أسباب التقديم والتأخير لأسيادنا الصحابة من طرف سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم – معمر حبار
تاريخ النشر: 24/09/20 | 12:311. القارئ لسنّة سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقف على حقائق منها: منح أداء الأذان لسيّدنا بلال بن رباح رحمة الله عليه ورضوان الله عليه دون غيره. منح الراية، والقيادة العسكرية لسيّدنا خالد بن الوليد من أوّل يوم من إسلامه دون غيره. ومنح سيّدنا علي بن أبي طالب أن ينام في فراشه صلى الله عليه وسلّم ليلة الهجرة دون غيره. ومنح سيّدنا الصّديق صحبته في الهجرة دون غيره، ومنحه إمامة النّاس في حياته صلى الله عليه وسلّم دون غيره. والأمثلة في هذا المجال كثيرة عديدة لمن أراد أن يعود إليها وهي منشورة في كتب السيرة المختلفة.
2. السؤال هو: لماذا سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم يمنح لصحابي رضوان الله عليه أن يقوم بمهمة محدّدة دون غيره؟ ويمنح لنفس الصحابي الذي حرمه من مهمّة سابقة مهمّة أخرى ؟.
أوّلا: سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم يمنح قيادة الجيش لسيّدنا أسامة بن زيد وفيه كبار الصحابة وكبار القادة العسكريين:
3. فضّل صاحب الأسطر أن يبدأ مقاله بالمثال عن سيّدنا أسامة بن زيد رحمة الله عليه ورضوان الله عليه لأنّه تلقى 3 أسئلة كلّها تسيء لسيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، ولأسيادنا الصديق، وعمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب رحمة الله عليهم جميعا ورضوان الله عليهم جميعا. فكانت هذه الإجابة:
4. شاءت حكمة سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو رئيس الدولة، والقائد الأعلى للقوات المسلّحة أن يضع على رأس الجيش سيّدنا أسامة بن زيد وهو الشاب قليل التجربة على رأس كبار أسيادنا الصحابة وهم القادة العسكريون، والخلفاء الراشدون، والمبشّرون بالجنة، ويملكون التجربة، والدراية، والخبرة العسكرية التي تربوا عليها.
5. يعترف صاحب الأسطر أنّه لم يستطع استخراج الحكمة من وضع شاب لايملك التجربة على رأس كبار القادة العسكريين، وفي مواجهة أعظم قوّة عالمية يومها وهي الروم. ويعترف أنّه لم يرتح -لحدّ الآن- لأسباب تولية سيّدنا أسامة بن زيد على رأس كبار القادة العسكريين، والتي ذكرها أسيادنا أصحاب السير رحمة الله عليهم، ورضوان الله عليهم جميعا، ولذلك لم يأخذ بها -لحدّ الآن-.
6. بعد التحاق سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم بالرفيق الأعلى، طالب أسيادنا الصحابة، وقادة الجيش من سيّدنا الصديق رحمة الله عليه ورضوان الله عليه أن يعوّض سيّدنا أسامة بن زيد من قيادة الجيش باعتباره الشاب الذي لايملك التجربة، ولأنّه سيواجه أعظم قوّة وهي الروم، ولا قبل له بها. أجاب سيّدنا الصديق وهو يومئذ رئيس الدولة، والقائد الأعلى للقوات المسلّحة: لن أزيحه من قيادة الجيش، وسأثبته في قيادة الجيش من جديد، وما كان لي أن أخالف أمرا اتّخذه سيّدي، وقائدي رسول الله صلى الله عليه وسلّم. وقام شخصيا وهو الرئيس، والقائد الأعلى حافيا يحمل لجام الفرس الذي كان يعتليه سيّدنا أسامة بن زيد، وقام بتوديعه كقائد جيش، وعلى رأس أعظم القادة العسكريين، وكبار أسيادنا الصحابة.
7. وهنا تكمن عظمة سيّدنا الصديق حين ثبّت قيادة أسامة بن زيد على رأس الجيش. وحين امتنع أن يضع ابنه وهو القائد العسكري مكان سيّدنا أسامة بن زيد. وحين رفض أن يضع على رأس قيادة الجيش أحد أفراد أسرته. وحين رفض أن يضع على رأس الجيش أحبّ النّاس إليه وهم أسيادنا عمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب. وحين رفض أن يضع على رأس الجيش مستشاريه وهم أسيادنا عمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب. وحين حرم نفسه من قيادة الجيش بنفسه وهو رئيس الدولة، والقائد الأعلى للقوات المسلّحة.
8. كان سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم حين يخرج لغزوة يترك من ورائه من يخلفه في المدينة، ويقوم بتسيير شؤون الدولة في انتظار عودته صلى الله عليه وسلّم. إذن، لايعيب من أسيادنا الصحابة الذين شاركوا في الغزوات على من استخلفوا في المدينة. ولا يعيب على من بقي في المدينة يسيّر شؤونها بأمر سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم على من شارك في الغزوات مع سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم. مايعني أنّ المشاركة في الغزوة إلى جنب سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم هي نفسها في الفضل مع من أبقاه سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم خلفا له في المدينة.
