العظماء 6 جان دارك
تاريخ النشر: 17/06/20 | 7:21 بقلم: علي هيبي
حياة قصيرة وعريضة:
كان شيخنا الرئيس “ابن سينا” يطلب من الله أن يهبه حياة عريضة وإن لم تكن طويلة، فاستجاب الله له فعاش 57 عامًا فقط (980م – 1037م)، وكانت حياة زاخرة بالعطاء العلميّ والإنتاج الفكريّ والإبداع في مجالات كثيرة، وكفى هذا العالِم فضلًا أنّ كتابه “القانون في الطبّ” اُستخدم لأكثر من ثلاثة قرون في تدريس الطبّ في الجامعات الأوروبيّة بعد نهضتها الثقافيّة والعلميّة والأدبيّة، والتي كان الأثر العربيّ فيها جليلًا وبارزًا، رغم محاولات البعض الحقود طمس هذا الأثر العظيم. لا أعرف إذا كان القدّيسة الفرنسيّة “جان دارك” قد طلبت من الله أن يهبها حياة عريضة وقصيرة جدًّا فاستجاب الله لها وعاشت 19 عامًا، (1412م – 1431م) فعاشت حياة عريضة جدًّا.
وفي ذلك حكمة أو سرّ! لماذا لا يعيش العظماء طويلًا، وقد تكون عظمتهم هي سرّ موتهم المبكّر أو سبب موتهم الخارق، فالأنبياء يهجّرون ويصلبون بسبب نبوّاتهم ورسالاتهم التي تحمل تغييرًا للأحسن في حياة الناس والمجتمع، والفلاسفة يعدمون بسبب أفكارهم ونظريّاتهم الداعية للتربية وبناء العلاقات الإنسانيّة والاجتماعيّة على أسس جديدة، والمناضلون يغتالون ويسجنون ويعذّبون بسبب نضالاتهم ضدّ المحتلّين والمستعمرين والمستكبرين والمعربدين وسالبي الثروات والحريّات، ومن أجل حريّة شعوبهم وأوطانهم ومن أجل العدالة الاجتماعيّة والمساواة بين البشر والكرامة والإنسانيّة. كان ذلك مع المسيح (ع.س) فصلب ومع محمّد (ص) فعذّب وهجّر ومن قبلهما مع سقراط الحكيم فقتل مسمومًا، ومن ثمّ مع بلال بن رباح العبد الحبشيّ الذي عذّب بما لا يطاق، والحال نفس الحال والقتل نفس القتل مع الثائرة الفرنسيّة الشهيدة “جان دارك”، ولكنّ هذه المرّة بالإعدام حرقًا ومرّتيْن. لماذا يعاني العظماء، أولو الأيادي البيضاء في ظلام هذا العالم الأسود ويُماتون صغارًا في هذا الحياة ذات المآسي الكبيرة!
شرف الموت خلود الحياة:
“جان دارك” بطلة قوميّة فرنسيّة، أبوها “جاك” وأمّها “إيزابيل”، ولدت لأسرة قرويّة، فلاحيّة وفقيرة من “دومريميه”، قرية من قرى الوسط الشرقيّ الفرنسيّ، وفي شخصيّتها وحياتها ونضالها وموتها تأكيد آخر على أنّ العظماء غالبًا ما يأتون من أوساط الفقراء المساكين والعبيد والمستضعفين، ولكنّها مثل سابقيها من العظماء تصنع تاريخها ومكانتها وكرامتها وكرامة أمّتها ووطنها، من خلال ما قدّمت لهما من تفانٍ وكفاح واسترخاص للوجود إذا خلا من الطهارة الإنسانيّة والكرامة والحرّيّة فقد عرف عنها أنّها كانت تردّد: “دائمًا ما أفضّل الموت على القيام بأعمال أعلم أنّها خطيئة ومخالفة لإرادة الله”. ومن هذه الحقائق اكتسبت ألقابًا سامية، فلقّبت بِ “عذراء أورليان” وَ “الشهيدة” التي تمّ تطويبها كقدّيسة كاثوليكيّة، فبعد أن كانت قائدًا عسكريًّا ميدانيًّا وأحرزت انتصارات عديدة في حرب مئة العام على