ملامح من سيرة الشاعر مؤيّد إبراهيم الإيراني ونماذج من شعره
تاريخ النشر: 20/12/20 | 15:40بقلم: شاكر فريد حسن
المرحوم مؤيّد إبراهيم شاعر عريق ينتمي لجيل عمالقة الشعر الفلسطيني، أمثال إبراهيم طوقان وعبد الكريم الكرمي وعبد الرحيم محمود وبرهان العبوشي وحسن البحيري ومعين بسيسو وسواهم، لكنه لم يشتهر ولم يحظ بالاهتمام النقدي والبحثي والدراسة مثلهم، وذلك لأنه كان محايدًا بعيدًا عن السياسة والكفاح.
ولد مؤيّد إبراهيم في عكا سنة 1910 لعائلة من أصول وجذور ايرانية، تلقى علومه في عكا ثم انتقل مع والديه إلى عروس الكرمل حيفا، وفيها التحق بكلية الفرير وتخرج منها، بعدها عمل موظفًا ومحاسبًا في بلدية حيفا مدة 46 لحين تقاعده سنة 1975. وأشغل رئيسًا لقسم الثقافة العربية في المجلس الشعبي للآداب والفنون، وساهم في خدمة مجتمعه العربي في ميادين مختلفة، وحاز على مواطنة شرف مدينة حيفا، تقديرًا لخدماته وأعماله على المستوى الاجتماعي والأدبي والإنساني.
عاش في فرنسا فترة من الزمن، وفي العام 1983 هاجر للولايات المتحدة، عاد بعدها إلى البلاد، وفي العاشر من شهر كانون الثاني 1987 وافته المنية، بعد حياة عريضة حافلة بالعطاء والإبداع والعمل الاجتماعي.
نشر مؤيّد إبراهيم كتاباته ونصوصه الشعرية في الصحافة الفلسطينية والعربية، منها مجلة الفجر والجامعة الإسلامية وفلسطين والدفاع في يافا، والكرمل والنفير في حيفا، والبلاغ الأسبوعي والسياسة الأسبوعية في القاهرة، وفي حقيقة الامر واليوم والهدف والرابطة ولقاء والانباء وآفاق والشرق وغيرها.
وإلى جانب الشعر اهتم مؤيّد إبراهيم بالترجمة، وقام بتعريب الكثير من الأعمال الشعرية والقصصية من الأدب العالمي، إذ أنه كان يتقن بالإضافة للعربية والفارسية عدة لغات منها العبرية والإنجليزية والفرنسية والألمانية والروسية.
ومن أهم ترجماته الشاهنامة للفردوسي وأزهار الشر لبودلير وقصائد للشاعر الهندي طاغور.
من إصداراته ومؤلفاته: الدموع، مجنون ليلى، من الأعماق، إلى الآفاق، نشيد انشاد السلام، والشاهنامة لأبي القاسم الفردوسي ( تعريب).
تنوعت مضامين وعناوين وأغراض مؤيّد الشعرية، وتراوحت بين الرومانسية والوجدانية التأملية، ولكن ظلت النزعة الرومانسية هي الميزة الأكثر طغيانًا وحضورًا عنده.
وفي كثير من المواقف والمشاعر يصدر مؤيّد إبراهيم عن صدق داخلي أصيل، وشاعرية حقة وخصبة، وانفعال عنيف متدفق، محاولًا أن ينقلنا من الخاص إلى العام، من التجربة الفردية إلى التجربة الإنسانية، وإن كان في بعض المواقع الأخرى يتركنا داخل إطار فردي مغلق، ولكنه في كلا الحالين، نجح في شحن كلماته بالإيحاءات والدلالات وزود القارئ والمتلقي بتجربة وخبرة إضافية في الحياة.
والمواضيع الدينية من الخصائص المهمة التي تتسم بها أشعار مؤيّد إبراهيم، ونجد أصداء غير قليلة لها في عدد كبير من قصائده، لا سيما قصيدته الإلهية ” مجنون ليلى”، التي كان يرى فيها أهم إنتاج في حياته وتجربته الشعرية.
ففيها يكشف لنا ملامح جديدة لقصة الحب والغرام التي جمعت بين قيس بن الملوح وابنة عمه ليلى، لم نكن نعرفها، فالمغناة عبارة عن حوار بين الإنسان وخالقه، وفيها يكلم الخالق مخلوقه ويعلمه بما قسم له في حياته.
وعلى صعيد الصورة الشعرية، فصوره في غاية الجمال والبهاء، ونجده في أشعاره الغزلية والعاطفية متأثرًا بالشعر الغزلي العذري القديم، فالبكاء على فراق الحبيبة، والبعد عنها هي تيمة طالما تكررت وترددت في شعره.
لمؤيّد إبراهيم قصائد وأشعار في وصف الطبيعة والجمال، وعن الربيع والنيروز والربيع، وفي الحب والغزل، والصبا والشباب. وقد تغنى بوطنه وهواه وانتماءه، وصور شاطئ حيفا، وأنشد لمسقط رأسه، عكا، مدينة الأسوار التي عجز نابليون عن اختراقها، ومما قاله فيها:
يا (لعكا)وهواها ما أرقه — لاسمها يخفق قلبي ألف خفقة
وقع أقدامي في تلك الأزقة — لم يزل يثبت فوق الارض حقه
وعلى ارض البلاط المستدقة — لم أجد في لمس آثاري مشقه
السها في البعد قد ضيع افقه –وعلى قلبي طغت للشوق دفقه
يا طيوف الامس ضميني برقة — لك في عنقي ديون مستحقة
وانا طيف خيال ما ادقه — وشذا تنهيدة حيرى وشهقة
ومن شعره الغزلي العاطفي قوله:
يا طيف ليلى زر خلال منامي — عيني واشفهما بسلام
فرط البكاء انال طرفى العمى –فهما غريقا وحشة وظلام
لم أبغ في هذي الحياة سوى الهوى — ان الهوى معنى الحياة السامي
وأرى الحياة به على ضنينة –الا بما يحوي من الآلام
وفي حب وطنه وهواه يقول:
وطني محضت ثراك حبّي الطاهرا –وعشقت من صغري هواك العاطرا
ووضعت حبّك مذ وجدت على الثرى — من ثدي والدتي حليبًا فائرًا
أنجبتَ محبوبًا لقلبي فاتنًا –لكنّه يحكي الغزال النافرا
ولمؤيّد أشعار في الحنين طافحة ومفعمة بالشوق والأسى، وعن معاناة سجين في بغداد، فضلًا عن مساجلات شعرية منها مساجلته مع الشاعر وديع البستاني الذي كان يسكن بجانب منزله قرب الخضر في حيفا.
مؤيّد إبراهيم شاعر مرهف الإحساس، طويل النفس، اعتمد المبنى العمودي التقليدي للشعر في كتابته، فضلاً عن التفعيلة، ولغته في منتهى البساطة والوضوح والسهل الممتنع. جاءت قصائده واشعاره معبرة عن خفقات القلب، واضطراب المشاعر، وجيشان الخواطر، واجتراح الألم. وكما قال في استهلال ديوانه ” الدموع” :
ما نظمت الشعر الا بعدما –شعرت نفسي بحب طاهر
فبكى قلبي وابكى قلمي — انما الشعر شعور الشاعر
وخير ما اختتم به هذه المداخلة عن الشاعر المرحوم مؤيّد إبراهيم ما كتبه الأديب محمود عباسي غداة هجرته إلى الولايات المتحدة، قائلًا: ” من كبار رواد الشعر في هذه الديار، لم يدع يراعه يفلت من يده، منذ ولج هيكل الأدب ولبسته ربة الشعر قبل أكثر من خمسين عامًا، فأغنى شعرنا العربي بقصائد وملاحم أصيلة، متينة وخالدة، ومعين شعره فياضًا متدفقًا. شاعرنا الكبير أبا إبراهيم الذي ولد وحبا وترعرع في هذه الديار الغالية، التي أحبها حب الطفل الرضيع لأمه، وعشقها عشقًا يفوق عشق بني عذره لحواريهم، وتهجد فيها أيامه العذبة والمرة، ومنحها صفوة ما انعمت به عليه ربة شعره، شاعرنا هذا، تفرض عليه الظروف أن يهجر وطنه رغم انفه، ليلتحق بفلذات كبده، في بلاد المهجر، في الولايات المتحدة”.