أيّها الإعلام الهزيل، لسنا عرب إسرائيل!
تاريخ النشر: 16/01/21 | 10:04مَسخ: رجاء بكريّة
“.. ونَعَم يا سي عبد الرّحمن لسنا “عرب إسرائيل” مًدَّ كفّكِ كي أحنّيها بهذه التّعويذة. عرب الـ 48 أو فلسطينيّي الدّاخل، رغم أنف أخطائكَ وموقعكَ وجريدتكَ كانت من وما كانت..” (رجاء.ب)
هكذا يحدث حين يكون العالم ضدّ وجودك وعلى رأسهم رئيس حكومة الدّولة الّتي تمشي عَلَيكَ، المطبّلون معه والمُطبّعون على وجههِ أيضا. وللمغرب الّذي يؤلم في مقالتي هذه نصيب من الودّ، وإعلامهِ المُدهِش في سبقهِ السّريع لتجميل الوجهِ اليهودي الصّهيوني والإسرائيلي على حدّ سواء، والإسرائيلي اليهودي نعني، لأنّ العرب في عرف الدّولة عرب وليسوا إسرائيليّين بأيّ حال.
هي إجابتي الواضحة، الحادّة، المباشرة، المُتّهمة للإعلام العربي الّذي يحتفل هذه الأيّام وبشكل غير مسبوق بتطبيق دولة إسرائيل لخِطابهِ وحُطامِهِ معا، وفي أوقات عصيبة يمرّ بها عرب ال 48 بأشنع موجة تأطير وتعنيف وتمثيل بمجتمعاتهم الصّغيرة والكبيرة، سواء على مستوى سياسة هدم البيوت، أو أحداث العنف الّتي تجتاح الشّارع العربي وتمسخ تاريخه الأخلاقي تماما أمام عجز البوليس الإسرائيلي الّذي يصل لأيّ مشتبه بقتل يهوديّ، أيّ يهودي من كلّ مكان، ولو كان عمق العاصمة بيروت أو طهران، أو حتّى دمشق، وحديثا كما نتوقّع الرّباط، شبكة عنكبوتيّة واسعة تريد أن تصل إفريقيا بالشّرق ضمن سلسلة جغرافيّة واحدة مسيطر عليها وداخل تدويرة الكفّ. البوليس النّافذ وإن كان يخلّص الحقّ اليهودي من كلّ مكان يجد صعوبة بالغة حدّ العجز في القبض على القَتلة والأشرار الموزّعين على كلّ زاوية من زوايا المدن والقرى الفلسطينيّة في الدّاخل. في ظروف كهذه محزنة يحاول الإعلام العربي أن يسِمنا بهويّة يستهويهِ تلميعها وبحماس لا مثيل له، والإعلام المغربي الطريّ، تحديدا، في سوق التّطبيع الإسرائيلي.
//عن جريدة إلكترونيّة مغربيّة أخلاقيّة جدّا!
أتابع هذه الجريدة منذ ما يربو على سنة. من خلال متابعتي الحريصة فهمت تماما لأيّ منزلق يأخذ التّطبيع الجديد هذا الإعلام، الّذي كان جميلا. عمليّة تطهير فكري وضميري عميق ودقيق، وأخشى أن أضيف أخلاقيّ، ذلك لأنّي للآن لم أستوعب كيف صرنا على ورقها بين ليلة وضحاها من “الفلسطينيّون الّذين يعيشون في إسرائيل” الى “عرب إسرائيل” بدرجة عالية من الحرفيّة التّهميشيّة المارقة شأن تسميتنا العابرة تماما.. عرب إسرائيل، كأنّنا قوم نزل من المرّيخ فجأة وجاء يصطاف على شواطئ تل أبيب. والتّسمية البغيضة يقودها طاقم إعلاميّ مدجّج بقناعات خطيرة. غسيل دماغ قحيح وعن سبق إصرار. أوّل الفاتحين لهذا الشّارع الفكريّ النّاسف للهويّات عميد التّطبيع مئير بن شبات ووجوه لا نعرف أصول أوّلها من آخرها. وما حدث لي مع أحد صحفيّي جريدة هسيبرس، السّي عبد الرّحمن العسيري لم أستوعبهُ بعد! هاتفني في ساعة متأخّرة من ليل الأربعاء الماضية بحماس من سيحرّر فلسطين بكبسة زر، وإصرار الرّاغب الرّاهب أن ينقذ وجودنا المُعتدى عليهِ. طلب إيضاحا حول احتجاجي على “عرب الإسرائيل”، العبارة الّتي رصفت عددا مشرّفا من المقالات والتّقارير الّتي صدرت عن الجريدة. وفيما أعلنتهُ رفضا لهذه التّسمية فصّلتُ وشرحتُ. حاول أن يأخذ منّي قبولا ضمنيّا بماركة شارع التّطبيع الجديد فعقّبت، “لا مانع أن تحاول الحكومات حظّها إذا كانت تعتقد أنّ مسارها سيدعم حماية المسجد الأقصى، والوضع الفلسطيني في الضفّة وغزّة، ولو أنّ قناعاتنا تصبو إلى الصّفر وأقلّ، فتجربتنا المرّة مع الحكومة الحاليّة وعلى رأٍسها الرّأس الّذي يقوها، المطلوب للتّحقيق والمساءلة، الرّجل الّذي أبدى تأثّرا وسعادة عميقين من حديثهِ مع العاهل المغربي محمّد الخامس يرصف الآن الجسر الّذي سيمتدّ من تل_ أبيب حتّى كازابلانكا على حدّ تعبيرهِ بحماس بالغ!
