المتسوّلون ومفارق الطُّرق
تاريخ النشر: 05/09/20 | 16:32 زهير دعيم
ما أجمل العطاء !
ما أجمل أن نُعطيَ من قلوبنا !
فالعطاء من القلب فيه لَذّة وله نكهة، ألَم تقل السّماء : ” مغبوطٌ هو العطاءٌ أكثر من الأخذ ” ؟
نعم وأكثر من نعم ، فجميل أن نُعطيَ ونقرضَ ونتحنّن ، فبمثل هذا العطاء – مهما كان صغيرًا- نجبر القلوب الكسيرة والخواطر الحزينة ، ونسدّ الرّمق ، ونكسو يتيمًا ونُطعم جائعًا كِسرة خبز ، ونلوّن حياة المساكين بلون قوس قزح ولو لفترةٍ ما.
على أنّ العطاء شيء والتسوّل الملحاح المدروس والمبرمج شيء آخَر..
فهناك من يستغلّ الضّمائر فيروح يعمل مُقاولًا في التسوّل ، فيأتي الى قرانا ومدننا بحافلة صغيرة تعجُّ بالأطفال والصّبايا ” فيبعثرهم” على الشّوارع ومفارق الطُّرقات والاشارات الضوئيّة والدّوارات تحت شمسنا الحارقة.
أمرّ من مفرق عبلّين – شفاعمرو ( النّاعمة ) وامرّ احيانًا من المدينة الجميلة سخنين قاصدًا مكانًا آخَر ، وسخنين لمن لا يعرف تمور بالحركة والحياة والسيّارات والدّوارات والمتسوّلين والمتسوّلات.فعلى كلّ دوّار – وما أكثرها في سخنين !- هناك متسوّل هنا ومتسوّلة هناك تبعد عنه أمتارًا ، متسوّلون من اولئك التابعين للمقاولين، فيروح الواحد أو الواحدة والذي يحمل جزدانًا كما جزدان السائح المربوط على الخصر ؛ يروح يتشبث ويتعلّق بنافذة السيّارة التي تسير الهوينا ويناشدك أن تكرم عليه ، وقد يكون معك نقود وقد لا يكون ، ثمّ من تعطي ومن لا تعطي والمتسوّلون كُثُر ؟!!!. ولكن بيت القصيد هو الخوف من أن يسقط هذا الطفل الصغير المُتعلّق بالنافذة ويقع تحت عجلات السيّارة فيُورّطك بورطة ومشكلة.
حقًّا ما عُدنا نعرف المحتاج من غير المحتاج ، وما عدنا نعرف مَن نعطي ومن لا نُعطي ، والغريب في الأمر أنّك قد تعطي أحدهم بعض الشواقل فيروح يرمقك بنظرة فيها الكثير من اللوم المُبطّن وكأنّي به يقول : بَسْ..فقط..
وتساءلتُ أكثر من مرّة لا من باب البخل وانّما من باب السّلامة ومن باب الشعور مع هؤلاء الأطفال المُستَغلّين، والذين يقضون جُلّ النهار تحت الشمس الحارقة….. تساءلْتُ أين الشُّرطة منهم؟
لماذا تُعطهم الحبل على الغارب وخاصّة أن بعض المتسوّلين في عمر الزّهور أو تكون صبيّة تحمل بلفافة من قماش طفلًا لا يتعدّى عمرة عشرة أشهر .. ناهيك على أنّ بعض المتسوّلين يتمتعون بصحّة وشباب كبيرين حيث بمقدورهم ان يلتجئوا الى العمل الشّريف والربح والعيش بكرامة وبعرق الجبين..
اعرف وأعي أنّ التسوّل أضحى عند هؤلاء حِرفةً ومهنة والخمول هو هو الدافع والمُحرِّك.
هيّا ننفض عنّا غُبار الكسل ، وهيّا نُشمّر عن سواعدنا ونعمل ، وعندئذ ، صدّقوني قد نجد هذه الظاهرة تحتضر وتختفي من تلقاء نفسها او تكاد، فالتسوّل – دون وجه حقّ – هو عادة سيئة، وقد تكون إرثًا غير طيّب .. وقد تضرّ بالمحتاجين والمعوزين الحقيقيين..