كيف يعيش الميت حياة البرزخ؟
تاريخ النشر: 06/08/20 | 19:00الحياة البرزخية تختلف عن الحياة الدنيوية وعن الحياة الأخروية من وجوه كثيرة أهمها أن الروح تتعلق بالبدن تعلقا خاصا فإنها وإن فارقته وتجردت عنه عند قبضها فإنها لا تفارقه بالكلية بحيث لا يبقى لها التفات البتة وإنما ترد إليه في بعض الأوقات كردها عند سؤال الملكين وتسليم المسلم عليه عند زيارته له . وهذا الرد هو إعادة خاصة للروح لا توجب حياة البدن قبل البعث.ووفق موقع (إسلام ويب) فالحياة البرزخية تقتضي معرفة الميت لمن يزوره من الأحياء وسماعه لخطابهم على الراجح وقد قال الإمام بن القيم في كتاب الروح ( والسلف مجمعون على هذا وقد تواترت الآثار عنهم بأن الميت يعرف زيارة الحي له ويستبشر به).وأفاض القرطبي في التذكرة وابن القيم في كتاب الروح في تفصيل مراحل هذه الحياة والتعرف عليها عن كثب وجمعا في ذلك جمعا طيبا . ومع ذلك فإن حقيقة الأمر تبقى غائبة عن الكل لا يعلمها إلا الله تعالى ، وعلى المسلم الإيمان والتسليم.
كيفية حياة الميِّت في البرزخ هي من الأمور الخلافية التي ظهر فيها جدلٌ كبيرٌ بين العلماء المسلمين وغيرهم من أصحاب العلوم الأخرى، وبين العلماء المسلمين فيما بينهم، ويرجع أصل الخلاف إلى الجهل الحقيقي بحقيقة تلك المرحلة، وقد جاءت بعض النصوص القرآنيّة والأحاديث النبوية التي تُشير إلى ما يحصل للمرء في القبر بعد أن يدخل الحياة البرزخية، وفيما يلي بيان بعض الأمور التي تحصل للميت أثناء الحياة البرزخية كما أثبتها القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة:
بمجرد أن تخرج روح الميت من جسده ويدخل في قبره فإنّه يدخل في حياة البرزخ، فإذا دفنه أهله وأغلقوا القبر عليه بالتراب ونحوه، وانصرفوا عنه فإنّ أول ما ينتظره في حياة البرزخ أن يأتيه ملكان من الله -سبحانه وتعالى- فيُقعدانه في مكانه الذي دُفن فيه، ثم يسألانه مجموعةً من الأسئلة التي بناءً عليها تُبنى باقي حياته البرزخيّة؛ هل سيحياها في نعيمٍ أم في جحيم، ومن تلك الأسئلة أن يسألاه عن الله سبحانه وتعالى، ثم يسألاه عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم لكونه خاتم الأنبياء والمرسلين، ثم عن دينه، أما الذي كان في مرحلة حياته الدنيا يؤمن حقيقةً بتلك الأسئلة فإنه سيجيب بلسانٍ ثابتٍ عن كل تلك الأسئلة؛ قال تعالى: (يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ).
أما الذي كان في إيمانه خلل، أو كان يكفر بأحد تلك الأسئلة أو جميعها فإنه سيجد نفسه عاجزاً عن الرد على شيءٍ من تلك الأسئلة، وقد ثبتت تلك المرحلة من الحياة البرزخية في العديد من النصوص النبوية الصحيحة، منها ما جاء من حديث أنس بن مالك -رضي الله عنه- أنّ رسولَ اللهِ -عليه الصّلاة والسّلام- قال: (إنّ العبدَ إذا وُضِعَ في قَبرِه، وتولى عنه أصحابَه، وإنه ليسمعُ قَرْعَ نعالِهم، أتاه ملكانِ، فَيُقعَدانِه فيقولانِ: ما كنتَ تقولُ في هذا الرجلِ، لمحمدٍ صلى الله عليه وسلم، فأما المؤمنُ فيقولُ: أشهدُ أنه عبدُ اللهِ ورسولُه، فَيُقالُ له: انظرْ إلى مقعدِكَ من النارِ، قد أبدلك اللهُ به مقعدًا من الجنةِ، فيراهما جميعًا. قال قَتادَةُ وذكر لنا: أنه يُفْسحُ في قبرِه، ثم رجع إلى حديثِ أنسٍ، قال: وأما المنافقُ والكافرُ فَيُقالُ له: ما كنتَ تقولُ في هذا الرجلِ؟ فيقولُ: لا أدري، كنتُ أقولُ ما يقولُ الناسُ، فَيُقالُ: لا دَريتَ ولا تَليتَ، ويُضْرَبُ بِمَطارِقَ من حديدٍ ضربةً، فيصيحُ صيحةً، يَسمعُها من يليِه غيرَ الثقلين).
