“الضم” ترجمة عملية لتصفية القضية الفلسطينية
تاريخ النشر: 30/06/20 | 10:18بقلم البروفيسور إبراهيم أبوجابر
نائب رئيس حزب الوفاء والإصلاح
عاشت القضية الفلسطينية أكثر من سبعين عاما عجافا، تنتظر مبادرة حقيقية وواقعية من العرب والمسلمين، الذين اكتفوا خلالها برفع الشعارات البرّاقة والخطب الرنانة، والبيانات العقيمة، والبكاء عبر وسائل الإعلام وعلى المنصات، والاستجداء بالأمم المتحدة والمنظمات الدولية مشلولة الإرادة.
استفاد الإسرائيليون كثيرا من الإفلاس العربي هذا وفقدان الإرادة، وغياب النية الصادقة في دحر العدوان عن الشعب الفلسطيني، فوظّفت المؤسسة الإسرائيلية كل إمكانياته المادية والدبلوماسية والمعنوية لاستكمال مشروعه الاحتلالي في فلسطين والإقليم، وجنّد لصالحه أيضا دول الاستكبار العالمي، لا بل وبعض الأنظمة العربية الرجعية.
واليوم وقد غدا أحفاد منظري المشروع الصهيوني على عتبة تحقيق حلم هيرتزل وبن غوريون وحاييم وايزمن وغيرهم، يقف الشعب الفلسطيني وحيدا في مواجهة خطة ضم ما تبقى من الأرض الفلسطينية استجابة لما يعرف بصفقة القرن التي صادقت عليها الإدارة الامريكية بزعامة ترامب.
إن خطة الضم هذه، سواء طبقها الجانب الإسرائيلي كاملة أو على مراحل، ستنهي أية فرصة لإقامة دولة فلسطينية، وستدفع نحو مزيد من الممارسات العنصرية الإسرائيلية والقمع ومصادرة للأرض وتهويد للحيّز، وإفقار للشعب الفلسطيني.
يواجه الشعب الفلسطيني في هذه الأيام تحد كبير جدا يهدّد وجوده كاملة، ويقضي على آمال ملايين الفلسطينيين في الداخل والمنافي، ويضعه أمام خيارات أقلّها مر منذ العام 48، فتطبيق “صفقة القرن” أو أجزاء منها ستكلّف الفلسطينيين غاليا، وسيدفعون فاتورتها – إن لم يفشلوها- معاناة عشرات السنين من النضال والكفاح، والآلاف من الشهداء.
فإن أصرّ الإسرائيليون على تطبيق ضم الضفة الغربية أو أجزاء منها كمرحلة أولى، فهذا سيعرّض كل الفلسطينيين للخطر، لا بل قد يؤدي بالإسرائيليين إلى تهجير أعداد منهم إما إلى الأردن أو ترحيلهم عن أراضيهم إلى مناطق فلسطينية كثيفة السكان بهدف الاستيلاء على الأرض وتهويدها.
وبقراءة سريعة لنوايا حكومة نتنياهو-غانتس، يستشف منها عدم الوضوح والضبابية رغم تصريحات نتنياهو المتكررة الداعمة للضم، إلا أنه غير مطمئن لموقف أكبر حزب شريك له في الائتلاف- أزرق أبيض- الذي يبدي تحفّظا على استحياء لمشروع الضم، وهذا ما يخشاه نتنياهو بحيث لا يحظى هذا المشروع بأغلبية في الكنيست ولا الحكومة، مما قد يضطره لأخذ التفويض ربما من المجلس الوزاري المصغّر.
ويخشى نتنياهو أيضا جملة من القضايا أهمها ردّة فعل بعض الدول العربية بخاصة الأردن ودولا خليجية غدت عملية التطبيع معها متقدمة، غير عابئ كثيرا بردّة فعل الشعب الفلسطيني، لا بل يخشى أيضا الغاء المحكمة العليا قرار الضم لأنه مناقض للقانون الأساسي الإسرائيلي.
صحيح أن الشعب الفلسطيني بقي وحده في الميدان، وصحيح أن أنظمة عربية تخلّت عنه، وصحيح أن العرب والمسلمين يعانون من العجز وفقدان الإرادة، وصحيح أن جامعة الدول العربية والأمم المتحدة والمنظمات الدولية مشلولة وفي جيب الدول العظمى، وصحيح أن إمكانات الشعب الفلسطيني قليلة ومتواضعة إلا أنه قادر على إفشال هذا المشروع المشؤوم كما أفشل غيره على مدار أكثر من سبعين عاما خلت، وستبقى فلسطين عربية ولا بد وأن يعود الحق إلى أهله طال الزمان أو قصر!!