عن تجربة القص السردي لدى الكاتب الفلسطيني رياض بيدس
تاريخ النشر: 07/12/20 | 10:32بقلم : شاكر فريد حسن
ينتمي القاص والروائي الفلسطيني/ الشفاعمري رياض بيدس إلى جيل أواسط السبعينات. ولج عالم القصة بعد أن تسلح بالأدبين العربي والعالمي، خصوصًا الأدب الواقعي الثوري التقدمي، فضلًا عن اطلاعه الواسع على الأدب السردي القصصي الفلسطيني والاستفادة من تجارب الروائيين وكتاب الفلسطينيين والعرب، حقق حضورًا لافتًا في المشهد والوسط الثقافي الفلسطيني وحتى العربي، وعرف بغزارة الانتاج مع الحرص على النوعية والمستوى.
رياض بيدس من مواليد مدينة شفاعمرو في الجليل العام 1960، أنهى تعليمه الابتدائي والثانوي فيها، ثم التحق بجامعة حيفا ودرس الآداب والفلسفة وتاريخ الفنون.
زاول بيدس كتابة القصة القصيرة والرواية بالإضافة للمقالة والنقد، ونشر كتاباته ونتاجه القصصي في صحف ومجلات الحزب الشيوعي والدوريات الثقافية الفلسطينية والعربية.
صدر له في مجال الرواية : “الهامشي” و”رباط بوط”.
أما في القصة فصدر له: ” الجوع والجبل، المسلك، الريح، تخطيطات أولية، صوت خافت، الصغير، شباك فان كوخ الأصفر، حكاية الديك الفصيح، السقف، والمحو”.
يغترف رياض بيدس معظم مواضيع ومضامين قصصه من واقعنا المعاش بكل تفصيلاته الدقيقة، عاكسًا ومصورًا معاناتنا وهمومنا العامة وتطلعاتنا القادمة. وتدور محاور قصصه حول الفقر والجوع، والأرض والهوية والانتماء، ومعارك الصمود والبقاء في الوطن والدفاع عن الأرض ومواجهة غول واخطبوط المصادرة، وهموم الناس الفقراء والبسطاء، وقضايا المثقفين والمشاكل التي تواجههم. وهو يطرح موضوعتي الأرض والانتماء، ويعبر عنهما بأجمل وصف وأبهى صورة ممكنة، بأسلوب قصصي فني خلاب ورائع.
وفي مجمل قصصه يعالج رياض بيدس بنظرة واعية واقعنا الاجتماعي والسياسي المعاش، منتقدًا الظواهر السلبية، ومجسدًا حياتنا اليومية الحاضرة، بكل مشاكلها وهمومها الملحة، بدقة ومهارة فائقة، ممتلكًا أدواته القصصية الفنية.
رياض بيدس يعرف كيف يختار شخوصه، وكيف يختصر الأحداث التي تثقل على القارئ، ويعرف كيف يتصيد الحوار المناسب والالتفاتات النفسية، وكيف يسخر حين يحلو وتتاح له السخرية، وكيف يؤلف صوره عن مجتمعه، ويؤرخ لشعبه بآلامه وأحزانه وآماله العريضة، وما تنطوي عليه نفوس الناس من خميرة طيبة متفائلة تدعو إلى حب الإنسان الكادح المسحوق الفقير، وحب الخير.
ويتسم نتاجه القصصي بوحدة فنية كاملة يستطيع القارئ الذكي والبارع رصدها منذ بداية نمو الحدث وحتى اتمام نضجه.
والوحدة الفنية تعني الفكرة ووحدة المواقف والقيم والشخصيات والتفاصيل التي تكون الحدث. ويحاول أن تكون حبكته أشبه بحياة بسيطة تنساب انسيابًا من تلقاء نفسها مع عدم إهمال الدقة التي تزيد التجربة الفنية صدقًا وعمقًا وواقعية. فالحبكة المتقنة لديه بما تحوي من مواقف عادية وأبطال عاديين يحيون حياة عادية بسيطة ويتصرفون تصرفات عادية، تتصف بطابع من الصلابة الفنية والنضج الفني الذي يوضح لنا الأطوار التي مرت بها تجربته لكي تصبح على هذه الدرجة من النضج والثراء الإبداعي الفني.
ويمكننا أن نقرر أن أهم ملامح ومميزات قصص رياض بيدس، هي مضامينها ومحاورها الواقعية، وقدرته على السرد والوصف وبناء الأحداث والشخصيات، وابتعاده عن الترهل السردي، واعتماد الجمل المكثفة والكلمات الموحية والتشبيهات الفاتنة، والمهارة في رسم الأحداث وتطوراتها وإدارة الحوارات والمونولوجات الداخلية التي تسبر أعماق أبطاله وشخصياته، وسلاسة اللغة البعيدة عن الهواجس، وتعترف بالقلق العميق الذي يشوش إنساننا المعاصر.
وفي الإجمال، رياض بيدس قاص مهموم ومسكون بقضايا شعبه ومجتمعه، وقد نجح بخلق حالة من التفاعل والانسجام بين قصصه والقارئ، وهي قصص واقعية ببساطتها مستوحاة من الواقع المعاش ومن تفاصيل الحياة اليومية، في ظل واقع مرير، واقع القهر والفقر والظلم والتمييز والاضطهاد القومي، وجاءت في أنساق لغوية تصويرية نابضة بالحيوية، ومشحونة بالألم والوجع والحلم، برؤيا مختلفة، وهو منحاز لبسطاء الشعب وللقضايا الإنسانية والهموم الفلسطينية، وينتصر للقيم الجمالية والأخلاقية الحقيقية في مجتمع غابت عنه قيمة الإنسان.