9. أسيادنا الصّديق، وعمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب وغيرهم من الصحابة، وكبار القادة العسكريين قادرين على قيادة جيش من أيّ عدد، وتجاه أيّ عدو، ومهما كان عدده، وعتاده. وممّا لايليق بأسيادنا الصحابة، والخلفاء الراشدين الأربعة، وكبار القادة العسكريين اتّهامهم ظلما، وزروا بأنّهم “غير قادرين على قيادة جيش متجه للحرب؟ !”، وهم القادة، والعظام، والفاتحين رضوان الله عليهم جميعا.
10. كما أنّنا لانتهم أحدا من أسيادنا الصحابة، وكبار القادة العسكريين رضوان الله عليهم جميعا لأنّ سيّدنا رسول الله صلى الله عليهم وضع على رأسهم شابا قليل التجربة في ميدان الحرب، ولأنّ سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم لم يتّهم أيّ أحد منهم بأنّه “غير قادر على قيادة جيش متجه للحرب؟ !”، كذلك لايحقّ لأيّ كان أن يتّهم سيّدنا علي بن أبي طالب رضوان الله عليه بأنّه “غير قادر على قيادة جيش متجه للحرب؟ !” لأنّه استخلفه في المدينة، ولم يمنحه قيادة الجيش، وهو القائد العسكري صاحب الخبرة، والتجربة في ميدان الحروب.
ثانيا: الأذان، وأسيادنا بلال بن رباح وخالد بن الوليد
11. حين جاء سيّدنا عبد الله بن زيد رحمة الله عليه ورضوان الله عليه يخبر سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم أنّه رأى أحدّا يلقّنه الأذان في المنام. أمر سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم سيّدنا بلال بن رباح رحمة الله عليه ورضوان الله عليه أن يأخذ كلمات الأذان من سيّدنا عبد الله بن زيد ويؤذّن لأنّه أندى صوتا من سيّدنا عبد الله بن زيد.
12. قدّم سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم صاحب الصوت الندي على من رأى المنام لأنّ الأذان يتطلب صاحب صوت، وليس صاحب منام الذي لايملك الصوت الندي.
13. حين أسلم سيّدنا خالد بن الوليد رحمة الله عليه ورضوان الله عليه سلّمه سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم ومن اليوم الأوّل الراية، وقيادة الجيش، ولقب سيف الله المسلول، وهو من الأواخر الذين أسلموا أي بعد صلح الحديبية. ولم يمنح سيّدنا بلال بن رباح الراية، وقيادة الجيش وهو مؤذّن سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، ومن الأوائل الذين أسلموا، وتعرّض لأبشع أنواع التعذيب من قريش. والسبب -في تقديري- أنّ قيادة الجيش ليست للذي أندى منه صوتا كسيّدنا بلال بن رباح بل للفاتح، والقائد العسكري كسيّدنا خالد بن الوليد رضوان الله عليهم جميعا.
14. أمر سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم سيّدنا بلال بن رباح في فتح مكة أن يركب فوق الكعبة ويؤذن على مسامع الجميع، وفيهم القادة العظام الذين فتحوا مكة. والسّبب -في تقديري- أنّ الأذان يحتاج لصوت ندي، ولا يحتاج لقائد عسكري فقدّم صاحب الصوت على القائد العسكري.
ثالثا: دروس وعبر:
15. لايوجد صاحب فضل مطلق يقدّم في كلّ الحالات باستثناء سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم. وما عداه من أسيادنا الصحابة، وأسيادنا آل البيت، وغيرهم من الأفاضل.
16. يبقى صاحب الفضل في عنصر أو عنصرين أو عشرة. ويبقى يفتقر للفضل في عنصر أو عنصرين أو عشرة، مايستوجب تقديمه في ما فضّل فيه، وتأخيره في ما لم يفضّل فيه.
17. من الإنصاف أن يعرف حقّ الفضل لصاحبه فيما تفوّق فيه، وتميّز.
18. ومن الإنصاف أن يعرف من افتقر للفضل، والتفوّق في عنصر فيتدارك حينئذ النقص الذي اعتراه، ويبذل الجهد ليرفع من مستواه فيما ينقصه، فيكون الفاضل فيما كان ينقصه، ويقدّم لأنّه أصبح المتمكّن، والمتميّز.
19. تكمن القاعدة في كون أّنّ بعضا من أسيادنا الصحابة الذين شاركوا في الغزوات سبق لهم أن استخلفهم سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم. وبعض أسيادنا الصحابة الذين استخلفهم سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم سبق لهم أن شاركوا في الغزوات مع سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم. إذن، لايوجد أبدا -أقول أبدا- أنّ صحابيا أفضل الجميع لأنّ سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم استخلفه في المدينة، والسبب أنّ سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم سبق له أن استخلف غيره، وفي عدّة مناسبات. فالاستخلاف كالمشاركة في الغزوات يستويان في الفضل حين يكون الأمر من سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، ولا فضل حينئذ لأحد على الآخر.
20. هذه القاعدة تطّبق في جميع الحالات، والمسؤوليات، والرتب، والوظائف. وأعترف أنّي في هذا المقام آخذ من الأستاذ مالك بن نبي رحمة الله عليه وهو يشيد في كتاباته خاصّة في كتابه “مشكلة الأفكار في العالم الإسلامي” بـ “الأفكار الفاعلة”، وأنّ الفكرة الفاعلة مقدّمة على الفكرة الصحيحة، والفكرة الصالحة.
—
الشلف – الجزائر
معمر حبار