طه حسين من خلال الأيّام – معمر حبار
تاريخ النشر: 14/06/20 | 9:42سبق لي أن وعدت القرّاء الكرام في مقالي بعنوان: ” ضرورة التبكير في كتابة المذكرات”، وبتاريخ: الجمعة 13 شوال 1441 هـ الموافق لـ 5 جوان 2020، قائلا: ” ترقّبوا في الحلقة القادمة بإذن الله تعالى مقالنا بعنوان: “طه حسين من خلال الأيّام”.
الكتاب هو: “الأيام” لطه حسين رحمة الله عليه، دار غبريني، بومرداس، الجزائر، دون الطبعة ولا عدد ولا سنة الطبع، من 288 صفحة:
أوّلا: ملاحظات عامة:
1. أعترف أنّي اشتريت الكتاب لإحياء أيام الصبا. وإشباع رغبات الصبا والشباب من الدوافع الحسنة للقراءة والكتابة والنقد.
2. كتب طه حسين مذكراته من 3 أجزاء و 20 فصلا، وهو الأعمى الفاقد للبصر.
3. سبق لي أن قرأت كتاب مذكرات عبد الحميد كشك رحمة الله عليه سنة 1991 -فيما أتذكر-. وهو الأعمى الفاقد للبصر. وقد عرضت الكتاب يومها عبر الأسبوعية الجزائرية السّاخرة المميّزة “الصح-أفة”.
4. استعمل طه حسين في الفصل الرّابع من “الأيام” أسلوب الغائب وهو يتحدّث عن أيامه. وهذا أسلوبه لانتدخل فيه. لكن تحدّث عن الوالدين بأسلوب الغائب كقوله وفي عدّة مرّات: أمه. أبوه. جدّه. ولا يليق –في تقديري- بالابن مخاطبة الوالدين بصيغة الغائب. والأولى مخاطبة الوالدين بصيغة المتكلّم حيث الانكسار المطلوب مع الوالدين كـ: أمّي. أبي. جدّي. ولو بلغ الابن 100 سنة من عمره وله أبناء وأحفاد.
5. يقول طه حسين: كنت أقرأ بنهم شديد في العطلة الشتوية أكثر ممّا كنت أقرأ في الجامعة. أقول: عشت نفس الحالة بتمامها وكمالها وأنا طالب بالجامعة سنوات 1986-1990. صفحة 160
6. يتحدّث طه حسين عن الأديبة “مي” كعاشق متيّم بها وليس ككاتب وناقد. ولم يستطع إخفاء دقّات قلبه. 182
7. يتعمّد طه حسين -في تقديري- تسمية الغلام المكلّف بمرافقته والتكفّل به على أنّه “غلام أسود”. أتساءل: لماذا؟ وكان يكفيه ذكر “الغلام” دون اللّون. وكان عليه أن يذكر غلامه بالاسم للفضائل العظمى التي قدّمها لطه حسين ولو كان يتلقى راتبا بخصوص الوظيفة التي يقوم به. ومهمّة المكلّف بالضرير لاتقدّر بثمن خاصّة وأنّ فضله على طه حسين عظيما جدّا. 187
8. من مزايا طه حسين أنّه رجل لايتملّق السّلطان ولا يقترب من السّاسة ولا يبحث عن ودّهم، بل كان يرفض أن يسعى للسّلطان والسّاسة. واللّقاءات التي ذكرها كلّها بطلب من السّلطان ومن السّاسة أنفسهم. ولذلك ينتقد شيوخ وفقهاء الأزهر الذين يتملّقون السّلطان. وأزعم أنّ علاقاته المتوترة مع فقهاء وشيوخ الأزهر تعود لهذه النقطة بالذّات التي لايتم التطرّق إليها -وأتساءل لماذا- بالإضافة إلى نقاط أخرى.
9. لايصف طه حسين السّلطان والسّاسة بوصف العظمة. ويصف أهل العلم والفكر بقوله: الشيخ العظيم، والكاتب العظيم، والشاعر العظيم. مايدل كما ذكرنا أنّ طه حسين لايتملّق السّلطان والسّاسة.270
10. امتاز أسلوب طه حسين في كتابه “الأيام” بأنّه أسلوب قرآني، أي متأثّر بالقرآن الكريم من حيث البلاغة والأسلوب دون أن يشير أنّه تأثّر بالقرآن الكريم. ولا يبدو على أسلوبه أنّه مستمد من كتب التراث.
11. طبعة “دار غبريني” الجزائرية كانت في غاية السّوء. فقد تحوّل الكتاب إلى كومة من الورق منفصلة عن بعضها تحتاج للمّ شملها من جديد. وهذا من العيوب المشينة، راجين للقائمين على دار النشر تدارك هذا الضعف الرهيب البيّن ضعفه.