دَهشة!
كانت ذريعة التّطبيع لدى الصّحفي حماية القضيّة الفلسطينيّة وليس استرجاع الصّحراء الغربيّة. والحقيقة للآن لا أعرف إذا كانت السّذاجة تغذّي هذه التّصريحات أم العمى الّذي أطلقهُ ساراماغو على قطيع واسع من البشر وأغرقهم بما يشبه ماء الصّرف الصحيّ النقيّ! بقيتُ حائرة من لطفهِ ودماثة معلوماتهِ وهو يزداد حماسا في دعم وجودنا داخل ال 48، ورغبتهِ بعدم ارتكاب خطأ من أيّ نوع وهو يسجّل تصريحاتي. ولأنّي وقعتُ في ذات العمى العربيّ وغطستُ معهُ بماء الصّرف الصحيّ الخالص صدّقتُ كلامهُ، فكان أن راجعتُ أقوالي وصحّحتها لئلا تنعمي كلماتي أيضا. خرجت المادّة إلى نور الجريدة، والدّار البيضاء تغرق في كوارث الفيضانات، شمالها خصوصا، طنجة النّاصور، الحسيمة، ووجدة كما أغرقت الكارثة منازل وأوقعت قتلى، وعنّفت كلّ ما لاعبها. شخصيّا تأثّرتُ جدّا بما حدث وحزنت على الفقد البالغ الّذي تكبّدته المغرب ذلك اليوم وتمنّيت أن يحزن السّي عبد الرّحمن هو أيضا الّذي أخذ تصريحاتي على ما يحدث للدّار البيضاء حدّ التّنازل عن التّقرير الّذي راجعتُهُ عن حضرتهِ منعا لأخطاء كنت في غنى عن بركاتها. لكنّي فوجئت من حماسه البالغ واعتبارهِ تصريحاتي سكوب لا يمكن التّنازل عنه، وفي عزّ الكارثة الطّبيعيّة المؤلمة. ومع هذا الحماس دشّن السّي العسيري شارع التّطبيع الحديث ولمّع ماركتهُ على حساب تصريحاتي، فقد وردت مرتّبة ومبروَزَة تحت صورة لعائلة يهوديّة تحتفل بدخول السّبت! بداية لم أنتبه للإلتباس الحاصل حتّى تأمّلت الصّورة وحاولت أن أربط بينها وبين تصريحاتي فعثرت على سكوب مرتّب ومُهَدنس على مقاس الرّماد الّذي ذراه في عينيّ. كنت أغطس حتّى ركبتيّ في مياه صرف صحيّ لم أتخيّل ولو في الحلم أن أمخر فيهِ بثقة، ويضاف حرص الجريدة الموقّرة على قصّ صورة منسيّة لحضرتي من مناسبة لا أذكرها أبدو معها مناضلة حقيقيّة خرجت لتوّها من مخبز أو جبهة قتال محتدمة. حاولت أن أربط بين شكلي والصّورة وفشلت، عشر مرّات وأنا أدوّر وجهي المحمّص وهزِمت. والحقيقة أذهلتني فراستهُ وفهلوة خياراتهِ، فحتّى اللّحظة تلك لم أكن أعرف شكل الجحيم الّذي يأخذ التّطبيع الشباتي الإعلام المغربي إليه..
