لن يكون ثمّة متسلّقون إذا لم يكن ثمّة سلالم (نقاش مع الرفيق محمّد نفّاع)
تاريخ النشر: 08/07/20 | 19:09بقلم: علي هيبي
الرفيق محمّد نفّاع رجل عزيز، نبيل، نظيف اليد، طاهر النفس وعضو عريق في الحزب الشيوعيّ منذ عقود طويلة، رفيق أجلّه لكلّ تلك السجايا، ولعراقته وثباته على المبدأ الأيديولوجيّ والفكريّ، وحرصه على ترسيخ مفاهيم الحزب الثوريّ والثوابت التنظيميّة والمواقف السياسيّة والاجتماعيّة والأخلاقيّة الشيوعيّة، وعلى النهج النضاليّ للحزب في الميادين وبين الناس لتوعيتهم وتحريضهم على السلوك الكفاحيّ وطرح قضاياهم وهمومهم ومظالمهم أمام السلطة الحاكمة والمؤسّسات الرسميّة الحكوميّة المنبثقة عنها، وكذلك أجلّه لأنّه في الآونة الأخيرة أطلق صرخة صادقة من أجل عودة الحزب بكافّة هيئاته، وبخاصّة الفروع وعودة إنجازاته العظيمة، وبخاصّة جريدة “الاتّحاد” يوميّة وعودة دورها “كمنظّم وموجّه” لأهداف الحزب، كما ذكر الرفيق “محمّد” في مقالته التي نُشرت في جريدة “الاتّحاد” يوم 24/3/2020، هذه الجريدة التي أخذت من وقت الرفاق في القواعد الحزبيّة ومن جهدهم ونشاطهم في القرى والمدن والأحياء وبين الناس الكثير، وبشقّ الأنفس صدرت يوميّة، فكانت منبرًا للفكر الوطنيّ والتقدّميّ وناطقًا بلغتنا الضادّ العربيّة، أجمل لغات الكون، أمّا الآن وأنا أكتب هذه السطور لم تعد “الاتّحاد” يوميّة بل نصف أسبوعيّة، ولا ندري إلى أين سنصل بها أو ستصل بنا، إذا ظلّ دافع التفكير بها هو الدافع الماليّ، على اعتبار أنّها تشكّل اليوم – برأي البعض – عبئًا مادّيًّا على الحزب!
بمجرّد أن يتناول رفيق عريق كَ “محمّد نفّاع” هذه القضايا المتعلّقة بالحزب فكرًا ونهجًا وتنظيمًا، صارخًا ومستصرخًا، فإنّ ذلك يعني أنّ الحزب في أزمة، بل في أزمات، والرفيق “محمّد نفّاع” من قادة الحزب، فقد شغل لسنوات طويلة منصب الأمين العامّ للشبيبة الشيوعيّة ومنصب الأمين العامّ للحزب الشيوعيّ، وهو كاتب ومثقّف وروائيّ وفلّاح، ولذلك هو يعرف ما يقول ومتى يصرخ ويستصرخ، ومتى ينفخ ومتى يضرب، وآمل أن لا يكون نفخه في رماد ولا يكون ضربه في حديد بارد!
في مقالته المذكورة أعلاه تحدّث عن الانهيار السوفييتيّ وأرجع ذلك إلى كثير من الأسباب الخارجيّة والداخليّة وإلى كثير من الأوضاع الموضوعيّة والذاتيّة، ولكنّ الحقيقة – وما أؤمن به على الأقلّ – يقول إنّه لو تجمّعت كلّ الأسباب الخارجيّة والظروف الموضوعيّة كانت لا تستطيع أن تحدث الانهيار لو كانت الداخل السوفييتيّ قويًّا ومنيعًا والذات السوفييتيّة صلبة ومتينةً، أسباب الانهيار تتعلّق بالداخل وبالذات، وفي قيادة الحزب التي اُمّنت على التطبيق ففشلت وانحرفت وانتهزت مناصبها للاستئثار بالثروات فصارت ثيرانًا وابتعدت وتعالت وأدارت ظهورها العريضة ومؤخّراتها الثقيلة وكراسيها الوثيرة لهموم الناس، إنّ عدم الاكتراث لقضايا ومخاطر محدقة، منها المسألة القوميّة والقضايا التنظيميّة واستيلاء الحزب بتَراتُبِه البيروقراطيّ على مقدّرات الدولة، وانعدام الديمقراطيّة والابتعاد عن الناس، هي التي سبّبت الانهيار. وبالنظر إلى حزبنا وأوضاعه سنرى أنّ كلّ ما صوّره الأمين العامّ السابق للحزب من سلبيّات ومخاطر وشوائب