حوار مع الكاتبة والأديبة المعلمة الفلسطينية رحاب يوسف
تاريخ النشر: 12/12/20 | 13:57أجراه: شاكر فريد حسن
كان لي هذا الحوار مع الكاتبة الفلسطينية رحاب يوسف حول تجربتها الأدبية ومسائل ثقافية أخرى
*من هي رحاب يوسف ؟
رحاب هي كاتبة ومعلمة اللغة العربية، ابنة قرية رامين قضاء طولكرم، درست اللغة وآدابها في جامعة النجاح الوطنية، بناءً على رغبة والدي الذي كان شغوفا بالشعر والزجل ومتابعة نشرات الأخبار. كان يؤلف أشعار العتابا والميجانا والشّروقي والمربعات والمخمسات والزجل، وهي قصائد شعبية الحادي والزجّال. وهو أب فلاح شجاع صّلب كريم عصاميّ عبقريّ الأبوّة، يرسم خريطة حياتنا بذكاء، وقد اختار تخصصاتنا أنا وأخوتي وأخواتي جميعًا، فوضع كل شخص في مكانه المناسب ، وتربيت أيضا على يد أم صابرة صالحة متدينة ومثقفة بالفطرة، يعتبرها أهل قريتي من المقدسات لسمُوّ خُلُقِها، وقفتْ إلى جانب والدي – رحمه الله – في كل الظروف , أمي تحب البيت، وأنا مثلها بيتيّة، ولو خرجنا أنا وأمي في شوارع قريتنا لاحتجنا مَنْ يَدلّنا ويعرّفنا الأماكن والطرق لأننا بيْتيتان بامتياز، نشأت في بيئة متشبعة بالإنسانية والأخلاق العالية بيئة نشِطة بالعمل والمسؤولية، في بيت يضج بالحياة والأحلام. علاقتي بأمي علاقة طفل رضيع بأمه، لا أتخيل حياتي بدونها يومًا، أقترب من أنفاسها في جوف الليل وأتفقدها لأطمئن هل مازالت على قيد الحياة ، طلبت من الله مرة أن نموت أنا وأمي في ذات اللحظة ونُكفن نفس الكفن ويُلحدّنا نفس اللحد. اللافت كنت وما زلت أميل إلى الصمت والهدوء، كنت أختار ركنًا خاصًا بي في بيتنا الكبير القديم المليء بالأشجار، فأقضي ساعات طويلة في التدبر والتأمل والقراءة والكتابة. ورثت هذه الصفة عن والدي – رحمه الله – كان لا يحب الحديث كثيرًا.
*كيف ومتى بدأت بالكتابة، وماذا تعني الكتابة لك ؟
كانت الأحداث تسوقني إلى الكتابة سوقًا، لكن كيف السبيل إلى ذلك ؟ وكيف لي أن أمضي في هذا الطريق الوعر وأنا أحمل على كتفي ثِقل إرث عائلتي الديني والعلمي والأخلاقي، والكتابة تتطلب عدم مجاملة أحد. فكان لا بد من خطوتين : الأولى الانتقال من مدرسة قريتي إلى مكان آخر، والثانية : أكتفي باسمي واسم والدي على أغلفة الكتب، حتى لا تتعارض أفكاري واسم عائلتي، مع أنها الأفكار مَفخرة ومُشرّفة، ثم امتشقت قلمي وبدأت بإصدار كتاب تلو كتاب منذ شهر أكتوبر 2018، وهكذا كانت البداية .
ماذا تعني الكتابة لكِ؟
الكتابة تعني لي ملاذًا من الآلام والعذابات بسبب إحساسي المرهف الحريري الناعم تجاه ما يحيط بنا من أحداث، وهي البحر الذي أغرق فيه لأنجو بنفسي وأُنجي معي من أخشى عليهم من المصير نفسه . أحيانا أتمنى أن أنام ولا أصحو , بسبب ألم الإدراك والوعي الكبير في عقلي , والمتوجس ممّا تخبيه الأيام للأجيال القادمة , عندما سئل الكاتب الروسي ديستوفسكي : كيف يصبح المرء كاتبًا ؟ أجاب : ” أن يتعذب ..أن يتعذب .. أن يتعذب ” وأنا ككاتبة أشفق عليه كثيرًا، لأنني أعرف ما يعنيه، فعلى الكاتب أن يعيش الحياة بإنسانية، أن يتجرع مُرّها وعذابها مِرارًا وتِكرارًا، فيشعر بغيره من المعذبين فتتحدُ آلامُهم وتكون مِدادًا لقلمه .
*من كان له النصيب الأوفر في التأثير على تجربتك الأدبية خلال مشوارك الإبداعي ؟
أنا مدينة لأستاذي الكبير مشرف اللغة العربية الشاعر أشْجع دُريْدي، أول شخص وثق بقلمي فأطلق عنانه ، فضلًا عن دعمك أستاذي شاكر فريد حسن.
أما الشخصيات الأدبية التي تأثرت بها فهي : ابن القيم الجوزية ، وشمس التبريزي، وجلال الدين الرومي، والإمام الشافعي، والكاتب الروسي تولستوي ، والكاتب الروسي دوستويفسكي ، والكاتب والمفكر الأمريكي عالم اللسانيات نعوم تشومسكي، والروائية التركية إليف شافاق، ومن الأدباء العرب : جبران خليل جبران، ومحمود مصطفى، والرافعي، وحديثا بدأت أحب قراءة شعر ابن الرومي.
*حدّثينا عن إصداراتك، وماهي الموضوعات التي تتناولينها في كتاباتك ؟
أصدرت بفضل الله – تعالى – ثلاثة كتب، وهي : ( آمن بذاتك )، ( حديث المساء )، ( داخل الغرف المغلقة )، وجميعها قطعة من القلب ولا أفرق. أتناول في كتبي التي كتبتها بدم القلب والروح موضوعات تربوية وتعليمية واجتماعية على شكل خواطر وجدانية وسردية بأسلوب أدبي بديع كامل متكامل يشد القارئ، فلا يفلت من يديه حتى ينتهي ويعيد قراءته مرات كثيرة.
وللغة دور أساسيّ في صناعة نصوصي، فأنا أمسك بزمامها جيدًا، فهي متدفقة بفضل الله، كما أجمع النقاد والنخبة المثقفة، ولدي خبرة في توظيفها توظيفًا يتناسب مع أي موضوع أطرحه، فأضع كل كلمة في مكانها الملائم لها، بل كلّ حرف، وأعزف على الحروف ببراعة أحملها مالا تحتمل، صانعة أجمل سيمفونية، أسقطها في أذن القارئ ضمن مفاهيم وقيم ومعارف، دون تعقيد أو تكلف، بعيدة عن وحشي الكلام وغريبه، حتى لأشعر بأنها تتعلق بعناق بعضها البعض، تآلفًا وانسجامًا، فما أن آخذ قلمي بين يدي حتى يشرع بمداعبة حروفي المتدفقة، يصيغها لبنة لبنة، بتسلسل أدبي بديع، ومعنى عميق، وأسلوب رشيق، حتى أصنع نصًا إبداعيًا كاملًا متكاملًا.
*كتاباتك فيها جمال وابتكارات مجازية , من أين يتأتى لك كل هذا, من صدق التجربة أم من شحنات الروح ؟
من كليهما : صدق التجربة وشحنات الروح , وأسلوبي في الكتابة مزيج بين الغرب والشرق , اطلعت على الأدب الغربي , فوجدته بكل صراحة شاهقا , لذا أريد أن أصنع أدبا فخما كالقصور , لا أدبا كالأخواخ , أدبا يعيش مع الزمن , خالدا في ذاكرة الأجيال .
*ماهي آخر قراءاتك ؟
الآن أقرأ رواية ” في قبوي ” للكاتب الروائي الروسي العبقري دوستويفسكي العبقري بكل ما تعنيه الكلمة من معنى.
*أي من الشخصيات العربية في المجال الثقافي هي الأقرب إليك ؟
الأقرب إلي من الشخصيات الأدبية العربية : الأديب جبران خليل جبران، والكاتب مصطفى محمود.
*هل أنت راضية عن نفسك ؟
الحمد لله رب العالمين، نعم راضية ، يستطيع القارئ أن يفتح كتبي ويغرف منها ما شاء : لغة، ومعرفة، وثقافة، وحكمة، ودواء على الرغم من صغر حجمها، ولا عيب في ذلك، فالخير دائمًا في القليل، يقول سبحانه وتعالى :” وقليل من الآخرين ” فالمسألة ليست بالكثرة أو بالحجم . لكنني سأظل أكتب حتى أتعب من الكتابة .
*حدثينا عن مشاريعك الأدبية القادمة ؟
بين يديّ عملان : الأول تأملات في اللغة والأدب، وسيصدر قريبًا إن شاء الله، والثاني مجموعة قصصية .
*ماهي الكلمة الأخيرة التي توجهينها للقراء ؟
كلمتي للقارئ ، فلتفغر لي أيها القارئ زلاتي – إن كانت هناك زلات – فأنا في سباق مع الزمن، ألا تسمع صوت ضَرَبات قلبي، ولُهاثي بين السطور، أجري بأقصى سرعتي إلى أعماق نفسك، لأضيء ما انطفأ، أرمم ما اهترأ بكلمات ومفردات تلامس داخلك، وأقول له : اقرأ الكتب التي تكون مُؤشرك وبوصلتك في ظلمات أحداث الحياة، التي تنهض بمعنوياتك، وتنتشلها، وتصعد بها إلى أعالٍ ومعالٍ لتصبح هامة، وقامة، متحصنة نفسيًا، وأخلاقيًا ودينيًا، لا يحطمها الوهم والوهن، والتي تنعش ثقافتك، وذائقتك اللغوية، وابتعد عن الكتب المليئة بالثرثرة والمفرغة من أي مضمون وفائدة، والعبرة ليست بتكديس المعلومات، فلو قرأت سطرًا أو صفحة كل يوم غنية ثرية مرشدة مُداوية أفضل من تكديس المعلومات دون أن يمضغها ويهضمها عقلك، والأهم من ذلك كله لو قرأت كل ما في دور الكتب دون أن تقرأ القرآن الكريم كأنك لم تقرأ شيئًا.