ومضة من آداب طلب العلم
تاريخ النشر: 27/04/14 | 9:21الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد:
لقد أولى الإسلام اهتمامًا كبيرًا بتربية الأجيال، وتنشئتهم على أحسن الأخلاق وأفضلها، فأمة الإسلام هي خير أمة أخرجت للناس ما تمسكت بأخلاق نبيها، واقتد بهديه، واقتفت سيرته وأثره، واطاعت أوامره، وانتهت عما نهى عنه. فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ” إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الْأَخْلَاقِ ” (السنن الكبرى للبيهقي 10/ 323). وهذه عائشة – رضى الله عنها- تقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم» (سنن أبي داود 4/ 252).
وأولى من ينبغي أن يتخلق بمكارم الأخلاق وأرفعها، ويجتنب أفحش الخلق وأسوئه، هو طالب العلم. كيف لا وهو من بسطت إليه الملائكة أجنحتها رضىً لما يطلبه، كيف لا وهو من تستغفر له الحيتان في المحيطات، كيف لا وهو أحد ورثة الأنبياء، ففي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “إن العلماء هم ورثة الأنبياء، إن الأنبياء لم يورثوا دينارًا ولا درهمًا، إنما ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر” (سنن ابن ماجه 1/ 151).
ولا يبلغ طالب العلم هذه الدرجة العالية والمنزلة الرفيعة إلا إذا اتصف بالتواضع، وتأدب في قوله وفعله، وسيره وجلوسه، واتخذ الصبر له سلاحًا، والتأني صاحبًا، الرفق خِدنًا، والفراغ غنيمةً، والصدق مركبًا، وكان للأمانة حافظًا، وللعلم ناشرًا، ولطّلابه منافسًا، ولسمعه وبصره وفؤاده حافظًا، وعلى استثمار الوقت حريصًا، وفي الدنيا زاهدًا، وعلى الآخرة مقبلًا.
فينبغي على طالب العلم أن يرعى الأدب في جميع أحواله، فيتأدب مع ربه ونبيه ووالديه وإخوته وأقاربه وجيرانه وزملائه ومعلميه، والناس أجمعين؛ صغيرهم وكبيرهم، ذكرهم وأنثاهم.
ويكون الأدب مع الله في التذلل في عبادته والاعتراف له سبحانه بفضله، والرضا بقضائه. ويكون الأدب مع النبي صلى الله عليه وسلم باتباع أوامره والاقتداء بهديه وتأصيل محبته وكثرة الصلاة عليه، وتوقيره وتعظيمه، ومحبة آل بيته.
أما التأدب مع الوالدين فيكون بالامتثال لأوامرهما، والصبر على متطلباتهما، والتواضع والتلطف في معاملتهما، وصحبتهما بالمعروف، وإيوائهما وخدمتهما عند الكبر، والإنفاق عليهما عند الحاجة، والدعاء والاستغفار لهما في حياتهما وبعد الممات.
أما التأدب مع الناس فيكون ببدئهم بالسلام وإظهار الحب والاحترام لهم، والاصلاح بينهم، والتواضع لهم، ومساعدة المحتاج منهم، وعدم التكلم عنهم بما يسوؤهم، وحسن الظن بهم، وغيرها من أبواب الأدب الكثيرة.
ولأهمية هذا الموضوع فإن عمل المربين في المراكز القرآنية في مؤسسة حراء قائم على بث روح التربية وبث هذا الآداب العظيمة في نفوس الأجيال من خلال البرامج والمناهج لمختلف الأجيال، صغارًا وكبارًا، ذكورًا وإناثًا.