ثانيا: علاقة طه حسين السيّئة بشيوخه الأزهريين:
12. يطلق طه حسين لقب السيد وسيدنا على الشيخ الذي علّمه القرآن الكريم لكن يضع اسمه بين شولتين هكذا: “السيد” و “سيدنا”. مايدل –في تقديري- أنّ علاقة طه حسين بشيخه كانت سيّئة ولا يكن له الأدب والاحترام. وهذه العلاقة السيّئة مع شيخه كانت لها أثر في تحديد علاقة طه حسين مع الفقهاء والعلماء المتحدّثين باسم الدين.
13. يحمل طه حسين مواقف سيّئة من شيخه الذي علّمه القرآن الكريم في صغره. ويحمل مواقف سيّئة تجاه شيوخه في الأزهر. وهذه النظرة التي راودته في صغره وشبابه حدّدت -في تقديري- موقفه تجاه الفقهاء في كبره وكانت حاسمة في علاقاته معهم. 137
14. قرأ طه حسين في الأزهر لكن لايعتبر أزهريا. ولم يأخذ من الأزهر –حسب قراءتي- غير النحو والأدب العربي الذي ميّزه. 139
15. لم يكمل طه حسين علما درسه في الأزهر. ولم يتحدّث عن عالم من علماء الأزهر الذين أشرفوا على دراسته إلاّ انهال عليهم بالاستصغار والتهكم والاحتقار ووصفه بالجهل والضعف والتعالي والطّمع والبخل وغير ذلك من الأوصاف الذميمة والسريرة السيّئة والأخلاق الذميمة.
16. أعجب طه حسين كثيرا وهو طالب في الأزهر بالعلماء “أصحاب الطرابيش” كما يسميهم، وفضّلهم بشكل كبير على العلماء “أصحاب العمائم” كما يسميهم. وهذه النظرة –في تقديري- ساهمت بشكل كبير في علاقة طه حسين بالفقهاء وعلماء الأزهر مستقبلا وبغيرهم الذين يعارضون الفقهاء. 145
17. وصف شيوخ الأزهر لطه حسين بـ “الأعمى” كانت -في تقديري- من الأسباب الرئيسية التي دفعته ليتّخذ موقفا عنيفا تجاه علماء الأزهر. 148
ثالثا: إعجاب طه حسين بأساتذته الغربيين:
18. يتحدّث طه حسين بإعجاب شديد وافتخار كبير عن الأساتذة الغربيين الذين كانوا يقدّمون دروسا في “تاريخ الأدب والشعر الأموي” و “تاريخ الفلسفة الإسلامية “و”تاريخ الترجمة” “تاريخ الشرق القديم” بلغة عربية فصيحة جميلة صحيحة راقية. ويعاملونه بلطف وحنان ورفق. وتمكّنهم من المادّة وتفوّقهم على شيوخ وفقهاء الأزهر. وفي نفس الوقت يتحدّث عن فقهاء الأزهر الذين ينادونه بـ: “يا أعمىى و”اسكت ياشيخ جاتك الكلاب خلّينا نقرأ”. أقول: واضح جدّا أنّ هذه المعاملة من هذا وذاك كانت -في تقديري- من الأسباب التي دفعت طه حسين للاهتمام بشكل كبير بالمستشرقين على حساب فقهاء الأزهر وعلماء المسلمين. وقد عنون الفصل الخامس من الجزء الثالث بـ “أستاذي يدعو علي بالشّقاء !”. والعنوان له دلالة ويعبّر عن المشاعر لمن يحسن النقد والقراءة. 187-191
19. فرح طه حسين بنيله لدرجة الدكتوراه لسبب واحد ووحيد، أنّ الدكتوراه تمكّنه من السّفر إلى فرنسا.
20. تعلّم طه حسين اللّغة الفرنسية ناجم -في تقديري- عن إعجابه الشديد بفرنسا وبثقافتها وحضارتها وليس بكونها وسيلة تخاطب وعلم.
21. ظلّ طه حسين وهو في الكتاتيب والأزهر والجامعة المصرية ينتقد شيوخ وفقهاء الأزهر والأساتذة والسّاسة والكتّاب والأدباء والبرامج الدراسية وكيفية التدريس وطريقة لجان الامتحان والمجتمع المصري. وحين انتقل إلى فرنسا للدراسة ظلّ يمتدح الأساتذة والسّاسة والكتّاب والأدباء والبرامج الدراسية وكيفية التدريس وطريقة لجان الامتحان والمجتمع الفرنسي.
22. لولا الشروط التي فرضتها الجامعة المصرية على طلاّبها بالعودة إلى مصر بمجرّد الانتهاء من الدراسة في فرنسا لبقي طه حسين في فرنسا وإلى أن يلقى ربّه. وربّما رأينا طه حسين غير طه حسين. وأكاد أجزم بهذه الملاحظة.
