ثَلاثَةُ إِصْداراتٍ لِلشَّاعِرِ العَروضِيِّ مَحْمود مَرْعي
تاريخ النشر: 31/12/20 | 11:07مَعَ نَسَماتِ الـميلادِ الـمَجيدِ وَرَأْسِ السَّنَةِ الجَديدَةِ، صَدَرَتْ لِلشَّاعِرِ العَروضِيِّ مَحْمود مَرْعي، ثَلاثَةُ إِصداراتٍ، هِيَ عَلى التَّوالي:
1- رَفْعُ شُفوفِ الهَوْدَجِ عَنْ مَقْصورَةِ الخَزْرَجِي (تَحْقيقُ مَخْطوطَةٍ أَنْدَلُسِيَّةٍ في العَروضِ).
2- دَنْدَن- رِوايَةٌ لِلْفِتْيانِ عَلى أَلْسِنَةِ الحَيَوانِ.
3- دَوْرَةٌ كامِلَةٌ في الـمَقامِ(مَجْموعَةٌ شِعْرِيَّةٌ).
1- رَفْعُ شُفوفِ الهَوْدَجِ عَنْ مَقْصورَةِ الخَزْرَجِي، وَهُوَ تحقيق مخطوطة: (الرَّامزة الشَّافية في علمي العَروض والقافية)- للشَّيخ ضياء الدِّين الخزرجي (589- 686ه)، دِراسة وَتَحْقيق: الشَّاعر العَروضيُّ محمود مرعي، ويقع الكتاب في 488 صفحة من القطع الكبير، وهو إضافة هامَّة للمكتبة العربيَّة، متفرِّد في مجاله، استغرق سنتين من البحث والتَّنقيب والدِّراسة.
وممَّا قال بروفيسور لطفي منصور في تقديمه له: ” إِنَّ الشَّاعِر الدَّارسَ محمود مرعي أصبحَ اليومَ، بتحقيقه للخزرجيَّة يتربَّعُ على عَرشِ العَروض الشِّعري في بلادنا، بلا منافس، نتيجةً لجهوده الـمشكورة الـمثمرة في مجالِ الأوزان والقوافي وما له علاقةٌ بالقريض. فهو يتمتَّعُ بأذنٍ موسيقيَّة بحيث لا تفلتُ منها أيُّ نبرَةٍ شذَّت عن النَّظم العَروضيّ في مجالاته الواسعة، الَّتي من الصَّعبِ السَّيطرةُ عليها، إِلَّا لمن أتيحت له مثلُ هٰذِهِ الأُذُن” [….] ” لم يكتف الـمحقّق بشرح أو شرحين للخزرجيّة ليحقِّقَها، بل اعتمد على مخطوطات عدّة وقارن بينها، وأوضح الاختلافات بين النُّسخ وأثبت ذٰلِكَ في هوامش التَّحقيق.
وأشار الـمحقِّق إلى ما ذكره العلماء حول القيمة العلميَّة للخزرجيَّة وكونها كنـزًا ثمينًا في التُّـراث الأدبيّ.
عُرفت الخزرجيَّة أَيْضًا بالرَّامزة. والتَّرميز معناه استعمال حساب الجُمّل بدل الأرقام. وهي طريقة سار عليها القدماء وأبو الجيش الـمعاصر للخزرجيّ” [….] ” تحتوي أبياتُ الخزرجيَّة على مِئات الرُّموز العَروضيّة. وقام الـمحقَّق بجهودٍ جبّارة في فكّ هٰذِهِ الرّموز، وتوضيحِ مَراميها، وبيان معانيها، بعملٍ شاملٍ أحاط بعلم العَروض من جميع جوانبه، مُسهِّلًا ما غَمُض منه أو ما صَعُبَ فهمُه من مصطلحات علم العَروض، الَّذي لا يستطيع سَبْرَ أغوارِها إِلَّا الشَّاعِر العَروضيّ ممّن يمتلكون الأُذُنَ الـموسيقيّة، والـملَكَةَ الشِّعريّة.
إِنَّ إضافَةَ مصدَرٍ، في علم العَروض والقوافي، نعم في القوافي أيضًا، مثلِ الخزرجيّة، بالتَّحقيق الَّذي سعى إليه وأنجزه بِهٰذا الاتِّساعِ والشُّمول ، لهو إنجازٌ عظيم ، وصرحٌ هائلٌ يُضاف إلى الـمكتبة العَروضيّة الَّتي تعتزّ بها لغتنا العربيَّة.
اتَّبعَ الـمحقِّق أسلوبَ الـمناقشةِ في بيانِ خطأِ القدماء في أحكامهم علـى بعض الـمسائل الخلافيَّة.