بعد أن تنتهي مرحلة سؤال الملكين للميت بعد دخوله القبر فإن حياته البرزخية تنبني على ما يكون عليه عمله في الدنيا، ويُترجم إلى ثباتٍ عند سؤال الملكين له، أما المؤمن فبعد أن يُجيب عن أسئلتهما فإنه يُرى مقعده من الجنة، وكيف سيكون حاله بعد أن تنتهي حياة البرزخ والنعيم الذي سيصل إليه، حتى إنه يتمنى قيام الساعة ليبلغ تلك المنزلة ويتنعم بما رآه، وبعدها يتَّسع له قبره مدَّ بصره، ويتنعَّم فيه أيما نعيمٍ حتى وكأنه روضة من الجنة، أما الكافر والمنافق والعاصي فإن هؤلاء وأمثالهم بعد سؤال الملكين لهم يرون مقعدهم من النار وما ينتظرهم من العذاب وأصنافه وأشكاله، فيسألون الله أن يُطيل حياة البرزخ وألا تقوم الساعة، وبعد ذلك يُعذَّبون في القبر فيُضيَّق عليهم، ويذوقون من أصناف العذاب الأخرويّ ما أراده الله وقدّره لهم، حتى وكأن قبورهم حفرةٌ من حفر النار، ومن أصناف العذاب التي يتعذب من خلالها أهل هذه الفئة أن تُعرض عليهم منزلتهم في النار مرتين كلَّ يوم، قال تعالى: (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا).
أما عن كيفية عذاب القبر وهل أنه يقع على الروح والجسد، أم يقع على الجسد فقط أم على الروح فقط؟ فقد اختلف العلماء في ذلك على عدة آراء، وفيما يلي بيان ذلك:
يرى الإمام الغزاليّ وابن هُبيرة أنّ النعيم والعذاب في مرحلة الحياة البرزخية يقع على الروح فقط، فلا يشعر جسد الميت ولا يتأثر بذلك العذاب أو النعيم إطلاقاً، بل إنّ ذلك لا يتعدى كونه شعورٌ باللذة أو العذاب، وقد مثَّل أصحاب هذا الرأي لقولهم بالنائم يرى حلماً مزعجاً فيشعر بالعذاب والألم في حين أنّ جسده لا يتغيّر عليه شيءٌ أبداً، أو يرى حلماً مليئاً بالملذات فيتنعَّم ويسعد.
ذهب غالبية علماء أهل السنّة والجماعة إلى القول إنّ العذاب والنعيم في أثناء حياة البرزخ إنّما يقع على جسد الميت وروحه، فيتأثر الجسد بالعذاب، وتتألم الروح منه، أو يتأثر بالنعيم وتسعد الروح به، وهو بذلك كالحي المستيقظ في الدنيا يشعر بالعذاب ويتأثر به جسده، ويشعر بالنعيم ويتأثر به جسده إيجاباً.
يرى الإمام النّووي من علماء الشافعية أنّ النّعيم والعذاب في هذه المرحلة إنما يكون للجسد بعد أن تعود إليه الروح، سواء كان الجسد كاملاً، أو ناقصاً، كمن فقد أحد أعضائه قبل موته، أو مات بكارثة شتّتت جسده، كحريقٍ أو حادثٍ أو ما شابه ذلك.يرى الإمام ابن جريرٍ الطبري أنّ العذاب والنعيم في هذه المرحلة إنّما يكون على جسد الميّت فقط، حيث يرى أن الميت لا تُردّ إليه الروح، فيتأثر جسد الميت بعذاب القبر ونعيمه، ويشعر به كما لو كان حياً، دون أن تُردَّ روحه إليه.