“حدود المنفى” (رحلة إيڤا شتّال إلى فلسطين عبر مخيّم تلّ الزعتر)(7)
تاريخ النشر: 10/07/20 | 11:40عزيزي حسن؛
كان هناك أناس في غرب بيروت يعملون بجدّ لإخراجي من المخيم. الصحفي السويدي أندرس هاسيلبوم ورئيس مكتب الصليب الأحمر الدولي في بيروت جان هوفليجر. كان من المستحيل المغادرة إلا إذا تم اختراق الحصار مع بقاء المخيم سالما. حاول كلاهما بذل قصارى جهده لإيجاد حل.
من المهم جدا ما فعلوه. لقد ساعد على إنقاذ حياتي، وغيرها. يجب أن يكتب عن ذلك، ولكن ليس تقرير السفر هذا.
بفضل الدعم من الكثير، الحب من العائلة والأصدقاء، هنا وفي لبنان؛ ما زلت على قيد الحياة. لقد اضطررت لخوض بضع عمليات. أعاني من أعراض ما بعد الصدمة مثل مشاكل النوم، والتعب، وظهور الفلاش باك، وكذلك الألم الذي لا يتركني أبدًا. يستجيب جسدي للتوتر بعد الصدمة، لكنني نجحت في العمل، ليس بدوام كامل ولكن كممرضة مرة أخرى. لقد عملت مع المهاجرين الذين غادروا بلادهم بسبب الحرب. استطعت فهمهم، وقد ساعدني العمل معهم أيضًا.
لكن المساعدة الأفضل، والأكثر أهمية لبقائي هما طفلي المولودان في 1982 و84.
يمكنك قراءة المزيد عن الرعب الذي عانينا منه في تل الزعتر من مصادر عديدة. أحدهما هو الكتاب الذي كتبه د. يوسف عراقي “يوميات طبيب في تل الزعتر، مخيم اللاجئين الفلسطينيين في لبنان”.
أنا محظوظة لأنني تزوجت مرة أخرى من زوج متفهّم، نيستور. نشاهد معا صور إقامتنا في إسرائيل، وزيارة فلسطين معكم. نرى أجزاءً كثيرة من الثقافة العربية والفلسطينية القديمة والحديثة في بعض الأماكن. المدن والأحياء والقرى. وهناك مجتمع غربي حديث يشبه المجتمع الإسرائيلي يرفع مبانيه العالية بالقرب منه ويمد شبكة الطرق السريعة فوق المناطق الريفية السابقة التي كانت مدنًا وقرى وأراضٍ زراعية فلسطينية قبل عام 1948. أماكن اضطر أصدقائي في تل الزعتر إلى الفرار منها.
إن إسرائيل التي أجبرت ثلثي الشعب الفلسطيني على مغادرة أرضه ليست دولة حديثة؛ يستثني تشريعها الحقوق المتساوية لـ 20٪ من مواطنيها – وفقًا لـ “قانون القوميّة” اعتبارًا من يونيو 2018. بالنسبة للفلسطينيين، فإن التمييز من قبل إسرائيل ليس شيئًا جديدًا، ولكن منذ تطبيق هذا القانون أصبح من المستحيل المطالبة بحقوق لقطعة أرض أو لشراء منزل تريد العيش فيه. بغضّ النظر عما إذا كان بإمكانك إثبات ملكيته مرة واحدة لعشيرتك أو قريتك أو جماعتك أو عائلتك.
المصالح اليهودية هي دائما رقم واحد، بموجب هذا القانون يتم التميز ضد غير اليهود جميعًا. لقد أوضحت أن كونك فلسطينيًا، وتحمل جواز سفر إسرائيليًا بشكل غير إرادي، وبالتالي تعيش تحت الولاية القضائية الإسرائيلية، هذا يؤثر بشدة على الحياة اليومية.
عندما قضينا يومنا الرابع من زيارتنا في حيفا والمناطق المحيطة، أخذتنا بالسيارة إلى مدينة عكا الجميلة وهي مدينة يعود تاريخها إلى أكثر من 5000 عام. كانت المدخل والمدينة الهامة في مملكة القدس خلال الحقبة الصليبية، مع حصن مثير للإعجاب على البحر الأبيض المتوسط.