ولْنَأْخذْ مثلًا قضيَّةَ بحر الـمتدارَك، وهو البحرُ السَّادسَ عَشَرَ، فقد مَرَّ معنا في ما درسناه من علم العَروض أنّ الخليلَ بنَ أحمَدَ الفراهيدِيّ لم يُجِزْهُ، بحُجّةِ أَنَّ العربَ لم تنظمْ عليه شعرًا، وأنكره الخليل، وَأَنَّ الَّذي وضعَه الأخفش.
ناقشَ صاحبُنا الـمحقِّقُ هٰذِهِ الـمسألَةَ وأقَرَّ- اعتمادًا على كتابِ العَروض الَّذي وضعه الخليل، الَّذي استعمله ابنُ عبدِ رَبِّه في العقد الفريد- أَنَّ الخليلَ هو الَّذي وضَعَ هٰذا البحرَ وليسَ الأخفش.
إِنَّ الـمسائل الَّتـي ناقشها الـمحقِّق تُلقي ضوءًا جديدًا على تطوّر علم العَروض، وهي كثيرةُ ومهمّةٌ في ثنايا الكتاب” […..] ” ولعلّها مناسبةٌ أن أتقدَّمَ إلى رؤساءِ كلِّيّات إعداد الـمعلِّمين العرب الأكاديميّة في الجليل والـمثلَّث والنَّقب أن يعملوا على إدخالِ هٰذا العلم في برامج اللُّغة العربيّة في كلِّيّاتهم. ولا يُبْقُوا هٰذا العلم مهملًا منبوذًا.
كما أتقدَّمُ بالشُّكرِ الجزيل للأخِ الشَّاعر العَروضيّ محمود مرعـي على الـمجهود الـمضني في تحقيق الخزرجيّة، ونفضِ غُبارِ الزَّمن عن خيـرة ما كُتبَ في علم العَروض والقوافي، وعلى الإخراج الرَّائع في الشَّرح والتَّحليل والتَّحقيق لـمضامين الخزرجيّة.
أسألُ اللهَ أن يُثيبَه خير الجزاء، وحسنَ الثَّواب وهو الـموفِّقُ إلى كلِّ خير”.
2- دَنْدَن- رِوايَةٌ لِلْفِتْيانِ عَلى أَلْسِنَةِ الحَيَوانِ.
دُبُّ التَّلِّ دَنْدَنْ، رِوايَةٌ لِلْفِتْيانِ، وَهِيَ لَوْنٌ لا نَجِدْهُ كَثيرًا في أَدَبِنا العَرَبي.
اَلدُّبُّ دَنْدَنْ ضَخْمُ الجُثَّةِ وَالَّذي يَخْتَلِفُ عَنْ الحَيَواناتِ الأُخْرى يَسْتَغْرِبُ لِـماذا يَخافُ الجَميعُ مِنْهُ رَغْمَ أَنَّهُ لا يُؤذيهِمْ بَلْ وَيُحِبُّهُمْ، وَلكِنْ كَما يَبْدو أَنَّ هُناكَ سوءَ فَهْمٍ، فَالحَيَواناتُ تَخافُ مِنْهُ لِـمُجَرَّدِ شَكْلِهِ وَحَجْمِهِ الضَّخْمِ، وَلكِنْ عِنْدَما يَقْتَرِبُ الدُّبُّ دَنْدَنْ مِنْ بَقِيَّةِ الحَيَواناتِ بِواسِطَةِ صَديقَتِهِ الغَنَمَةِ يَتَلاشى الخَوْفُ لِتَحُلَّ مَكانُهُ الأُلْفَةُ بَيْنَ الجَميعِ؛ هٰذِهِ الرِّوايَةُ الهادِفَةُ لِلْفِتْيانِ، تَتَحَدَّثُ عَنِ الفِكْرَةِ الـمُسْبَقَةِ الخاطِئَةِ الَّتي يُمْكِنُ أَنْ نَحْمِلَها عَنِ الآخَرِ لِـمُجَرَّدِ الشَّكْلِ أَوْ لِمُجَرَّدِ عَدَمِ الـمَعْرِفَةِ أَوْ السُّمْعَةِ وَالشُّكوكِ، وَلكِنَّ التَّقَرُّبَ وَالتَّجْرِبَةَ تُلْغي هذِهِ الشُّكوكَ لِيَحُلَّ مَكانَها الحُبُّ وَالأُلْفَةُ.
