتنبرج. كانت لحظة رائعة لي، شكرا لك على مشاركتها. وشكرا على اللوحة التي أعطاني إياها النادي، في الواقع إنها ذكرى جميلة لأحصل عليها! أنا فخورة بذلك! أنا ونيستور، على حد سواء، سعداء للغاية ومتأثرين باهتمامكم بنا وبشأن علاقتنا التاريخية مع الشعب الفلسطيني.
انتهى الامر مساء في مطعم “شترودل” المزين بشكل باهر، كان الأمر لطيفا!
سميرة حمد(إيڤا شتّال)
(الحلقة الثالثة)
*** هذه الحلقة الثانية من انطباعات الزعتريّة سميرة (إيڤا) حمد(شتّال)؛ من مواليد 1948 في مدينة جوتنبورج السويديّة، درست التمريض وبفضل نشاطها التحقت عام 1974 بالعمل التطوّعي في مخيّمات اللاجئين الفلسطينيّين في لبنان، تزوّجت من يوسف حمد، الناشط السياسي، ابن قرية الخالصة شمال فلسطين، الذي استشهد خلال القصف على مخيّم تل الزعتر جراء قذيفة هاون أدّت بالوقت نفسه إلى إصابتها بجروح بالغة، نتج عنها بتر ذراعها الأيمن وكسور في الفخذ الأيسر. بعدها بأيام فقدت الجنين في شهرها الرابع. رفضت سميرة، رغم إصابتها، مغادرة المخيّم المُحاصَر رغم جهود الحكومة السويديةّ في العمل على إخلائها عن طريق الصليب الأحمر الدولي، أصرّت على أن تُقاسم الأهالي مصيرهم. عند خروجها عادت إلى السويد وأكملت علاجها ونشاطها في المجال الصحي، مساعدة أطفال اللاجئين القادمين من مناطق القتال ومساعدة النساء، ما زالت مرتبطة بمساعدة أطفال اللاجئين الفلسطينيّين في مخيّمات لبنان، وما زالت تحمل رسالة المخيّم عبر البحار.
*** شكرًا للأديب الفلسطيني إياد شماسنة على ترجمة الرسالة من الإنجليزيّة للعربيّة.
*** تُنشر تزامنًا مع نشرها في صحيفة “المدينة” الحيفاويّة.
المحامي حسن عبادي