الإنجليز الذين احتلّوا الشمال الفرنسيّ، قبض عليها بسبب وشاية مقابل المال كوشاية “يهوذا الإسخريوطيّ” في حقّ السيّد المسيح، فما أشبه الليلة بالبارحة! وأرسلت إلى بلاد الإنجليز فاتّهموها بالعصيان والزندقة والهرطقة، كما اتّهم سقراط، فما أشبه اليوم بالأمس! فصلب الأوّل وسُمّ الثاني وأعدمت “جان دارك” القدّيسة المسيحيّة الطاهرة حرقًا ويقال أنّها حُرقت مرّتيْن للتأكّد من موتها وهي ابنة 19 عامًا، فيا لعار من أعدموها وأحرقوها وما أشبه العظماء بالعظماء! الجندي الإنجليزيّ “جيفري ثريدج” الجلّاد الذي نفّذ المهمّة، يقال إنّه ظلّ خائفًا ومذعورًا من لعنة الله على فعلته الشنيعة، وبعد حوالي خمسة وعشرين عامًا وفي سنة 1455 أمر البابا “كاليستوس” الثالث بإقامة لجنة مختصّة لإعادة النظر في محاكمتها، فبرّئت من التهم التي وجّهت إليها ورُدّ اعتبارُها كثائرة عنيدة ضدّ المحتلّ، واعتبرت شهيدة الوطن وتمّ تطويبها سنة 1909 وحظيت بلقب القدّيسة سنة 1920. وبهذه المسيرة النابضة والحيّة تكون “جان دارك” أشهر الناس وأخلدهم ذكرًا وستكون حياتها القصيرة جدًّا أطول وأنصع من أناس عمّروا طويلًا ووصلوا إلى أرذل العمر بعد أن عاشوا أرذل حياة قاتمة سوداء بالظلم والكفر والاستعباد والتنكّر لحقوق الآخرين ونهب ثرواتهم القوميّة وحريّاتهم الوطنيّة وكراماتهم الإنسانيّة.
فترة اضطرابات ومعركة أورليان:
قلّة من القادة العسكريّين على مرّ التاريخ من قادوا معارك حربيّة وانتصروا فيها وهم في سنّ السادسة عشرة، مثل ما فعلت القائدة الملهمة “جان دارك” في معركة “أورليان” الفاصلة بين الفرنسيّين والإنجليز، سنة 1428، بعد فترة من الاضطرابات الداخليّة والصراعات على العرش بين العائلات الفرنسيّة المختلفة، صاحبتها سلسلة من الاغتيالات والأحوال الاقتصاديّة والاجتماعيّة والسياسيّة المزرية، الأمر الذي مكّن الإنجليز الأقوياء من استغلال التشرذم والتناحر الفرنسيّ للسيطرة على العرش الذي رأوْا فيه من حقّهم، في فترة الملك “شارل” السادس الذي عرف بالمجنون غير القادر على السيطرة وضبط الأمور، كان سقوط “أورليان” يعني سقوط فرنسا كلّها بيد الإنجليز، وهذا يعني كما قالت: ” أليس من الواجب أن يكون ملكنا من مملكتنا! أم يجدر بنا أن نكون إنجليزًا” وظلّ هذا التخوّف ماثلًا حتّى جاء الملك “شارل” السابع إلى الحكم بمعجزة كبيرة كانت “جان دارك” صاحبتها، وكان لا بدّ لهذا الإنجاز في تتويج هذا الملك أن يكتمل قبل إنجاز انتصار عسكريّ مفصليّ على الإنجليز في معركة “أورليان” سنة (1428 – 1429) قبل موت “جان دارك بسنتيْن، وكان هذا الحسم العسكريّ لصالح فرنسا من إلهامها وصنعها. ولا يهمّني الآن إن كان ذلك الانتصار بُني على حُلم أو على إلهام إلهيّ كما ادّعت “جان دارك” أو كما ادّعوْا عليها أن حوّلت الحرب إلى حرب دينيّة، بل ما يهمّني هو الفعل على الأرض والإنجاز العظيم كما سجّله التاريخ الناصع لهذه الثائرة الشهيدة.