وتراجع سببه ما يجري في داخل الحزب وليس من خارجه، وللقيادة في الهيئات العليا الدور الأعلى والأكبر في وجود هذه السلبيّات، وعليها واجب المبادرة للترميم والإصلاح في سائر الأمور، ولكنّها تتقاعس وتتّخذ قرارات تزيد الطين بلّة! وأهمّها النكوص إلى الوراء، وبدل تطوير جريدة “الاتّحاد”، شكلًا ومضمونًا وصيانة للغتنا القوميّة المميّز ضدّها، نراها تقرّر إصدارها نصف أسبوعيّة، معنى ذلك أنّ هذا المنبر العربيّ الأمميّ الحرّ والمنير الذي كنّا نتواصل من خلاله مع الناس طيلة أيّام الأسبوع سننحسر عنهم لثلثيْ الأسبوع ونصل في يوميْن فقط، هذا إذا وصلنا، قرية “كفرمندا” سكّانها حوالي 20 ألف نسمة ولا تدخلها الجريدة، في شعب حوالي 10 آلاف نسمة لا تدخلها الجريدة! في شفاعمرو 50 ألف نسمة والمشتركون لا يصل عددهم إلى 70 مشترك، وكذلك هو العدد في طمرة التي تعدّ 35 ألف نسمة، وفي عبلّين وعدد سكّانها 16 ألف نسمة عدد المشتركين حوالي 50، وفي كابول ذات ال 15000 نسمة 70 اشتراك، هذه منطقتي وأنا أدرى بشعابها، حوالي 150 ألف مواطن، يعني 30 ألف أسرة أو بيتًا ولا تدخل “الاتّحاد” إلّا لحوالي 250 أسرة، ولا أعتقد أنّ باقي الفروع والقرى والمدن والمناطق بأفضل من هذا. من المسؤول؟! لا أعرف! ولكن ما أعرفه وأنا واثق به ثقتي بمرافقة ظلّي لي تحت أشعّة شمس في صحراء جرداء، أنّ الرفاق في القواعد يأسوا وكلّوا من جمع الاشتراكات ومن نهب أثمانها! في منطقة شفاعمرو الحزبيّة وصل عدد المشتركين في “الاتّحاد” أيّام “العزّ” والقيادة الرشيدة إلى حوالي 1500 اشتراك، يعني أنّ الجريدة كانت تدخل إلى 1500 أسرة في المنطقة! من الذي نجح في ذلك؟! أليس الرفاق في الفروع! ألا تستحقّ هذه الفروع وهؤلاء الرفاق إلى قليل من نظركم واكتراثكم وممارسة مسؤوليّاتكم عشيّة المؤتمر ال28 للحزب في نوفمبر القادم، أم ستبقون في مكاتبكم الرحيبة وعلى مقاعدكم الوثيرة مديرين الظهور وما تحت الظهور لهموم الفروع والرفاق! أم ستكتفون بمحاضرات منطقيّة على شرف المؤتمر وتتوقّف حتّى الشرف القادم! لقد قال الرفيق “تشي” هذا الذي قضى حياته في القتال الثوريّ والكفاح المسلّح في ظروف صعبة وأوضاع شبه مستحيلة على الانتصار أمام جيش “باتيستا” الدكتاتور الكوبيّ المدعوم من الولايات المتّحدة الأميركيّة وانتصر، لقد قال يومًا: “”إنّ الثورة تتجمّد والثوّار ينتابهم الصقيع حين يجلسون على الكراسي لبناء ما ناضلت من أجله الثورة، وأنا لا أريد أن أعيش ودماء الثورة مجمّدة في داخلي”.
أوافقك الرأي بكلّ طروحاتك يا رفيق “محمّد نفّاع”، حول ضرورة العودة إلى احترام المركزيّة الديمقراطيّة وعودة العلاقة المتينة والرفاقيّة بين الرفاق جميعًا، وبخاصّة بين الهيئات العليا والدنيا، وضرورة اعتماد النقد والنقد الذاتيّ والنقاش، وعودة الأعضاء الذين خرجوا من الحزب أو أُخرجوا لأسباب واهية، وعودة التثقيف النظريّ وتقوية الشبيبة حارس الحزب وترشيد طريقها ونهجها، لكنّي أخالفك بالعنوان الذي توجّه إليه هذه القضايا الهامّة! وبصراحتي ومباشرتي وصدقي الذاتيّ والحزبيّ أقول: العنوان والمسؤول هو قيادة الحزب: المكتب السياسيّ واللجنة المركزيّة وإدارة “الاتّحاد” والتي أعضاؤها من الهيئتيْن.