تَتَلَخَّصُ أَهْدافُ الرِّوايَةِ في تَأْصيلِ مَبْدَإِ التَّعاوُنِ وَتَقَبُّلِ الآخَرِ، وَكَسْرِ الأَفْكارِ النَّمَطِيَّةِ وَتَغْييرِ الأَفْكارِ الـمُسْبَقَةِ. وَتَتَّبِعُ أُسْلوبَ أَنْسَنِةِ الحَيَوانِ، وَأَنَّهُ مَخْلوقٌ يَعِي وَيُدْرِكُ وَيُمْكِنُ التَّعَلُّمُ مِنْهُ وَالاِسْتِفادَةُ. وَلا تَخْلو الرِّوايَةُ مِنْ عُنْصُرَيِ التَّشْويقِ وَلا الفُكاهَةِ فَهُما مُهِمَّانِ في السَّرْدِ. كَذلِكَ تَعَمَّدَ الـمُؤَلِّفُ إِضافَةَ الأَشْعارِ إِلَيْها وَهِيَ عَلى أَوْزانٍ خَفيفَةٍ غَيْرِ مُرَكَّبَةٍ، فَالأَلْحانُ عُنْصُرُ مُتْعَةٍ وَنَشْوَةٍ لِلنَّشْءِ، وَما زِلْنا نَذْكُرُ بِالخَيْرِ مَشايِخَنا وَحِفْظَهُمُ القُرْآنَ عَنْ ظَهْرِ قَلْبٍ، في سِنَّ خَمْسِ أَوْ سِتِّ سَنَواتٍ، وَهذا يُؤَكِّدُ أَهَمِّيَّةَ الـموسيقى، وَالتَّجْويدُ أَداءٌ بِنَغَمٍ مُعَيَّنٍ عَلى مَقامٍ مُعَيَّنٍ، فَمِنْ هذا الجانِبِ جاءَتْ إِضافَةُ الأَشْعارِ.
اَلرِّوايَةُ تُناسِبُ جيلَ (12- 15)سَنَةٍ.
3- دَوْرَةٌ كامِلَةٌ في الـمَقامِ(مَجْموعَةٌ شِعْرِيَّةٌ).
يقول الشَّاعر في استهلال الـمجموعةالشِّعريَّة ” جَرَتِ العادَةُ أَنْ يُكْرِمَ الـمُؤَلِّفُ أَديبًا آخَرَ بِمَنْحِهِ كِتابَةَ مُقَدِّمَةٍ لِعَمَلِهِ، وَهُوَ أَمْرٌ حَسَنٌ، غَيْـرَ أَنِّي أَعْتَقِدُ، في الشِّعْرِ خاصَّةً، أَنَّ خَيْـرَ تَقْديمٍ لِلشِّعْرِ، هُوَ تَقْديمُ الشِّعْرِ نَفْسَهُ بِنَفْسِهِ، فَقَدْ تُؤَثِّرُ العَلاقَةُ بَيْنَ الـمُقَدِّمِ وَالـمُقَدَّمِ لَهُ، فَيَمْدَحُهُ بِما لَيْسَ فيهِ، وَيوهِمُ القارِئَ أَنَّهُ مُقْبِلٌ عَلى مادَّةٍ فَوْقَ العادَةِ، وَيُصْدَمُ القارِئُ أَنَّها لَمْ تَكُنْ كَذٰلِكَ، لِذا آثَرْتُ تَرْكَ تَقْديمِ الشِّعْرِ لِلشِّعْرِ، لِيُقَدِّمَ نَفْسَهُ بِنَفْسِهِ.
لٰكِنْ لا بَأْسَ مِنَ الإِشارَةِ، إِلى تَعَدُّدِ مَواضيعِ القَصائِدِ وَالأَغْراضِ، فِمِنْها في الذَّوْدِ عَنِ اللُّغَةِ، وَالطَّرائِفِ، وَمِنْها في الغَزَلِ، وِمِنْها، وَهِيَ كَثيـرَةٌ، في بابِ نَبْذِ العُنْفِ وَما يَتَعَرَّضُ لُهُ مُجْتَمَعُنا مِنْ حَوادِثِ القَتْلِ وَالاِقْتِتالِ… وَمِنْها في نَقْدِ بَعْضِ الـمَظاهِرِ اللَّا أَدَبِيَّةِ الَّتـي تُحاوِلُ اخْتِـراقَ الحَياةِ الأَدَبِيَّةِ وَالحَرَكَةِ الأَدَبِيَّةِ وَإِفْسادَ الذَّوْقِ… وَمِنْها في الدِّفاعِ عَنِ الرَّسولِ، ، أَمامَ الهَجْمَةِ الشَّرِسَةِ في الغَرْبِ، وَهُناكَ مَشْهَدٌ مَسْرَحِيٌّ شِعْرِيٌّ، مِنْ وَحْـيِ الخَيالِ، انْتِهاءً بِمَجْموعَةِ قَصائِدَ في الرِّثاءِ، وَهُناكَ ما يَتَعَلَّقُ بِالعَروضِ، وَمِنَ الـمُؤَكَّدِ أَنَّ ذَوي الخِبْرِةِ في العَروضِ، سَيَقِفونَ عَلى الأَمْرِ.
القارِئُ العَزيزُ: شِعْري بَيْنَ يَدَيْكَ، يُقَدِّمُ نَفْسَهُ بِنَفْسِهْ”.
ولا بدَّ من كلمة شكر للأستاذ الأديب سهيل عيساوي، الَّذي بذل من وقته وجهده لإصدار هٰذِهِ الأسفار الثَّلاثة، وتابعها حتَّى رأت النُّور.