عكا هي مدينة تاريخية ذات جدران مسوّرة مع استقرار مستمر من العصر الفينيقي. تتميز المدينة الحالية ببلدة محصنة تعود في الفترة العثمانيّة إلى القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، مع مكونات حضارية نموذجية مثل القلعة والمساجد والخانات والحمامات. ما تبقى من المدينة الصليبية، التي يعود تاريخها إلى 1104 إلى 1291، لا تزال سليمة تقريبًا، فوق وتحت مستوى الشارع اليوم، مما يوفّر صورة استثنائية لتخطيط وهياكل العاصمة للمملكة الصليبية في العصور الوسطى في القدس. حيث هي جزء من قائمة التراث العالمي / اليونسكو.
بدأنا اليوم بزيارة إلى مسجدين قديمين في حيفا. أولا “المسجد الكبير، مسجد الجرينة” الذي بني في 1790 م داخل حيفا المسوّرة. إن لديها برج ساعةٍ نموذجيًا. هناك برج ساعةٍ آخر من نفس النمط يمكن رؤيته في وسط بيروت.
المحطة التالية كانت “المسجد الصغير ” يعود إلى خمسينيات القرن التاسع عشر. كلاهما سيتم إصلاحه، ولكن ليس من السهل الحصول على الأوراق المطلوبة عندما يتعلق الأمر بالمباني الأقل أهمية لدولة إسرائيل.
اتجهنا شمالًا ومررنا بمستودع ايكيا. ذكرني ذلك مرة أخرى بكتاب الكاتبة الإسرائيليّة سوزان ناثان، “إسرائيل أخرى”، حيث التمييز ليس فقط في أنظمة التعليم والإسكان، ايكيا ترفض توصيل الأثاث إلى منازل الفلسطينيين. فشوارعهم ليست في الخرائط الرسمية.
عندما وصلنا إلى عكا؛ بدأنا بزيارة المقابر الإسلامية. بحثنا عن قبر أحد أشهر الفلسطينيين: غسان كنفاني، ابن مدينة عكا. كان الأب محامياً، كما عاشت العائلة بضع سنوات في يافا حيث ذهب غسان إلى المدرسة حتى أجبروا على مغادرة يافا قبل أن تقع المدينة بيد القوات الصهيونية عام 1948. لجأوا أولاً إلى لبنان، كان غسان في الثانية عشرة من عمره. كان عليه أن يعيش الحياة كلاجئ فلسطيني في دمشق والكويت، ثم مرة أخرى في بيروت. هناك تزوج من آني، معلمة دنماركية، اعتدت رؤيتها في بيروت عندما ذهبت إلى هناك لأول مرة عام 1974. التقينا مرة أخرى عام 1976 عندما تزوجتُ من يوسف. قامت آني بتأسيس مؤسسة في لبنان تدير رياضا للأطفال في مخيمات اللاجئين باسم زوجها الراحل. إنه لأمر مدهش ما يفعلونه لهؤلاء الأطفال، مما يمنحهم بداية جيدة في الحياة التي ستكون مستحيلة.
سميرة حمد(إيڤا شتّال)
(الحلقة السابعة)
*** هذه الحلقة السابعة من انطباعات الزعتريّة سميرة (إيڤا) حمد(شتّال)؛ من مواليد 1948 في مدينة جوتنبورج السويديّة، درست التمريض وبفضل نشاطها التحقت عام 1974 بالعمل التطوّعي في مخيّمات اللاجئين الفلسطينيّين في لبنان، تزوّجت من يوسف حمد، الناشط السياسي، ابن قرية الخالصة شمال فلسطين، الذي استشهد خلال القصف على مخيّم تل الزعتر جراء قذيفة هاون أدّت بالوقت نفسه إلى إصابتها بجروح بالغة، نتج عنها بتر ذراعها الأيمن وكسور في الفخذ الأيسر. بعدها بأيام فقدت الجنين في شهرها الرابع. رفضت سميرة، رغم إصابتها، مغادرة المخيّم المُحاصَر رغم جهود الحكومة السويديةّ في العمل على إخلائها عن طريق الصليب الأحمر الدولي، أصرّت على أن تُقاسم الأهالي مصيرهم. عند خروجها عادت إلى السويد وأكملت علاجها ونشاطها في المجال الصحي، مساعدة أطفال اللاجئين القادمين من مناطق القتال ومساعدة النساء، ما زالت مرتبطة بمساعدة أطفال اللاجئين الفلسطينيّين في مخيّمات لبنان، وما زالت تحمل رسالة المخيّم عبر البحار.
*** شكرًا للأديب الفلسطيني إياد شماسنة على ترجمة الرسالة من الإنجليزيّة للعربيّة.
*** تُنشر تزامنًا مع نشرها في صحيفة “المدينة” الحيفاويّة.
حسن عبادي