«بورتريه» الحب وتقلّبات الزمن
تاريخ النشر: 08/09/20 | 11:09حوا بطواش
بدأت قناة beIN drama بعرض حلقات المسلسل السوري «بورتريه»، من إنتاج إيمار الشام، كتابة تليد الخطيب وإخراج باسم السلكا.
المسلسل هو عمل درامي رومانسي اجتماعي تدور أحداثه بين زمنين مختلفين، ويبدأ بانفجار لا نعرف بالضبط ماذا أصاب وأحدث، ثم نسمع صوت حازم، الذي يؤدي دوره في المرحلة الثانية هافال حمدي، الشاب الذي نعرف أن بيته قد أصيب في الانفجار، وهو يروي قصة والديه من خلال مشهد رائع برأيي يلخّص المشكلة بينهما.
فيعود بنا المسلسل إلى الزمن الذي كان فيه حازم صبيا صغيرا ينتظر ابنة عمه زينة التي بمثابة أخته، وكانت فتاة في بداية مراهقتها، لتأخذه إلى المدرسة ثم إلى حديقة الألعاب. ويخرج الاثنان معا من البناية، فنرى من الجهة الأخرى امرأة تلبس الأحمر بكامل أناقتها وجمالها، تدخل إلى داخل البناية.
وبعد أن يعود الاثنان من الحديقة ويصلا إلى مدخل البناية، فجأة، تقع لوحات على الشارع من فوق البناية، واحدة تلو الأخرى، وتُسمع أصوات صراخ وصياح، ونرى المرأة التي بالأحمر تخرج من البناية وعلى وجهها إمارات القلق. وبعد هنيهة، تخرج وراءها من البناية إمرأة صارخة وهائجة، بفردة حذاء واحدة عالية الكعب في رجلها وشعر منفوش ووجه غاضب، وقد تجمّع الناس من حولهم يتأملون صامتين. فينادي عليها حازم قائلا: «ماما!»
تلتفت إليه المرأة الهائجة وتجثو على ركبتيها باكية وتحتضنه.
ثم يخرج رجل من البناية وهو يغلق زر قميصه ويتوجّه إلى المرأة الهائجة طالبا منها أن تدخل البيت كي لا يكونوا فرجة أمام الناس.
تقف المرأة على قدميها، تضحك هازئة، وتقول متوجّهة إلى الناس من حولهم: «قال صرنا فرجة قدامكن! لسا ما شفتوا الفرجة اللي أنا شفتها!»
إياد، الرجل الذي لا يريد أن يصبح فرجة أمام الناس، هو والد حازم، والذي يؤدي دوره أكثم حمادة، وهو ابن عائلة أبطال وشهداء، ذات حسب ونسب، رجل رقيق ولطيف، سكّير ونسونجي، لم يستطع أن يتابع تقليد عائلته الوطنية ولا أن يصبح في حياته أكثر من فنان تشكيلي، نفّذ رغبة أبيه بأن يتزوج إنقاذا له من حياة العدم والسُّكر والنساء، فتزوج من المرأة التي اختارته له العائلة، نوال، التي تؤدي دورها تولين البكري. وكانت نوال، كما يقول حازم بأنه سمع، إمرأة وديعة ولطيفة عند زواجها، لكنها تحوّلت إلى تلك المرأة الصارخة التي رأت أسوأ «الفرجات» من زوجها وشهدت على «تخبيصاته»، حيث يقيم علاقة عاطفية مع المرأة بالأحمر، رندة، التي تؤدي دورها مديحة كنيفاتي.
رندة، هي مذيعة ناجحة جاءت إلى المدينة هاربة من الريف ومن أبيها الظالم والمستبدّ، تعيش في شقة مع أختها سوسن، التي تؤدي دورها ريم زينو، ولها علاقة لا نعرف كنهها بالضبط، مع ضابط الأمن أيهم، الذي يؤدي دوره فادي صبيح، والذي يدّعي أنه يحبها ويلاحقها أينما ذهبت ويحاسبها على كل تحرّكاتها، بل ويهدّدها بمعرفته بعلاقتها بإياد، وكأنّ رندة هربت من استبداد أبيها إلى استبداد عاشقها.