والأهمّ أيضًا أن يتشكّل وعيها الفكريّ والدينيّ بوقت مبكّر من عمرها، من خلال إحساسها بذلّ الهزائم المتتالية والشعور بالإحباط لدى الفرنسيّين منذ اندلاع حرب مئة العام سنة 1337، فقد قالت عنها المؤرّخة كيلي دايفيز: “حالة فرنسا الداخليّة كانت كفيلة بإحباطها”، ومن ثَمّ تنتفض على الإحباط فتجعل هذا الوعي حُلمًا ثوريًّا يتحوّل فيما بعد إلى مسار كفاحيّ وطنيّ وفعل نضاليّ ميدانيّ لطرد محتلّ الوطن والمقدّرات وسالب الحريّة والكرامة في المعركة الأخيرة الفاصلة في مدينة “ريمس” التي كانت أقوى معاقل الإنجليز، وبعدها يتوّج “شارل” السابع ملكًا على فرنسا، في المكان نفسه الذي كان جرّد من لقبه سنة 1429، ولا شكّ في أنّ هذين الإنجازيْن: العسكريّ والسياسيّ أُحرزا بتوجيه من المناضلة الكبيرة التي قدّمت كلّ ما تملك لفرنسا، ومن هذا المنطلق كان الملك يرى فيها معجزة خارقة.
أقوال ودلالات:
كانت الخطيئة الكبرى بنظر “جان دارك” هي القبول بالحالة الفرنسيّة الغارقة بالمهانة والاحتلال، هذه الحالة من السبات الوطنيّ والانقسامات العائليّة على السلطة والمُلك خطيئة عند الله ومخالفة لإرادته، تفضّل عليها الموت: “أنا لست خائفة لقد ولدت لأفعل هذا” وهي تقصد تحرير فرنسا من أمراضها الداخليّة ومن عدوّها الخارجيّ الذي يسيطر على ترابها الوطنيّ ويهيمن على مقدّرات شعبها وثرواته، لقد كانت “جان دارك” شجاعة لتفعل ذلك، وكانت تقول: “الشجاعة هي أن لا تتراجع” وكثير من الفرنسيّين تراجعوا وكثير منهم تآمروا وخانوا وكثير منهم باعوا كرامتهم بثمن بخس ووشوْا وسلّموا للعدوّ عظماءهم وأبطالهم، وبخاصّة من الطبقات العليا والعائلات المتنافسة والمتخاصمة على العرش، الذين يرون أن وصولهم إليه منوط بالمحتلّ الإنجليزيّ، تمامًا كما يرى اليوم ملوك العرب ورؤساؤهم أن بقاءهم على عروشهم مرهون بالانصياع للمشاريع الصهيو – أميركيّة ببرمجة وتخطيط ترسمه للهيمنة الرأسماليّة على الشرق الأوسط والعالم.
كانت الحقيقة الأساسيّة الثابتة والراسخة عند “جان دارك” مَلِك وحكم قويّان وجدتهما في “شارل” السابع ومقاتلون مؤمنون بالنضال من أجل حريّة فرنسا، وبالتوعية والتحريض وإثارة المشاعر الوطنيّة عند الفرنسيّين البسطاء وإذكاء أرواحهم المعنويّة من خلال تصوير حياة البؤس الاجتماعيّ والهوان السياسيّ وضياع الكرامة الوطنيّة بالهزائم والإذلال، استطاعت أن تجمّع حولها الكثيرين من الرجال الأحرار والمناضلين للاستعداد لمقابلة العدوّ ودحره في “أورليان”، لأنّها كما وصفها المؤرّخ “ستيفن ريتشي” كانت الأمل الوحيد لنظام على وشك الانهيار”.
حقيقة بقوّة أسطورة:
هناك من رأى في شخصيّتها فلاحة حقيقيّة جاءت من وسط قرويّ وتحوّلت إلى مقاتلة وقائدة لأهمّ معركة في التاريخ الفرنسيّ، وهناك من يرى فيها أسطورة أو شبه أسطورة، تقف خلف شخصيّتها ومعتقداتها قوى غيبيّة خارقة وهناك من يرى فيها قدّيسة مسيحيّة كاثوليكيّة يملأ الإيمان صدرها ووجدانها وتتمتّع بإلهام إلهيّ، وهناك من يرى فيها رمزًا للوطنيّة الفرنسيّة الشعبيّة الحديثة، وأيًّا كانت من كلّ ذلك فإنّ إنجازاتها الواقعيّة تجبر أيّ شخص يعرف قصّتها بأن يهزّ رأسه في دهشة وأعجاب.