صباح الأحد أرسلت إليه أسألهُ ما علاقة العائلة اليهوديّة و (نيروت شَبات) بتصريحاتي، وأضفت لمَ لم تختر صورتي من الصّور المعقولة الّتي أرسلتها إليك؟ هل كان ملحّا أن تدخل مخبزا وتُحمّص وجهي، وتنشرهُ بمثل هذه البشاعة في جريدتك؟ لم يجبني السّي النّبيه. طالبته بمسح التّقرير فورا لأنّهُ يسيء لهويّتي وكنيتي أرسل إليّ رسالة بالغة الرّثاثة اعتذر فيها عن تجاوز صلاحيّاته، كأنّه لا يمسح ورقة بل يصنّعُ قنبلة وأرسلني إلى بريد جريدته، طبعا كان يعرف أنّه سيتلقّى بريدي ويهمله وفق ما تقتضيهِ الحاجة.
هذه هي ناطحة السّحاب الجديدة بعد ناطحات الإمارة الّتي يحلّق فوقها الإعلام والعلم المغربيّ معا على جناح التّطبيع الجديد مع الرّفيقة إسرائيل. بسرعة جنونيّة صوب الهزيمة أو الهاوية، سمِّموها أنتم بما شئتم.
والحاصل يا سادة،
أنّ التّقرير ظلّ يعومُ فوق ماء الصّرف الصحيّ عدّة أيّام دون أن تلكُشهُ هيئة التّحرير، أو الرّئيس أو المُحرّرين ويبدو أنّ عطلة السّبت امتدّت عندهم حتّى الإثنين. هكذا، وبهذه الصّرعة الضّميريّة العجيبة يذود الإعلام المغربيّ عن هويّتنا، تماما كما يفعل عمى سراماغو لزُحام بشريّ هائل في دولة لم تميّز معالمها بعد، بِعُصبّة على العينين. حاولت أن أجد عُذرا للسّنجاب الّذي قضم زهر كلماتي وورقي ورمى اسمي تحت يافظة، “أديبة فلسطينيّة..” نعم لم تخطئوا، بهذا العنوان النّكرة قدّمني الإعلام المغربي لقرّائه. بالعادة الإعلام الرّخيص وحده يجيد لعبة الإذلال والمسح، الإعلام الذّليل الّذي يحاول أن يعوّضَ ضعفهُ ومهانتهُ وهٌزالًهُ بلغة إذلال يُسقِطُها على غريم لا يسعهُ بفنيّة وحرفيّة عاليين، ماذا سيفعل وهو يكشّ بقايا فتات التّراجع والإنتكاس؟ ومع الإطلالة الملوكيّة لتعريفي هذا كانت ترتاح صورة العائلة اليهوديّة سعيدة بعينيّ سيّدتها الحادّة المُتوعّدة. لم أجد مبرّرا لالتصاق التّقرير صامدا غير هجوم منظّم لسربٍ من البقّ على كلماتهِ ,واعيهِ حدّ شَلِّ تفكيرهما وحركتهما معا، هنيئا للبقّ بالفرو النّاعم،، وكثير عليه..
هل أعلّم الآن أشباه هذا السّنجاب كيف تحتفي أصالتنا بأدبائهم، وإنجازاتهم؟ هل أخبره بمقالاتي حول روائي مغربي لامع توقّف طاقم جريدة كامل كي يقرّر معي الصّورة الّتي تليق بإنجازه؟ أم بالزّاوية الّتي ندرج مادّتهُ فوقها لا تحتها. ما العمل، وأناس التّحت يبقون في تختهم وأناس الفوق يتصرّفون بالفوق الّذّي يفهمونهُ عن قيمة الإنسانيّة وكرامة الإنسان؟ وسوف أهمس لأذنهِ الطّويلة، “هذه الزّنبقة خلقها باريك كي تصغي فيها لأصوات عبادهِ لا لتتجعلكَ وتنكمشَ داخلها وتهرب”.
