هل العلاقة القائمة بين المعلم والمنهاج هي “الغربة”؟
تاريخ النشر: 26/06/20 | 23:43سلسة مقالات: ” التعليم نحو الافضل ”
هل العلاقة القائمة بين المعلم والمنهاج هي “الغربة”؟
الأستاذ احمد محاجنه – محاضر بالتقويم البديل, البدجوجيا الحديثة والتنمية البشرية ومستشار تنظيمي
مقدمة,
أحد اهم اسباب انخفاض النتائج التحصيلية في المدارس في السنوات والأخيرة على النطاقين المحلي يعود الى تدني مستويات تخطيط المناهج التعليمية خاصة من أجيال الثالثة حتى الرابعة عشر سنة والتي لا تضاهي بجودتها المناهج العالمية حيث أدى ذلك الى تخبطات في قسم المناهج بشتى مسمياته لحصرهم المشكلة وحيثياتها في عالم المعلم فقط وهذه الادعاء غير صحيح بتاتا (بروشطاين 2015).
بداية أوجه لومي لأهل الاختصاص في مجال تخطيط المناهج في مستوياته المختلفة لعدم مبادرتهم لاقتراح خطط جوهرية لكيفية بناء المناهج وفق معايير مهنية رفيعة تتسم بمضامين عصرية جديدة، ان الناظر للتطور التكنولوجي الرفيع في إسرائيل يتفاجأ من المكانة المنخفضة في سلم التقديرات للامتحانات العالمية مثل التييمز , بيرلز.(زيف 2019)
الأسباب لهذه النتائج كثيرة ومتعددة سنتطرق لقسم منها خلال سياق المقال , ان انعدام سياسة خاصة للتعليم العربي في العقود الأخيرة أدت لاتساع الفجوة بين التعليم في الوسط العربي مقارنة مع التعليم في الوسط اليهودي رغم وجود ميزانيات وبرامج وخطة 922 المعدة للوسط العربي .
سأركز في مقالي على مفهوم المنهاج في البيئة التعليمية من زوايا متعددة.
مفهوم المنهج:
المنهج بمفهومه القديم عبارة عن حقائق ومعارف ومفاهيم تقدّم للطالب بهدف إعداده للحياة أو هو المفردات المقدّمة في مجالٍ دراسي مثل: منهج اللغة العربية، منهج العلوم … أو ما تقرره المدرسة على الطالب أما المنهج بمفهومه الحديث فهو مجموعة من الخبرات التي تهيئها المدرسة لطلابها داخلها أو خارجها بقصد مساعدتهم على النمو الشامل في جميع الجوانب بما يحقق الأهداف وجعل بعضهم المنهج عبارة عن مدخلات وعمليّات ومخرجات وتغذية راجعة.
وقد انسحب مفهوم المنهج سواءً القديم أو الحديث على مفهوم تطوير المنهج فهناك مفاهيم قديمة للتطوير ومفاهيم حديثة فتطوير المنهج من المنظور القديم يقتصر على تعديل المقررّات بطرق وأساليب مختلفة بينما أصبح التطوير في ظل المفهوم الحديث شاملًا لجميع جوانب المنهج من أهداف ومواد دراسيّة ووسائل تعليمية وإدارة مدرسية ومكتبة ونظم تقويم وتلميذ بل ويتجاوز ذلك إلى بيئة المجتمع المحيط ومن أفضل تعريفات تطوير المنهج التي تمثّل المنهج الجديد ما جاء لدى من أن تطوير المنهج عمليّة من عمليّات هندسة المنهج يتم فيها تدعيم جوانب القوّة ومعالجة أو تصحيح نقاط الضعف في كل عنصرٍ من عناصر المنهج تصميمًا وتقويمًا وتنفيذًا وفي كل عامل من العوامل المؤثرة فيه والمتصلة به وفي كل أساس ٍ من أسسه وفي ضوء معايير محدّدة وطبقًا لمراحل معيّنة. (مرعي والحيلة 2014م، ص 227)
انعكاس مفهوم المنهج ومفهوم تطوير المنهج على أدوار المعلم