لقد كانت الثائرة المكافحة “جان دارك” أهمّ شخصيّة في التاريخ الفرنسيّ ورمزًا للنضال الوطنيّ الفرنسيّ وهو ما أكسب شخصيّتها الرائعة عظمة خالدة، وما حيك حولها من حكايات وقصص وأساطير تضفي على شخصيّتها الواقعيّة كمناضلة وثائرة حقيقيّة امتدادًا ذا دلالات تجعل للوجود الحقيقيّ ظلالًا بعيدة وإيحاءات تسمو إلى عالم من الخيال خالد خلود الزمان.
الإرث والأثر:
تركت “جان دارك” بعد موتها واستشهادها إرثًا عظيمًا من خلال مسيرتها النضاليّة والثوريّة، وتركت أثرًا كبيرًا في النفوس على المستوى الشخصيّ والوطنيّ والأمميّ، فهي أكثر الشخصيّات شعبيّة لدى الفرنسيّين عامّة ولدى الكثير من المناضلين في العالم، لأنّ أثرها النضاليّ الإيجابيّ لم يتوقّف عند الحدود الفرنسيّة بل تجاوزها كإرث حضاريّ ثوريّ وخالد عند معظم الشعوب، لأنّها نموذج يحتذى لمسار شاقّ وشائك ومنتصر وخالد.
ولذلك يعتبر يوم استشهادها في الثلاثين من أيّار من كلّ عامّ عيدًا وطنيًّا فرنسيًّا، تقيم الكنيسة في ذلك اليوم الاحتفالات الكبرى التي تعمّ كلّ المناطق الفرنسيّة، وقد أقامت لها الحكومة الفرنسيّة تمثالًا وهي ترتدي الزيّ العسكريّ وتحمل الرمح الطويل، في باحة قصر “فرساي” مقرّ الملوك الفرنسيّين، وكانت صورتها شعارًا للمقاومة الفرنسيّة ضدّ المحتلّ النازيّ الألمانيّ في الحرب العالميّة الثانية، واحترامًا لدورها النضاليّ والعسكريّ سُمّيت ثلاث سفن حربيّة فرنسيّة باسْمها.
وفي المجال الفنّيّ كانت “جان دارك” أكثر الشخصيّات استحواذًا على الكتّاب والمؤرّخين والفنّانين والسينمائيّين والمسرحيّين والشعراء، فخلّدوها للأجيال الناشئة بكثير من الأعمال الفنّيّة والأدبيّة، الشاعرة “كريستين دو بيزان” تكتب عنها مجموعة شعريّة، وكذلك يفعل الشاعر الألمانيّ “شيلر” في مجموعته “مأساة فتاة أورليان”، والكاتب الإيرلنديّ “برنارد شو” يكتب حول مأساتها مسرحيّة “القدّيسة جان”، والمغنّي كلوديل يقدّم غناء حزينًا بعنوان “جان في المحرقة”، وثلاثة وأربعون فيلمًا سينمائيًّا تتناول تاريخها ونضالها وشخصيّتها المميّزة، كان أشهرها الفيلم الأميركيّ “جان دارك” من إخراج “فيكتور فليمنغ” ودور “جان دارك” أدّته بإتقان الممثّلة السويديّة “أنغريد برغمان”، والفيلم حائز على الأوسكار مرتيْن: على التصوير للفنّان “وينتون س. هوش” وعلى تصميم الأزياء للفنّانة “دوروثي جيكينس”، وقد بلغت تكلفة صناعة الفيلم حوالي 5 مليون دولار وحقّق إيرادًا بحوالي 7 مليون دولار، وفي أحد مشاهده تظهر الممثّلة “برغمان” وهي تحثّ الجنود الفرنسيّين على القتال ضدّ الإنجليز، وقد تكون الممثّلة المصريّة “لبنى عبد العزيز” استلهمت هذا المشهد واستفادت منه في الفيلم المصريّ “وإسلاماه”، فظهرت وهي تحثّ المصريّين على القتال ضدّ التتار.