وتستمرّ علاقة إياد ورندة، رغم التحذيرات والتهديدات، ورغم رغبتهما في إنهائها، ويستمرّ نكد نوال وصراخها، رغم استسلامها للأمر الواقع، ورغبتها بقطع ملاحقاتها لزوجها وبتجاهل علاقاته الأخرى كي يعيشا في أمن وسلام، سيما أنه لا يقصّر في واجباته تجاهها هي وابنهما حازم وتجاه بيته، حيث أنها تأكدت أن زوجها لن يغيّر من أطباعه، ولن يفعل إلا ما في ذهنه، مهما صرخت أو بكت وتعذبت. علاوة على ذلك، تقرر أن تنفّذ وعدها لحازم، في ذلك الوقت بالذات، بأن تنجب أخا أو أختا له.
المسلسل يرصد تقلّبات الزمن، وذلك التغيّر الهائل الذي تحدثه الأيام بالناس. ويتجسّد ذلك في علاقة الأختين رندة وسوسن التي تتعرّض لتحوّلٍ هائل يقلب حياتهما رأسا على عقب وتؤدي إلى اختفاء رندة من حياة إياد وعائلته.
ومما شدّ انتباهي من أداء الممثلين، تميّز حضور جلال شموط في المرحلة الأولى، حيث يؤدي دور مساعد الضابط أيهم، ويكاد لا ينطق بكلمة واحدة، لكن أداءه كان لافتا ومتميّزا كما حضوره بغرة شعره المنسدلة على جبينه، ونظرات عينيه المستطلعة بفضول، إذ أضفى أداؤه على الشخصية طرافة محبّبة، ليبدو على هيئة ذلك الشخص الغبيّ الذي يخدم معلمه ويفعل ما يقوله له فقط، يرى ولا يرى، ويسمع ولا ينطق بحرف إلا بأمر معلمه. لكن، لا شك لديّ أنه سينطق مع تقدم الحلقات ويكون له دور آخر أبعد من ذلك.
كما لفتت انتباهي نوار يوسف التي تؤدي دور زينة، ابنة عم حازم، والتي تأخذه إلى حديقة الألعاب عندما كان صبيا، فترى هناك شابا يلمّح إليها برغبته في محادثتها. زينة التي تفتقر إلى الأنوثة، تريد أن تتخلّص من حازم ليخلو لها الجو مع الشاب، لكن الاستياء يبدو عليها واضحا عندما تخفق في فعل ذلك. ولا أدري لماذا تذكرني نوار يوسف بشكران مرتجى، خاصة في دورها في المسلسل الشهير يوميات جميل وهناء. وفي مقابلة لها مع هشام حداد مؤخرا قالت شكران إنها تحسّ بالإخفاق بأنها لم تمثّل دور الحبيبة في أي عمل لأنه لم يُعرض عليها ولا مرة، وقالت في سخرية تمتزج بالاستياء: «حتى لو كنتُ طويلة القامة، ألا تعرف الطويلات كيف يحببن؟!»
لا أدري لماذا أحسّ كأن نوار يوسف ربما ستعاني من نفس المشكلة، رغم أنها ليست طويلة مثل شكران مرتجى. إنها ما تزال شابة، واعدة وموهوبة، لكن، يغلب على أدائها الحس الفكاهي الذي يفتقر إلى الأنوثة.
وأخيرا، لفت انتباهي تضاعف البحّة التي في صوت مديحة كنيفاتي، التي تمتلك صوتا جميلا ومعبّرا، لكن ماذا مع تلك البحّة التي تفقدها صوتها أحيانا كثيرة، خاصة في الطبقات الواطئة؟
«بورتريه» هو مسلسل دراميّ مشحون بالرومانسية، تدور أحداثه في إطار اجتماعي مشوّق، وتتطوّر بشكل مثير للاهتمام ليرصد علاقات الأجيال الشابة الشائكة على خلفية مشاكل وأحقاد عائلاتهم التي لم يكونوا على علم بها.