عاد الرفيق “نفّاع” يوم 16/6/2020 ونشر مقالة/ صرخة أخرى، فانتقل بها من العموم إلى الخصوص تقريبًا، ولكن ظلّ العنوان مغمغمًا والتوجّه فضفاضًا، وقد افتتحها بمقولة رائعة لِ “فكتور نيكراسوف” من كتابه “في خنادق ستالينغراد”، تتعلّق بالفعل واللافعل، ولا شكّ في ربطه بين مضمون هذا الاقتباس، وبين إحساسه بالضيق والمرارة عندما يتناول موضوع الحزب وحالته وأوضاعه والاتّهامات ضدّه، ويكرّر الرفيق “محمّد” ما ذكره عن أسباب الانهيار وغورباتشوف، ومن ثمّ يخلص إلى سؤال يدعو للتفكير والتأمّل! “لماذا ينشغل الرفاق ببعضهم! ويحسدون ويغارون ويتربّصون ويقاطعون؟ وهذا ينخر في وحدة الحزب ونشاطه”، ويجيب الرفيق “محمّد” بأنّ السبب أناني وذاتيّ! فالتنافس السلبيّ والغيرة السلبيّة هي على “الأنا” وليس على “الهو” ممّا يؤثّر سلبًا على نشاط الحزب وعلى جريدة “الاتّحاد” التي أنكصوها على عقبيْها فصارت تصدر في الأسبوع مرّتيْن، وليس بانتظام يوميّ! سؤال ووضع يدعوان للمراجعة وحساب الذات، لأنّهما لم ينشآ من فراغ! ولا يجب يا رفيق “محمّد” أنّ نكمّم أفواه الرفاق الذين صاروا بلا هيئات بالتخويف من الأعداء، خارج الحزب، في وقت صار الرفاق أعداء بعض! كما وصفت في مقالك المثير.
ويتابع الرفيق “محمّد” طرحه لما يضيّق على نفسه ويشعرها بالمرارة، “صار الخرق التنظيميّ بطولة وشجب المركزيّة الديمقراطيّة قمّة التحرّر” وغير ذلك من قضايا جدّ خطيرة، إنّ كلّ ما يطرحه يقول: إنّ المشكلة العويصة ليست في التنظيم والفروع المهلهلة فقط! بل هو يلمّح إلى وجود انحراف فكريّ عن نهج الحزب الثوريّ، وبالمضيّ بالحزب إلى سرداب غريب وهجين، عماده التنازل عن الثوابت الفكريّة والتنظيميّة واعتماد الليبرالية اليساريّة، والانحراف عن النهج الماركسيّ اللينينيّ والذي يشكّل الأساس الثوريّ والنظريّ والتنظيميّ لأيّ حزب أمميّ ثوريّ، ولذلك تُترك الفروع في الهيئات بلا تنظيم وبلا مرسى نظريّ ترسو إليه وبلا نشاط كفاحيّ مبرمج ولا خطّة عمل يسلك على نورها. ومن الذي يجب أن يبادر إلى هذه الأفعال؟ أليست القيادة التي تطالبنا وتؤمرنا بكذا وكذا! وويل للمارق! فسيكون عميلًا أو مدسوسًا أو فاشلًا أو منحرفًا أو ابن …….. (أبصر شو)
يقع واجب ترميم الأوضاع فروعًا وجريدة ووضع برامج وبعث أمل وشقّ درب نور على قيادة الحزب، وإن لم تفعل فالمسؤوليّة تقضي بتحمّلها لمهامّها وإن لم تفعل فلتذهب! ويقول الرفيق “محمّد” صراحة بأنّه في الأوقات الحرجة والظروف الصعبة التي واجهت الحزب، مثل الانهيار السوفييتيّ كاد الحزب ينقسم “لكنّ القواعد والكوادر الحزبيّة هي التي حمت هذا الحزب العريق”، فإذا كانت القواعد والكوادر في الفروع هي التي حمت، فمن ذا الذي أشعل النار التي كاد ضرامها أن يجعل الحزب رمادًا؟! لقد نمت الأنانيّة بين أعضاء الحزب ونما الميل لتحقيق إنجازات ذاتيّة تجعل الفرد “مختارًا” وباقي الرفاق قطيعًا وبعض الرفاق شلّة مدّاحين ومنتفعين، (بالمعنى السلبيّ) وذلك إثر الانتخابات المحلّيّة التي حقّقنا فيها إنجازات هائلة عندما كنّا مجرّدين من ذاتيّتنا، وبدأنا نتقهقر في الميدان نفسه عندما صار الرفيق الشيوعيّ أو الجبهويّ المنفوخ حزبيًّا مختارًا أوحد على قبيلة من المصفّقين بحرارة، وويل للبارد! وأصبح الجمهور والناس لا يروْن فينا تميّزًا ولا نكران ذات وتضحية وتفانيًا من أجل ال “هو” وال “هم”، وهذا هو ما يحدث كنتيجة طبيعيّة عندما تتمرّد الذات على نكرانها! إذا كانت القواعد هي التي حمت فمن الذي فرّط بتلك الحماية؟ أيّها الرفيق العزيز “محمّد نفّاع”! أليست القيادة! أليس الرعاة الذين يقودون قطيعًا من الغنم أو البقر! أليس هم من أوصلوا بعض الرفاق إلى الجبن وعدم القدرة على طرح الرأي الصحيح بحريّة وصراحة ومباشرة! ألم يصبح بعض الرفاق المنتفعين (بالمعنى الإيجابيّ) بعمل أو وظيفة في الحزب أو الجبهة أو الجريدة يخافون على لقمة العيش من الفصل! أليس هم الذين جعلوا الرفاق يائسين بائسين يروْن الخطأ فيصمتون! وويل لمن يرى وويل ثمّ ويل لمن يرى ويجرؤ ويقول!
