الخيَار الأفضل!
تاريخ النشر: 18/07/20 | 18:22بقلم : زهير دعيم
الشمس تعود أدراجها ويعود معها الراعي وقطيعه الى الحظيرة ، في حين تهبّ النسمات الربيعيّة البليلة المُنعشة ، فتضفي على الغنمات الشبعى جوًّا من البهجة والفرح. القطيع يسير الهوينا يتقدّمه الراعي الشّابّ بعصًا من خشب الزعرور وشَبّابة تسيل الحانًا عذبةً بين الفينة والفينة. وفي آخِر الموكب يسير كبش هرِمٌ أعرج أعياه التعب وأضناه المسير ، يحاول أن يلحق بالركب ، ولكنه يفشل ، فالمسافة أضحت بينه وبين القطيع أمتارًا. وفجأة ومن بين الأشجار يظهر ذئب كبير ، فيلحق بالكبش الهَرِم الذي يهرب منه ولكن الى حين، فيقف الكبش الهرم ويفكِّر : ماذا عساه يفعل وهو ضعيف وهزيل ولا يقوى على العِراك ، فلا يجد أمامه الا أن يستعمل الدّهاء والحكمة ، فيبتسم للذئب الغاضب ويبادره قائلا: ” ماذا تريد منّي يا أخي ، فأنا كبش هرِمٌ ولحمي قاسٍ ونتن ، وقد تكسر انيابك دون جدوى ، فدعني وشأني وأنا أضمن لك في كلِّ ليلة خروفًا صغيرًا ذا لحم لذيذ طريّ”. فكّر الذئب طويلا ثمّ قال : ” في كلّ ليلة خروف.. وكيف يكون ذلك ؟” المسألة بسيطة أجاب الكبش الهرم ، فحظيرتنا لا تبعد كثيرًا من هنا ، والرّاعي ينام بعيدًا عنّا في حين ان الكلب ينام في الجهة الشرقيّة ، فتعال في كلّ ليلة من الجهة الغربيّة وأنا سأفتح لك بقرني هذين باب الحظيرة ، وما عليك الا الانقضاض على الكبش الذي تريد فتجرّه الى مغارتك وتأكله هناك هنيئًا مريئا. نظر الذئب الى الكبش نظرة شكٍّ وريبة ثمّ قال : ” ولكن من يضمن لي ذلك؟” – أنا أضمن لك هذا ، فأنا أمرُّ كلّ يومٍ من هنا ،وفي كلّ يوم أتأخر خلف القطيع ، فهل تراني أجرؤ على الإخلال بالعهد؟ – حسنًا الليلة موعدنا. وتابع الكبش الهرم مسيره خلف القطيع وهو يُفكّر في الأمر ، فهو في منتهى الحساسيّة فلا يعقل أن يفي بوعده ويخون أبناء قومه وعشيرته ، إنّه يُفضِّل الموت على مثل هذه الفعلة الشنعاء!! وهناك من ناحية أخرى وعد وعهد….لا بدَّ من مخرج من هذه الورطة قال الكبش في نفسه وهو يهزُّ برأسه. وصل القطيع الى الحظيرة ، ووصل الكبش الهَرِم أيضًا مُتقطِّع الأنفاس مُشوَّش التفكير .انّ الوقت يمرُّ بسرعة ، فالظلام قد بدأ يزحف على القرية وعلى الحظيرة ولا بدَّ انّ الذئب في طريقه الى هنا فما العمل ؟ فكَّر الكبش وفكّر…. ليس امامه الا طريق من طريقين ، فإمّا أن يطلب المساعدة من الرّاعي ومن الكلب حتى ولو اتهم من قبل اقرانه بالجُبن ، وامّا أن يفي بوعده وسيكون عندها خائنًا حتى في نظر نفسه. لا…لا…هناك طريق صعب ولكنه الأفضل . وعَبَسَ الكبش الهَرِم ، وظهر الرّضا على وجهه، فقام لتوّه بهدوءٍ وحيْطة ،ففتح بال الحظيرة الغربيّ بقرنيْه وخرج منه وأغلقه خلفه . وفي الصّباح ما أشدّ ما كانت دهشة الراعي كبيرة ، حينما رأى بالقرب من الحظيرة جثتيْنِ هامدتين : الأولى لذئب كبير وقد أثخنته الجِروح ، وأخرى لكبشٍ هَرِمٍ تظهر على وجهه بسمة خفيفة.