اليوم، مساء الإثنين
سُحِبَ التّقرير من أسفل الصّفحة الثّقافيّة، ومعها الفوتوغراف الغريب الّذي التقطتهُ بصيرة السّي عبد الرّحمن أو من لفّ لفّهُ أو موّلهُ من أسياد الجريدة الإلكترونيّة هسيبرس، الّتي عشقتُ متابعتها على مدى سنة كاملة حتّى انقطعَ بنا، اليوم، حبل العسل الطّويل. ورسالتي الزّعاف لسناجب العالم البيضاء، وسنجاب مقالتي بالذّات أقول، “يا لمكركَ يا سيّد الذّيل القصير حتّى إعلام إسرائيل لا يقترف لؤمك!” وللجريدة الغارقة بأعراسها تمنّياتنا بضربات ناعمة على مقاس الرّفيقة الوافدة. هذا هو الإعلام العربيّ الجديد، غارق في مياه الصّرف الصحيّ، غاطس في هزائمهِ. لا يناقش، لا يُعدّل، لا يفرّق بين صديق وعميل، لا يحترم تصريحات المثقّف، يقزّمُ أسماء الأدب، والأديبات خصوصا، لا يعتذر، أطرش بأذنيّ زنبقة مُجعلكة لا تسمع. لا يصونُ الهويّات، وفلسطين باتت في عمق جرابهِ الممزّقة مجرّد خِرقة مستعملة. على وقع تصريحات وزيرة السّياحة الّتي تحلمُ برفع عدد السيّاح اليهود لمغربها السّعيد من أربعين ألف سائح لأربعمئة ألف حاج أعزف لحن انتكاسة ثقتي وحفاوتي بأحد صروح الدّعم العربي في شخص هذه الجريدة النّازلة عن الخطّ الإنساني، فهل بقيت الجزائر وتونس شاهدتان أم تنتظران بالدّور؟
والحاصل الآن، وأنا أتأمّل خارطة الصّحراء الغربيّة المتنازَعِ عليها مع الجزائر، والّتي تطالب بها جبهة البوليساريو أحزن. أحزن لأنّ رجلا منفصم أخلاقيّا دشّن بيعة الصّحراء للمغرب بثمن بخس، عمادُهُ جسر التّطبيع الجديد الّذي يمتدّ الآن من كازابلانكا حتّى تل-أبيب بساقين تلاعبان الهواء. هذا الرّجل الّذي خرجَ من بيتهِ الأبيض مشنشل بالخسارات والهزائم والكوارث الطّبيعيّة والمفبركة هو ذات الرّجل الّذي أرسل مؤيّديهِ لاجتياحِ مبنى الكبيتول في عُقرِ مجلسِهِ الّذي اجتمع للمصادقةِ على خسائرهِ وفظاعاتهِ. ترامب لم يشأ أن يترك وِرثة أو وريثا، ودمّر فيما دمّر الغرف البيضاء الّتي حجبت مؤامراتهِ في الغرف المفتوحة والمغلقة. فهل يمكن لورقة وقّعتها يد رعديدة جبانة مع الرّباط أن تصمد في وهج الصّحراء الهاجرة؟ ومن سيحمي مَن مِنَ السّقوط، الدّار البيضاء أم البيت الأبيض؟
تَسْوَدّ البيوت هذه الأيّام، والكنيست الإسرائيلي الأبيض يعصفُ به السّوادُ أيضا. حكومته حُلَّت تماما، ولا تحتفظُ حول خصرها بخلافِ جلدها الربّانيّ الأوّل، ورئيس حكومتهِ في طريقهِ الى القضاء. لم يشفع الإغلاق (الهَدوك) لهُ. تظاهر الالاف في كلّ مفرق وطالبوا بأن يُحاكَم، وفي عزّ كورونا والإغلاق. تماما كما أصرّ الدّيمقراطيّون وفي آخر أيّام خيّاط الجغرافيا ترامب أن يعزلوه من رئاسة البلاد ولو بثمن يوم واحد أخير. هذه هي تماما صور المُطبّلين والمطبّعين الأخيرة في العالم ومهندسي مسافات الرّمال الخاسرة والمُوقِّعين والمتوقّعين والثّعالب. لا خطرا خارجيّا يتهدّدهم, شعوبهم تنشبُ أظفارها فيهم وتنهيهم. تضع حدّا لحماسِهِم وانطفائهم. لجسورهم ومركباتهم.
مسك الوجع
وفي هذا اليوم، وهذه السّاعة المُحزنة من فجر الثّلاثاء يسقُطُ هذا النوع من الإعلام المغربيّ من عيني، إذا كانت قبيلة السّناجب تلك تمثّل قيمَهُ وخطابَهُ فنحنُ في غنى عن غِناها. وما دُمتُ، أنا الّتي أبلت في منصّات الثّقافة عربيّا وأجنبيّا أُعرّفُ على هامش زاوية مارقة في جريدةٍ بَخِسة “أديبة فلسطينيّة..” كأيّ تسمية لقيطة أو نافلة، وبلا معنى، فلا جزى هكذا إعلام عابر حضورا. ونَعَم يا سي عبد الرّحمن لسنا “عرب إسرائيل” مًدَّ كفّكِ كي أحنّيها بهذه التّعويذة. عرب الـ 48 أو فلسطينيّي الدّاخل، رغم أنف أخطائكَ وموقعكَ وجريدتكَ كانت من وما كانت..
فجر الثّلاثاء، يناير، 021
حيفااا