مالك بن نبي كما يراه صديقنا حسين بوبيدي – معمر حبار
تاريخ النشر: 29/11/20 | 7:251. وعدت صديقنا حسين بوبيدي بتاريخ: 13 نوفمبر 2020، أن أقرأ مقاله بعنوان: “سننية التاريخ في فكر مالك بن نبي من التأصيل النظري إلى البرهان التطبيقي”، المنشور عبر مرصد ومدونات عمران ، وبتاريخ: 10 أكتوبر 2020. ووفّى الصديق بوعده. ويكفي أنّي أخّرت قراءة المقال الذي وضعه صديقنا مولود عويمر تحت تصرفي لأجل التفرّغ لقراءة مقال صديقنا حسين حين قلت له: “كلّ الشكر، والتقدير، والاحترام للأستاذ مولود عويمر على تلبية طلبنا، سائلين المولى أن تكون صدقة جارية له ولمن يحبّه. ونعده بقراءة المقال بعدما ننهي قراءة دراسة صديقنا حسين بوبيدي حول مالك بن نبي. ونجمّد ردّنا على من شتم الأستاذ مالك بن نبي ووصفه بأبشع الأوصاف، واتّهمه في دينه، وعقيدته، ونظرته لأسيادنا الصحابة”. وكانت هذه القراءة السّريعة.
2. أقول: من الأخطاء الشائعة حصر الحضارة عند الأستاذ مالك بن نبي رحمة الله عليه في الإنسان، والوقت، والتراب والاكتفاء بها وكأنّه لايوجد غيرها. وما يجب قوله أنّ الأستاذ مالك بن نبي رحمة الله عليه أضاف لتعريف الحضارة المعادلة الكيميائية، وعنصر الدين، والأخلاق، وكيفية الأخذ والرد، وطريقة التعامل مع الحضارات الأخرى، والبعد عن الذرية أي تجزئة المشاكل، ومواجهة القابلية للاستدمار، والفاعلية .
3. أعجبتني كثيرا مسألة الثلاثيات التي نقلتها عن مالك بن نبي ، وقمت بترتيبها. وكانت في غاية الجمال، والدقة، والأمانة، والتلخيص، والعمق. وسيعيد صياغتها صاحب الأسطر على شكل معادلات رياضية، وهي:
4. الحضارة= الإنسان+ التراب+ الوقت. والصيرورة =الروح+ العقل+ الغريزة. والعوالم المسيطرة = عالم الأفكار+ عالم الأشخاص+ عالم الأشياء. والّلحظات التاريخية = لحظة غار حراء+ لحظة صفين+ لحظة مابعد الموحدين.
5. جاء في المقال: سيّدنا الصديق بالاسم دون رضي الله عنه. وبعده بـ11 سطر جاء ذكر سيّدنا عثمان بن عفان برضي الله عنه. يتساءل القارئ المتتبّع: هل المنح، والمنع خطأ مطبعي؟ أم موقف شخصي من صديقنا حسين نحترمه، ولا نتدخل فيه وإن كنّا لانرى رأيه.
6. لاأعتقد أنّ المشكلة أثناء معركة صفين، ومقتل سيّدنا عثمان بن عفان تعود لأسباب سياسية كما جاء في المقال. ويكفي أنّ أسيادنا الخلفاء الراشدين رحمة الله عليهم، ورضوان الله عليهم جميعا كانوا يمارسون السياسة. إذن المسألة -في تقديري- في كيفية التعامل مع السياسة التي تحوّلت منذ معركة صفين من شورى إلى حكم الفرد. وقد أبدع صاحب المقال في عرض هذه النقطة، وكان موفّقا جدّا.
7. أعجبني كثيرا تساؤل صاحب المقال عن فكرة مابعد الموحدين. وهل هي فعلا نقطة انطلاق للتخلف كما ذهب إلى ذلك مالك بن نبي أم لا؟ ويستحق لأجل التساؤل كلّ الشكر، والتقدير.
8. فيما يخص إجابة صاحب المقال عن السؤال الأوّل المتعلّق بالدورة الحضارية، أضيف: يترك مالك بن نبي في منحنى الحضارة الذي رسمه في أحد كتبه -لا يحضرني الآن- مسافة صغيرة يمكن للأمّة أن تنطلق من جديد عبر جملة من العناصر ومنها الفاعلية. ولا أعتقد أنّه يحصرها فقط في العمل الإصلاحي كما جاء في المقال. وكم تمنيت من صديقنا حسين أن لايحصر الانطلاق من جديد نحو الحضارة في العمل الإصلاحي فقط. وكان بإمكانه أن يقول -مثلا-: في العمل الإصلاحي وغيره من العناصر.
9. صدق صاحب المقال حين قال أنّ مالك بن نبي كان جريئا حين تطرّق لموقعة صفين بتلك الطريقة. وأضيف: وكان شجاعا، وأمينا، وصادقا. وأقف معهما في هذه النقطة.
10. هناك نقاط تحتاج -في تقديري- لبعض الشرح حتّى نزيل بعض اللّبس، وهي: أوافق صاحب المقال في كون مالك بن نبي لم يكن يقصد بالفكرة الدينية الإسلام دون غيره. وكان يقصد كلّ فكرة روحية بمقدورها بعث الأمّة، والحضارة من جديد وليس بالضرورة الإسلام.
11. لايعترف مالك بن نبي إلاّ بالفكرة الفاعلة أي الفكرة الروحية التي تساهم في بناء الحضارة. فوجب إذن التفريق بين فكرة روحية بغضّ النظر عن موطنها ودينها، وأصحابها لكنّها فاعلة وتساهم في بناء الحضارة ولو لم تكن فكرة إسلامية من جهة. ومن جهة ثانية فكرة روحية تساهم في تقهقر، وتدهور الحضارة وهذه مرفوضة، وغير معنية في بناء الحضارات، ولو كانت فكرة روحية إسلامية.
12. اختار مالك بن نبي المجتمع الإسلامي للدراسة، والبحث عن قصد بغية دفعه للحضارة، وإبعاده عن التدهور والتخلّف. بالإضافة طبعا إلى المجتمعات الغربية قصد المقارنة، والاستفادة، والابتعاد عن بعض مساوئها.
13. خلاصة، لم يفرّق مالك بن نبي بين الفكرة الروحية كعامل من عوامل الحضارة، لكنّه فرّق بين الفكرة الروحية الفاعلة في بناء الحضارة، والفكرة الروحية السيّئة في تدهور الحضارات.
14. اختيار مالك بن نبي للمجتمع الإسلامي للدراسة لم يكن صدفة، إنّما كان عن قصد، ووعي، وسعي، وتجربة، ومسؤولية، ورجاء، وإيمان بالإضافة إلى المجتمعات الغربية حين تستدعي المقارنة، والأخذ، والرد، والعبرة منها.