ثائرات عربيّات على درب النضال:
وثمّة من يؤكّد أنّ كثيرات من النساء العربيّات بمسيراتهنّ النضاليّة شابهن بشكل أو بآخر مسيرة “جان دارك”، وأشهرهنّ في التاريخ الإسلامي الذي سبق زمان “جان دارك” هي المقاتلة “خولة بنت الأزور” التي قاتلت في فتوح الشام وفي يوم اليرموك مع القائد البارز “خالد بن الوليد” وقادت جيوشًا في بعض المعارك. ومن المعاصرات اللواتي استلهمن شخصيّة “جان دارك” واستفدن من تجربتها: المناضلة الفلسطينيّة “دلال المغربيّ” التي انتمت إلى صفوف الثورة والمقاومة ونفّذت أوّل عمليّة فدائيّة بالقرب من شاطئ “يافا”، والمناضلة المصريّة “زينب الكفراويّ” التي شاركت في صدّ العدوان الثلاثيّ سنة 1956 مشاركة عسكريّة فعليّة وهي ابنة 15 سنة، والمناضلة “لالة فاطمة سيّد أحمد” ولالة لقب للتوقير في اللغة الأمازيغيّة، عاشت حياة قصيرة أيضًا، ثلاثًا وثلاثين سنة (1830 – 1863) قضتها في حرب التحرير الجزائريّة ضدّ الاستعمار الفرنسيّ، والمناضلة الجزائريّة “جميلة بوحيرد” أشهر المناضلات ضدّ الانتداب الفرنسيّ، ومن المؤسف والمحزن والمخجل والمقيت أن تقوم فرنسا، وطن “جان دارك” الذي نكب بالاحتلال الإنجليزيّ وعانى أهله الذلّ وأحسّوا بالمهانة الوطنيّة عندما كان وطنهم يرزح تحت وطأة حكم غريب، أن تقوم باستعمار وطن لا تملكه وتحتلّه وتسعى لجعله فرنسيًّا حتّى في لغته وترابه وأهله تحت سياسة فاشلة هي الفرنسة، وكأنّها تفصل جسدًا عن روح أو لحم شعب عن عظامه أو تخرجه من جلده، ويعتقلون البطلة الجزائريّة “جميلة بوحيرد” ويسوقونها إلى فرنسا لإعدامها، كما ساق الإنجليز البطلة الفرنسيّة “جان دارك” إلى بلادهم وتمّ إعدامها حرقًا، فما أشبه النضال بالنضال والإعدام بالإعدام والظلم بالظلم وجميلة بجان دارك.
حكمة أخيرة وحُلم قادم:
ولذلك ينبغي أن نقول للفرنسيّين وللأميركيّين وللإسرائيليّين ولكلّ محتلّ معتد أثيم في هذا العالم: “ألا يحقّ للجزائريّين أن يكون “ملكهم” من بلادهم أو يجب أن يصبحوا فرنسيّين! ألا يحقّ للأفغان والعراقيّين والسوريّين أن يكون “ملوكهم” من بلادهم أم يجب أن يكونوا أميركيّين! ألا يحقّ للفلسطينيّين أن يكون لهم دولة وتراب واستقلال ويكون “ملكهم” من بلادهم أم يجب أن يكونوا إسرائيليّين! ما أجمل الحلم! أنّ تعود “جان دارك” اليوم، لتقول لأولئك المحتلّين جميعًا ما قالته منذ ستة قرون: “أليس من الواجب أن يكون ملكنا الفرنسيّ من مملكتنا الفرنسيّة أم يجدر بنا أن نكون إنجليزًا”، أما أنا فأحلم وأريد زوال الاحتلال، قاتل الحريّة والحياة وأريد التحرّر لكلّ الشعوب في هذا العالم، فلا يبقى محتلّ (اسم فاعل) ولا محتلّ (اسم مفعول)، فهل أستطيع! إنّ من حقّي أن أحلم! وبإرادة أمميّة، شعبيّة، جانداركيّة، نعم نستطيع!