بالنظر لهذه التعاريف يتبيّن لنا أن المفهوم القديم للمنهج وللتطوير قصر المعلّم على دور التنفيذ، أما في المفاهيم الحديثة فنجد أنّه يساعد الطلاب على بناء شخصيّاتهم من جميع الجوانب، ولا شك بأن من يقوم بهذا الدور لا بد أن تكون لديه عناصر الإعداد الثلاثة التي يجب أن تكون لدى كل معلّم: المعرفة التخصصية، الثقافة العامة، المعرفة التربوية وذلك حتى يتمكّن من بناء الجوانب المعرفية والنفسية لدى تلاميذه، ومما يتصّل بالمعرفة التربوية المعرفة في مجال المناهج بناءً وتقويمًا وتطويرًا، ليس المعرفة فحسب بل المشاركة في تطبيقها إجرائيًّا فهو أحد مدخلات العمليّة التعليمية ووجودها مع تحييد بعض أدوارها يعني أن التفاعلات التي تحدث في مرحلة العمليّات لن تتم بصورةٍ كاملة, وبالتالي فإن تطوّر مفهوم المنهج يعني التطوّر في مفهوم تطوير المنهج ، ومن ذلك أن يكون المعلّم عضوًا في هذا التطوير، ولعل هناك من يتبادر إليه هذا السؤال: ما علاقة عرض هذا التطوّر على مفهوم المنهج بالحديث عن دور المعلّم في عمليّة تطويره ؟ وطرح مثل هذا السؤال هو إثارة لطرح أسئلة تحمل في مضامينها الإجابة: هل من الطبيعي أن يتطوّر مفهوم المنهج ويبقى دور منفّذ هذا المنهج كما هو؟ هل من الصواب أن يقتصر دور المعلّم فعلاً على التنفيذ حاليًّا؟ أليس المعلّم أحد المدخلات التي تتفاعل فيما بينها في مرحلة العمليّات لتحقيق المخرجات المأمولة؟ هل يستطيع المعلّم أن ينفّذ منهجًا هو في معزلٍ عن معرفة أسس بنائه والفلسفة النظرية التي قام عليها إن لم يشرك في بنائه وتطويره؟ ألم يصبح المنهج أعم من مجرّد تقديم الحقائق والمفاهيم والمعارف؟ ألا تصاحب كل عمليّة تطبيق للمنهج عمليّة تقويم وتجريب على يد هذا المعلّم؟
إذن يتقرّر لنا جميعًا ضرورة إشراك المعلّم في عمليّة تطوير المنهج وإلا فنحن نتحدّث عن المنهج بمفهومه الحديث الذي يجب أن نتبنّاه بما يتضمّن من شمول ولكننا نمارس المنهج بمفهومه القديم بما فيه رؤية جزئيّة، ويتقرّر لنا كذلك أن دوره لا يجب أن يبقى في إطار التنفيذ بل لابد من إشراكه في مراحل التخطيط والتقويم أيضًا، واطلاعه على أسس المنهج وعناصر بنائه وما تتطلب من معايير، وإلا فنحن نجعله مدخلًا غير قادر على التفاعل إلا في حدودٍ ضيّقة.
وللتأكيد على ذلك يقول كلٌ من “تبيّن لمتخذي القرار التربوي أن المعلّم هو العامل الأساس في عمليّات المنهج تخطيطًا أو تنفيذًا أو تقويمًا أو تطويرًا فهو من يتناول المنهج ويخطط الخبرات اليوميّة ويثير الانتباه ويشبع الحاجات، وهو الذي يعرف النواحي الإيجابيّة والسلبيّة فيه وهو الذي يستطيع تحديد الصعوبات التي تواجه التلاميذ في سبيل تحقيق أهداف المنهج المحدّدة. إن أدوار المعلّم تتميّز بالتطوّر فهو مطالبٌ بأن يكون قادرًا على استخدام شبكات المعلومات، وتوجيه تلاميذه نحو الإبداع والتميّز في زمنٍ لا مكان فيه لمن يستهلك المعرفة ولا يصنعها، وبهذا فلابد أن يمارس المعلّم دورًا جوهريًّا في عملية تطوير المناهج ”.
أدوار المعلّم في تطوير المنهج
إن تطوير المنهج عمليّة تشمل أي عنصر من عناصره، والمعلّم هو منفّذ هذا المنهج فهو يُعِدُّ الأهداف، ويخطط لتقديم المحتوى والأنشطة، ويبني أساليب التقويم وأدواته، ويلاحظ مدى جدوى المنهج وجدارته، فهو قادرٌ على تحديث الأهداف وتطويرها، وتحديث طرائق تدريسه وأنشطته وتحديث وتطوير أساليب تقويمه لتلاميذه، وهذا يعني أنّه مارس دورًا من أدوار تطوير المنهج فالمنهج ليس عبارة عن كتاب مدرسي فقط كالاعتقاد السائد اليوم , بل يشمل الكتاب والطرائق التي يقدّم بها محتواه، والمعرفة ليست فقط هي ما يتضمّنها هذا الكتاب بل يجب أن يحث المعلّمُ تلاميذه على الرجوع إلى مصادر المعرفة الأخرى وهذا من أدوار التطوير التي ينبغي أن لا تغيب عن ذهن المعلّم فالمنهج اليوم لم يعد هو الكتاب الذي بين يدي التلاميذ فهذا الكتاب جزءٌ من المنهج فقط.
