المُعلّم – بو مَدفَع
تاريخ النشر: 06/07/20 | 18:15 زهير دعيم
أقف دَهِشًا وكأنّني أعيش فيلمًا مُرعبًا ، وانا أشاهد وأسمع وأقرأ أخبارًا تحكي عن اعتداء أحد الطلّاب على مُعلّمه أو معلّمته، في احدى مدارس البلاد.
خبر يصعقني صعقًا وكأنّه يقول لي : ” ما عاد في الدُّنيا خير “.
وأروح اتساءل : ماذا جرى ؟ والى أين وصلنا نحن الذين علّمَنا الجدودُ قائلين :” من علّمني حرفًا صِرتُ له عبدًا ” .
لا نريدكم عبيدًا وأيم الحقّ ، بل نريدكم أبناء أحرارًا وبررة تُقدّرون عطاءنا وتضحياتنا في التربية والتعليم والتهذيب، وزرع النفوس ببذور الآمال والأماني والأحلام الورديّة.
ما كنتُ مع العنف أبدًا أنا الذي عمل في سلك التعليم المقدّس ما يقرب من اربعة عقود من الزمن ، وما كنتُ مع المعلّمين الذين “أرهبوا” الطلّاب بالعصا ، رغم أنّني اعترف وأقرّ باستعمالي إياها أحيانًا ، فعاقبت الطلّاب المُقصّرين والمشاغبين جسديًّا ؛ لا من باب العقاب لاجل العقاب وانمّا من باب المحبّة والأبوّة؛ محبّة المعلّم الذي يريد ويبغي ان يكون طلّابه هم الأفضل والأكثر تحصيلًا وخُلُقًا..
هكذا كانت الموضة !!! وأظنّها اليوم بل واعتبرها قديمة ، مقيتة ولا لزوم لها ، ومع هذا تبقى أكثر طبيعيّة من الوضع الذي يطفو على سطح حياتنا اليوميّة بين الفينة والأخرى؛ صورة طالب يعتدي على معلّمه بالكلام البذيء او اللكمات !!!!!.
“الدُّنيا على آخِر وقت” كان يقول جدّي حينما تحدث بعض الامور التي اعتقدها غريبة .
نعم على آخِر وقت فالأخلاق أضحت باهتةً لا لون لها ولا طعم ، وماتت أو كادت تموت المروءة والانسانيّة الجميلة في النُّفوس.
فكّروا معي في أمر هذا المربّي والمُعلّم المسكين الذي وُضِع في موقف لا يُحسدُ عليه ، فهو لا يستطيع أن يُدافع عن نفسه عالمًا أنّه تحت الاضواء ؛ اضواء كاميرات البلفونات ، فسيصبح فعله هذا مسرحيّة تتناقلها شبكات التواصل بسرعة البرق ، وسيجد نفسه في البيت وبلا وظيفة ، وأمّا ان سكت فقد ” أكلها وفرّق” كلّ العمر فتنكسر شوكته أمام طلّابه وطالباته ويضحي أضحوكة أو يكاد .
وكنت اقترح عليه عندها ان ينتفض وينفض عنه هذه المهنة التي مرّغت هيبته بالرمال.
تحضرني شخصية ” بو مدفع ” من مسرحية خربة الجميلة والهادفة ، هذه الشخصيّة التي بقيت تحمل عنوة وِزْر ” خطئها” عشرات السنين تتناقلها الالسن ، الاجيال تلو الاجيال.
يا ليتنا نتذكّر الجميل والبديع والرائع ! فنحن وللحقّ أقول : الجميل يضيع في الثنايا والحنايا والذاكرة ولا يبقى الا الأسود والرّماديّ.
كثيرًا ما نقول : ” سقى الله تلك الأيام ” وفي الواقع انا شخصيًّا لا أتحسّر على تلك الايام ، كثيرًا فقد كانت بائسة ، باهتة ومُلفّعة بالفقر والذُلّ…ولكن فيها كوْكبتِ الاخلاقيات ، وأزدرهرت القيم وغرّد الاحترام للمعلّم وللكبير …وللقريب والبعيد .. نعم في هذا الموضوع أقول : سقى الله تلك الأيام سقيًا جميلًا فقد كانت جنّةً ريّا في حين انّنا نعيش اليوم أفلام كاوبوي في معظم ليالينا ونهاراتنا.ننام على ازيز الرصاص ونصحو على المشاغبات والاقتتال .