إنّ أهمّ ما يجب أن تفعله هذه القيادة الحزبيّة (يعني أعضاء المكتب السياسيّ وأعضاء اللجنة المركزيّة والهيئات المتفرّعة عنهما، ولجنة المراقبة المركزيّة يجب أن تواكب ذلك الذي يتوجّب عمله) على شرف المؤتمر القادم، هو حلّ المشاكل العالقة منذ عقود في الفروع، لأنّ الرفاق في الفروع هم المصدّر الرئيس للمندوبين الذين سيمثّلونهم في المؤتمر الذي نريد له النجاح. وعليها أن تحضّر توصيفًا صادقًا لحالة جريدة “الاتّحاد” والمشاكل التي تعترض عودتها للصدور يوميًّا، ومن بعد التوصيف عليها أن تأتي بخطّة عمل مفصّلة وشاملة للحلول الممكنة، وتكلّف المندوبين بالمشاركة الفعليّة والميدانيّة، فإذا حضر المؤتمر 300 مندوب، فليتولَّ كلّ منهم مسؤوليّته كممثّل لفرع ويتجنّد مع فرعه لجمع 20 اشتراكًا سنويّة للجريدة! وليفعل ذلك أعضاء القيادة الجدد بتجنيد كلّ قائد لِ 10 اشتراكات، وكلّ عضو في لجنة منطقة 5 اشتراكات، أليس هذا كفيلًا بحلّ العبء الماليّ! يا رفيق “محمّد” (ألف بألف مليون) فهل ستفعل هذه القيادة ذلك! أم ستدسّ رأسها في الرمل وكأنّ الفروع والتنظيم بألف خير! وكأنّ الزمان اليوم هو زمان الألكترونيكا والتقنيّة والحوسبة و”مين بقرا اليوم من الورق”! وإلى الجحيم يا لغتنا العربيّة الحبيبة والجميلة! وبلا شخصيّة وطنية ولا هويّة قوميّة ولا بلوط ولا بطيخ إمّسمر! فالأهمّ اليوم المحافظة على مواطنتنا، وعلى مصلحتنا الوطنيّة الفلسطينيّة درجة لترسيخ المصلحة الوطنيّة ألإسرائيليّة العليا وصعودها!
إذا عاد الحزب إلى نفسه وعادت القيادة إلى هيبتها، والفرصة متاحة أمام جميع الرفاق الغيورين على الحزب، في المؤتمر القادم، سيكون بمقدور الحزب أن يعيد للفروع آمالًا عريضة وحيويّة نشطة، وسيكون بمقدور الرفاق في الفروع انتخاب مندوبيهم بصدق ونقاء، وسيعود للحزب الذي شاخ مجده وشبابه وإنجازاته ونهجه الثوريّ ونشاطه السياسيّ وتنظيمه الحزبيّ، ولا يبقى نهبًا لمجموعة “المكيّفين على بعض” ومجموعة المكاتب والارتزاق والاتّفاق على الحصص! ستعود إلى الحزب دماؤه الحارّة وسيعاود نشاطه العظيم وطريقه القويم. للثائر الأميركيّ الأسود “مارتن لوثر كينغ” مقولة عظيمة يليق مقالها بالمقام: “لا يستطيع أحد ركوب ظهرك إلّا إذا انحنيت”. فليكن المؤتمر القادم رافعة لعودة الحزب إلى جوهره وطهارته ونهجه ونشاطه وجريدته وشبابه الخلّاق!
سيعود كلّ شيء إلى سابق عهده المجيد، عندما نتعرّف – يا رفيقي العزيز “أبا هشام”، الذي نجلّه ونعتزّ به وبنقاء يده وبطهارة سريرته وبصدق انتمائه – على المتسلّقين فلا نظلّ سلالم!