• المستوى الأول تتعلّق ببناء المواد التعليميّة وأدواره فيها تتمثل بإشراكه في بناء وثائقها واطلاعه على مصفوفة المدى والتتابع الخاصّة بكل مادّة، أو بأقل الأحوال إشراكه كمستشار يؤخذ برأيه في تعديل وتنظيم محتوى هذه المواد قبل تطبيقها وأثناء تطبيقها وبعد تطبيقها أيضًا إلا أن هذا الدّور يتطلّب امتلاك المعلّم للجدارات التي تؤهله فليس من المنطق أن نأخذ برأي المعلّم قبل أن نتأكد من أنّه يعي أسس بناء المنهج : الفلسفيّة والمعرفية والاجتماعية والنفسية، ويعي المعايير اللازمة لكل عنصر من عناصر المنهج المعروفة: الأهداف، والمحتوى، والأنشطة والخبرات، والتقويم، بل ويجب أن يكون لديه إلمام بفلسفة النظرية التربوية التي تتبنّاها الدولة والتي تنعكس على سياستها التعليمية ومن ثم تبنى المواد التعليمية بما يحقق أهداف هذه السياسة، ولقد أشارت إجابات العيّنة السابقة إلى هذه النواحي.
• المستوى الثاني تتعلّق بتقديم محتوى الموّاد التعليمية التي تم بناؤها وأدواره هنا تتمثّل ببناء الخطط اللازمة لتقديم الموضوعات، وصياغة الأهداف، واختيار طرائق التدريس، والوسائل التعليميّة، ومصادر المعرفة، وأساليب التقويم، وهذه الأدوار تتطلّب أن يمتلك المعلّم جدارات التدريس الناجح في مراحله الثلاث: التخطيط، والتنفيذ، والتقويم لكي يؤديها بشكلٍ حديث يجعلنا نقر بأنّه ساهم في تطوير المناهج من خلال تطوير أساليب تقديم مضامينها للتلاميذ، وليس بالضرورة أن يكون هو القائم ببناء محتواها.
وبتوضيح هذه الأدوار وإطلاع المعلّم عليها يتبيّن له أنّ دوره واضحٌ في عمليّة التطوير بل ويمكن القول: إن المناهج الدراسية اليوم ساهمت بشكلٍ كبير في أن يكون للمعلّم دور في تطويرها لا من خلال تحديث وتطوير المحتوى فحسب – لأنّ المناهج المعدّة بشكلٍ مركزي قد لا تمكنّه من ذلك – ولكن من خلال تطوير أساليب تدريسها وتقويمها وربطها ببيئة التلميذ المدرسيّة أو البيئة الاجتماعية الأكبر هذه الأدوار متاحة للمعلّم اليوم ويستطيع أن يقوم بها إذا وعى أن المنهج ليس فقط هو الكتاب المدرسي الذي بين يدي تلاميذه.
ولتحقيق إشراك فاعلٍ للمعلّم في عملية تطوير المناهج يمكن التوصية بما يلي:
• تكوين مجلس استشاري لتطوير المناهج من كل إدارات التعليم ويجب أن يضم معلمين مهمته طرح موضوعات التطوير على طاولة النقاش وتوضيح المنطلقات الفلسفية للمنهج المطوّر ومن ثم الاستماع إلى آراء المعلّمين.
• التوسّع في البرامج التدريبيّة التي تكسب المعلّم العقليّة المنهاجية مثل: أثر الفلسفات التربوية على مناهج التعليم، تطوّرات مفهوم المنهج، أسس بناء المنهج، نظريات التعلّم، الاتجاهات الحديثة في التدريس، أساليب التقويم الحديثة، أدوار المعلّم في ظل المنهج الحديث، مصادر التعليم الحديثة، المعلّم الباحث، وغيرها.
• مسح آراء المعلمين نهاية كل فصل دراسي من خلال استبيان معيّن يستهدف معرفة النواحي الإيجابيّة والسلبيّة التي صاحبت تطبيق المنهج المطوّر في كل مادة دراسية وفي كل مرحلة ومن ثم إجراء التعديلات اللازمة.
• عمل مؤتمر سنوي حول المناهج يقدّم من خلاله المتخصصون والمعلّمون أبحاثهم وأرواقهم العلميّة وتجارهم ثم أخذ نتائج هذه الأبحاث والأوراق والتجارب بالحسبان في عمليّة التطوير.
اختم بالقول انه يجب فتح السماء للقدرات والعقول المهنية والاكاديمية وفسح المجال لأهل الاختصاص وبناء اليات عمل وشراكة سليمة بين جميع الأطراف اساسها مهني البحتة عندها سنبدأ في بلورة مستقبل مشرق لأبنائنا.
المعلومات اقتبستها من مواقع مختلفة مع إضافة فكري الخاص.