23. لاينتقد طه حسين الفرنسيين الذين ينتقدونه صراحة وعلانية. فهو يجد العذر للفرنسية التي “سمعها تجيبه بأنّها لاتحبّه” 244 ويجد لها الأعذار. وفي نفس الوقت تراه ينتقد وبقسوة أساتذته وشيوخه وعلماء الأزهر. 244
رابعا: إعجاب طه حسين ببعض شيوخه:
24. أعجب طه حسين وبشكل كبير وملفت للنظر بالأديب البليغ “المرصفي” وأعجب أيضا بالشيخ “عبد الله دراز”. وقد ساهم هذا الإعجاب -في تقديري- في التكوين الأدبي لطه حسين. 153
25. يعترف طه حسين أنّ الجامعة كانت أفضل بكثير من الأزهر. وهذه النظرة -في تقديري- ساهمت في تحديد مساره مستقبلا وفي علاقاته مع فقهاء الأزهر. 164
26. يعتبر طه حسين فشله في الحصول على “العالمية” مؤامرة من طرف بعض شيوخ الأزهر. وهذا الموقف -في تقديري- كان له أثرا سيّئا في تحديد علاقة طه حسين بالأزهر وعلماء الأزهر والفقهاء مستقبلا. 175
27. واضح جدّا أنّ طه حسين تأثّر باللّغة والأدب العربي وهو طالب في الأزهر ولم يتأثّر بالأزهر ولا شيوخه ولا فقهه. 176
28. لايوجد فقيه ولا شيخ ولا شاعر ولا كاتب ولا أديب إلاّ انتقده طه حسين بشدّة. 180
29. من بين الأسباب التي دفعت طه حسين لانتقاد فقهاء الأزهر والشّعراء -في تقديري- تملّقهم الشديد للسّلطان ودون داع لذلك. وقد أنكر على رشيد رضا ذلك وعلى الشاعر مطران، وغيرهم.
خامسا: حياة طه حسين مرهونة بفقد البصر:
30. يبدو لي أن طه حسين كان طالبا مشاغبا. ينتقد شيوخه علانية ومن خلال المقالات التي يكتبها عبر الصحف بعبارات جارحة، مادفع شيوخه إلى معاملته بغلظة “والتآمر” عليه حسب طه حسين، وكرهه وبغضه ومعاملته بقسوة حسب مايعتقد طه حسين. أضيف: طه حسين رجل ضرير لايبصر وقد أثّرت عليه هذه الحالة فأصبح -في تقديري- يفسّر كلّ قول أو فعل تجاهه على أنّه استهزاء به ولكونه أعمى، فأثّر ذلك بشكل واضح على علاقاته مع شيوخه الأزهريين ماجعله -في تقديري- يتعامل مع أساتذته الغربيين الذين عاملوه برفق وحنان ورقّة على أنّهم أفضل بكثير من فقهاء وشيوخ الأزهر الذين كانوا ينادونه بـ “يا أعمى” و”يا كلب”.
31. حياة طه حسين مبنية -في تقديري- على فكرة واحدة ووحيدة ألا وهي: أنا وإن كنت الأعمى سآتي بما لم تأت به الأوائل.
32. يتعامل طه حسين مع العمى على أنّه: “عورة” 235. و”آفة” 238. و”المتاع الحي” تمييزا له عن “المتاع الصّامت” 239. وأنّ الأعمى “رجل مستطيع بغيره” 240. ولذلك كان عنيفا جدّا ضدّ كلّ من يتعامل معه على أنّه الأعمى والكفيف.
33. المعري بالنسبة لطه حسين ليس شاعرا وبليغا وأديبا فحسب، إنّما منهاج حياته وعقيدة راسخة ينهل منها مواقفه وأحزانه التي ظلّت تراوده وهو في قمّة نجاحه. 234
34. امتاز بحفظ واسع ووصف دقيق لأبسط شيء رغم مرور عقود طويلة على المواقف التي مرّ بها والأشخاص والحالات التي ذكرها. قد يكون فقد البصر إحدى العوامل التي لايمكن إنكارها لكنّها ليست الوحيدة ومن الأخطاء حصرها في واحدة.
سادسا: طه حسين والثورة الجزائرية:
35. يسمي طه حسين فرنسا بـ”الأمم المحاربة”. أقول: كانت فرنسا المحتلة المجرمة يومها أي بعد الحرب العالمية الثانية -وقبلها طبعا- تحتل الجزائر وتنهب خيراتها وتستعبد شعبها وتذلّ رجالها وتهين نساءها. 282
36. لم يذكر طه حسين الجزائر والثورة الجزائرية والاستدمار الفرنسي للجزائر ولم يشر إلى ذلك لا من بعيد ولا من قريب طيلة صفحات الكتاب.
—
الشلف – الجزائر
معمر حبار