الحاجة إلى….

تاريخ النشر: 13/01/21 | 9:15

محمد إبراهيم سواعد- ابن الحميرة
عرف أهل العلم الحاجة أنها من الضروريات طبيعية المصدر والتي تلح على الإنسان لتحقيقها وهي تُميز كل كائن حي عن الآخر، وكذلك تتطور بفعل تطور الثقافات واختلاف المجتمعات، وعدم تلبية هذه الحاجة يولد الشعور بالحرمان والذي يؤدّي بدوره للشعور بالاكتئاب والضعف النفسي والجسدي، ممّا يدفع الانسان للقيام بكلّ ما يلزم لتحقيق حاجته وتلبيتها، وبمفهومها الفرضيّ فهي تمثل القوّة في منطقة المخّ والقوّة في تنظيم الإدراك (محفز)، وقد تكون حاجات ظاهرة وقد تكون كامنة وهي الحاجات اللاشعوريّة، ومنها ما هو أوليّ ومنها ما هو ثانويّ، (غوغل).
مما سبق يتبين لنا أن الأفراد والمجتمعات تولد معهم الحاجات الفطرية التي يسعون طوال حياتهم على إشباعها بحسب الحس الثقافي والديني والتربوي والاجتماعي الذي نشأوا فيه وتربوا عليه، كما يمكن للمجتمعات خلق الحاجة لدى أفرادها أو توجيههم لتحقيق وتلبية حاجات نفسية وعقلية واجتماعية واقتصادية يراد من خلالها إصلاح الفكر وتوجيهه نحو النمو والإبداع.
وأعظم حاجتين لا يمكن للبشرية أن تستغني عنهما بحال من الأحوال هما الحاجة الدينية والقيادية، فالجانب الديني مسؤول عن إشباع الروح وتلبية رغباتها وبث السكينة والطمأنينة فيها حسب منهج ديني فكري يرتقي بالفرد في دينه ودنياه، والحاجة القيادية سواء كانت فردية أو مجتمعية هي المسؤولة عن تنظيم الحياة وحسن إدارتها، وتفسح للمرء والمجتمع الفرصة في اتخاذ القرارات الملائمة لمواقف الحياة ومنعطفاتها وتهيئة مستقبل مشرق للمجتمع في ظل المتغيرات الإقليمية والدولية المتسارعة على مدار الساعة.
وعند النظر في تعريف الحاجة نجد أنها محفز للعقل في تنظيم الإدراك، فهي تشكل محفزا للعقل الفردي والمجتمعي لتنظيم إدراكه وتحقيق ذاته عبر تلبية الحاجات الفطرية التي يبحث عنها، كما قالت العرب “الحاجة أم الاختراع”، فالحاجة تدفع صاحبها إلى ابتكار الوسائل والطرق التي تلبي هذه الحاجات، وعند السياحة في الأرض والتأمل في حضارات الأقوام الغابرين في التاريخ ندرك كيف دفعتهم الحاجة إلى الإبداع والتفنن في البناء وحفر القنوات، بل والبحث عن الطرق الهندسية العجيبة في توصيل المياه عبر شق الأنفاق في الجبال والقنوات التي نقلت المياه لأميال عديدة.
مجتمعنا العربي المحلي في البلاد وأمتنا العربية والإسلامية تقف اليوم على منعطف خطير، فهي تبحث عن تلبية حاجياتها وملائمتها لتسارعات الأحداث المحلية والعالمية وبين جمودها على مفاهيم وقيم أكل عليها الدهر وشرب، وما مثلنا إلا كمن يريد سباق طائرة تسير بسرعة الصوت ركضا على قدميه.
نحن اليوم بتنا بأمس الحاجة إلى قيادة دينية تعمل على ملائمة الخطاب الديني الشرعي للواقع وتستشرف به المستقبل، ولكل من يطعن أو يشكك في هذا التوجه، فعلماؤنا جددوا خطابهم ليلائم الواقع الجديد الذي عاشوه، انظر سيرة الشافعي وأحمد وأبو حنيفة رحمهم الله تعالى، بل راجع سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم بين مكة والمدينة، وابن عمر رضي الله عنهما غير أقواله وفق ما تعلم وطرأ عليه من المعارف والعلوم، فالخطاب الديني “المتجدد” الذي يلبي فكر الناس وحاجتهم هو الذي يبعث السكينة والطمأنينة في القلوب والأرواح، كما أننا بتنا اليوم بأمس الحاجة إلى قيادة دنيوية تعمل على تجديد الفكر والمنطق في حياتنا في كل ميادين الحياة، فقد شبعنا من القيادات الهلامية التي لا تخرج عن أطر دغدغة المشاعر أو التلاعب بها لحاجة في نفس “يعقوب” أو تلك القيادات التي تملأ الدنيا صراخا ومناكفات وجدل سفسطائي ينثر الإحباط والتشاؤم في النفوس، ويحطم بوارق الأمل في القلوب، نحن نبحث عن قيادة جريئة تتجاوب مع حاجيات الأفراد والمجتمع كله وتعيش الواقع وتنظر إلى المستقبل بعين بصيرة ناقدة براقة لترتقي بشعبها إلى مدارك الكمال المنشود دينا ودنيا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة