هل يحصل فلسطينيون لبنان على لقاحات كورونا ؟
تاريخ النشر: 19/01/21 | 14:22فتحي كليب
حين يدعو الأمين العام للأمم المتحدة، امام قمة مجموعة العشرين التي انعقدت في شهر تشرين الثاني الماضي، الى “ضرورة أن تكون اللقاحات المضادة لمرض كـوفيد-19 والاختبارات والعلاجات، متاحة للصالح العام وللجميع بأسعار معقولة”، فهذا يعني ان اللقاحات قد لا تكون متوفرة امام فئات شعبية واسعة على امتداد العالم.. ومن بين هؤلاء تلك الفئات المهمشة اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا والتي يقع في مقدمتها الملايين من اللاجئين الذين ما زالوا يعانون من تداعيات جائحة كورونا..
المسألة هنا لا تتعلق بامكانية المراهنة على انسانية الدول الكبرى ووعودها، بعد ان اكدت تجربة مواجهة الجائحة، ان هذه الدول، وفي لحظة ما قد تصبح في صراع مباشر ليس مع الدول الفقيرة، بل فيما بينها. ولهذا السبب ربما كثرت الدعوات من قادة ومنظمات دولية انسانية وصحية الى اهمية تضامن دول العالم في مواجهة تداعيات الجائحة وعلى افتراض “ان المكافحة الشرسة مقرونة بالوحدة الوطنية والتضامن العالمي يمكن أن تقلب انتشار الوباء رأسا على عقب”.
ففي اطار مواجهة الجائحة، خاصة في مراحلها الاولى، لم تصمد الكثير من التحالفات بين الدول، خاصة الغربية منها، حيث شهد العالم حروبا حكمتها “شريعة الغاب” حين سيطرت دول معينة على شحنات من معدات طبيه مخصصة لدول اخرى. وتكرر هذا المشهد في اكثر من مرة، وكان اشبه بقرصنة ماراثونية ابطالها هم: الولايات المتحدة الأمريكية، التشيك، إيطاليا، فرنسا، السويد، إيطاليا، إسبانيا، ألمانيا، سويسرا وغيرها من الدول. حتى ان هذه القرصنة امتدت لتشمل ولايات معينة داخل الولايات المتحدة حيث صادرت ولايات معينة الملايين من الكمامات كانت مخصصة لولاية اخرى.
ما اكدته التجربة ان العالم يعيش التمييز في اكثر صوره بشاعة، فمن كان سعيد الحظ ويعيش في دولة غنية فبامكانه الحصول على اللقاح بشكل سريع، اما من كان يعيش على هامش البشرية وفي مناطق تعج بالفقر والفقراء، فقد ينتظر سنوات وسنوات. وما اعلنته منظمة الصحة العالمية حول هذا الامر لهو مؤشر واضح ويستحق التوقف عنده. فحتى منتصف كانون الثاني 2021، كانت عشر دول قد استحوذت على نسبة 95 بالمئة من اللقاحات ضد فيروس كورونا المستجد. وهذه الدول هي: الولايات المتحدة، الصين، المملكة المتحدة، إسرائيل، دولة الإمارات، إيطاليا، روسيا وألمانيا، إسبانيا وكندا..
ان اللقاحات ليست قضية قطرية خاصة بكل دولة، لأن عالمية الجائحة تفرض على الدول تعاطيا مختلفا. وكما قيل سابقا: طالما ان هناك فيروس على وجه الارض، فان احتمال انتشاره على نطاق عالمي تبقى قائمة وبنسب مرتفعة. لكن المعيار الاقتصادي هو من سيتحكم في النهاية في قرار اعتبار اللقاح امر عالميا ومن حق جميع افراد البشرية ان يحصلوا عليه، غير ان الذي يجري راهنا، وما سيحصل لاحقا، هو اعتماد الدول الغنية بخاصة على قومية اللقاحات، اي حصر اللقاح في اطار الدولة الواحدة. لذلك نجد الكثير من دول العالم غير آبهة بدعوات منظمة الصحة العالمية التي تحذر “من ابرام الصفقات الثنائية التي ستقود إلى رفع السعر، بما يعني عدم حصول أكثر المعرّضين للخطر في الدول الأكثر فقرا وتهميشا على اللقاح”.
تعتبر فئة اللاجئين والنازحين من اكثر الفئات عرضة للاصابة بفيروس كورونا، خاصة في المناطق التي تشكو من هشاشة الانظمة الصحية ومن ضعف واهتراء البنية التحتية وعدم قدرة المؤسسات الصحية على مواكبة تداعيات الجائحة. ويبدو ان دول العالم، خاصة الغنية منها، لم تصل بعد الى مرحلة وضع مسألة الاهتمام بالدول الفقيرة وبمجموعات اللاجئين في العالم على اجندتها. وتلفت المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للامم المتحدة ان من بين 78 دولة تعمل على تطوير الاستراتيجيات الوطنية للتطعيم ضد فيروس كورونا، هناك فقط 39 دولة فقط التزمت بضم اللاجئين إلى هذه الاستراتيجيات.. مما يطرح تحديا جديدا بضرورة ادماج اللاجئين والنازحين داخليا وعديمي الجنسية في الاستراتيجيات الوطنية للدول لضمان وصول اللقاحات، وبشكل عادل، إلى من هم بحاجة إليها.
من الناحية النظرية، يبدو ان مسألة توفير لقاحات للاجئين الفلسطينيين ليست بالمشكلة الكبيرة، اذا ما توافرت شروطها اللوجستية والمادية. وتختلف مسؤولية تأمين اللقاحات باختلاف المرجعيات الصحية المعنية عن كل تجمع للاجئين. ففي الضفة الغربية وقطاع غزه، وان كانت وكالة الغوث هي المعنية بتوفير اللقاحات، نظرا للقيد القانوني المفروض على السلطة الفلسطينية الذي يمنعها من حق عقد اتفاقيات ثنائية مع الدول، خاصة بشراء اللقاح، الا بموافقة مسبقة من السلطات الاسرائيلية التي تتحكم بجميع المعابر.. لذلك، وحسب المفوض العام لوكالة الغوث، ستقوم الاونروا بالمشاركة في أي عملية تطعيم للاجئين ضد فيروس كورونا في قطاع غزة والضفة الغربية والقدس المحتلتين.. وان عملية التطعيم ستحدث تحت مسؤولية السلطة الفلسطينية ورعايتها، فيما ستضع أونروا إمكانياتها الصحية كافة تحت هذه المظلة للمساعدة.
وفي الاردن، فقد ادرجت الحكومة جميع المقيمين في الاردن، في استراتيجيتها الصحية لمواجهة الجائحة، وبموجب ذلك يحق لأي شخص يعيش في المملكة، بما في ذلك اللاجئون الفلسطينيون وغيرهم وطالبو اللجوء، الحصول على اللقاح مجانا. ويشكل هذا الموقف امتدادا للاستراتيجية الصحية التي اتبعتها المملكة الاردنية منذ بداية الجائحة لجهة شمول اللاجئين في خطة الاستجابة الوطنية لتصدي لكورونا، والحصول على الرعاية الصحية والعلاج الطبي كالمواطنين الاردنيين. اما في سوريا، فان الواقع الذي يعيشه اللاجئون الفلسطينيون يفرض على وكالة الغوث تحمل مسؤولياتها لجهة توفير اللقاحات بالتعاون مع الحكومة السورية التي ستشمل اللاجئين الفلسطينيين في استراتيجية التلقيح المعتمدة مع مواطنيها..
يبقى اللاجئون الفلسطينيون في لبنان الذين يعيشون حالة قلق نتيجة الغموض وغياب الاجابات الدقيقة التي تحدد من هي الجهة المعنية بتوفير لقاحات للاجئين الفلسطينيين. لكن قبل الحديث عن المسؤوليات، ما هو الواقع الصحي للاجئين الفلسطينيين في لبنان، ومن هي الفئات التي يجب ان تستفيد من اية لقاحات قد تتوفر لهم؟
نظرا لمحدودية اعداد اللقاحات وارتفاع اسعارها وتخزينها وامكانية تأخر وصول الامدادات، وغير ذلك من شروط لا تتوفر لدى جميع الدول، فقد تم توزيع حصص الدول على دفعات، وفي غياب المقاييس والمعايير العالمية عن الفئات التي يجب ان تحصل على اللقاح اولا، فقد اختلفت الاولويات بالنسبة للدول، لكن القاسم المشترك بينها هو عدم حصول كل افراد الشعب على اللقاح مرة واحدة، والاكتفاء بدلا من ذلك بفئات معينة من المجتمع: العاملون في الخط الامامي لمواجهة الفيروس، اي ان العاملين في القطاعات الصحية سيكونون اول المستفيدين، يليهم الاشخاص المتقدمون في السن والمعرضون للإصابة اكثر من غيرهم ثم الذين يعانون من امراض مزمنة كالسكري والسرطان والامراض التنفسية وغيرها..
اذا ما اعتمدنا على التقسيمات السابقة على انها معايير صحية دقيقة، فان الغالبية العظمى من الفلسطينيين في لبنان يحتاجون الى اللقاح. وما يؤكد ذلك المعطيات الصحية التي سبق لوكالة الغوث وان نشرتها في عامي 2010 و 2016 استنادا الى دراستين اجرتهما بالتعاون مع الجامعة في بيروت. إذ تقول الدراسة الاولى: “ان حوالى ثلث السكان يعانون من أمراض مزمنة، وكل الأسر التي لديها أحد أفرادها مصاب بإعاقة تعيش في الفقر الشديد، وان 21 بالمئة يعانون من الانهيار العصبي أو القلق أو الكآبة، والاهم من هذا كله ان 95 بالمئة من الفلسطينيين ليس لديهم تأمين صحي، ويعتمدون في صحتهم على الاونروا بشكل حصري”، التي توفر لهم فقط الرعاية الصحية، اما خدمات الاستشفاء لمعالجة الامراض الصعبة، فلها حديث آخر خارج عن سياق البحث الراهن”.
اما معطيات دراسة عام 2016 فلم تختلف كثيرا عن سابقتها، إذ “وصلت نسبة معاناة فرد واحد على الأقل من مرض مزمن في العائلة إلى 81.3 بالمئة من بين أسر اللاجئين الفلسطينيين المقيمين في لبنان، بينما بلغت 83 بالمئة بين أسر اللاجئين الفلسطينيين القادمين من سوريا. بينما يعاني عدد كبير من اللاجئين الفلسطينيين المقيمين في لبنان والقادمين من سوريا من نسب مرتفعة لجهة انعدام الأمن الغذائي الحاد والمتوسط. وهناك نسبة مقلقة تبلغ 27 بالمئة من الأطفال بين اللاجئين الفلسطينيين المقيمين في لبنان الذين يعيشون في أسر تعاني من انعدام الأمن الغذائي الشديد، وتبين أن اللاجئين الفلسطينيين القادمين من سوريا هم أكثر عرضة للخطر، حيث يتمتع 6 بالمئة فقط بالأمن الغذائي..
اليوم تطرح بين اوساط اللاجئين الفلسطينيين في لبنان الكثير من الاسئلة، حول الجهة المعنية بتوفير اللقاحات للاجئين الذين لا يزيد عدد المقيمين منهم في لبنان عن 300 الف نسمة. وخارج اطار المواقف العامة التي اعلنها اكثر من مسؤول في الاونروا بأن المنظمة الدولية تعمل وبالتنسيق مع السلطات المحلية على توفير لقاحات للاجئين الفلسطينيين، لا يمكن القول ان هناك جهة رسمية اعلنت مسؤوليتها عن هذا الامر بشكل صريح وواضح، بل ان العمل لا زال جاريا في اطار بحث الصيغ التي من خلالها سيتم توفير اللقاح للاجئين الفلسطينيين..
ووفقا للمس}ولين اللبنانيين، فقد حجز لبنان حصته من اللقاحات التي قدر عددها بأكثر من خمسة ملايين لقاح ستأتي على دفعات، وحدد الفئات التي سوف تستفيد منها خاصة الاطباء والممرضين وكبار السن والذين يعانون من امراض مزمنة، وبعضهم تحدث عن السياسيين والاعلاميين. ولم يات احد منعم على ذكر اللاجئين الفلسطينيين الذين ما زالوا ينتظرون اعلان رسمي لبناني او فلسطيني او دولي يضع حدا للتكهنات..
مبعث القلق بين اوساط اللاجئين هو احتمال تسييس وتطييف مسألة الحصول على اللقاح، كما يحدث في كل قضية محقة تتعلق بفلسطينيي لبنان، وهناك سوابق قربية وخلال مواجهة جائحة كورونا، تؤشر الى ان السياسات التمييزية ضد اللاجئين الفلسطينيين قد تتكرر اليوم مع حق الحصول على اللقاح. فخلال فترة اقل من عام برز حدثين تمييزين كانا موضع نقد فلسطيني: الاول عندما تم افتتاح مطار رفيق الحريري الدولي، بعد فترة من الاغلاق الاول، حيث سمح للمواطنين اللبنانيين بالعودة الى لبنان، فيما تم استثناء الفلسطينيين من هذا الحق، ولم يسمح لمن كان منهم خارج لبنان بالعودة الا بعد اسابيع.. والثاني هو تجاهل الحكومة اللبنانية للتداعيات الكارثية لجائحة كورونا على اللاجئين الفلسطينيين، الذين خضعوا لمتطلبات الاغلاق، كما اللبنانيين، لكن حين اقرت الحكومة لحزم دعم اقتصادي لآلاف العائلات الفقيرة، ايضا تم استثناء اللاجئين الفلسطينيين من حق الحصول على هذه المساعدات في ثلاث مرات متتالية..
ان قضية توفير لقاحات للاجئين الفلسطينيين تتجاوز في الكثير من تفاصيلها امكانية تجاهلها من قبل الحكومة اللبنانية التي لها مصلحة فعلية بمحاصرة الوباء على جميع الاراضي اللبنانية. وانطلاقا من الاعتبارات السيادية، فان الجهة المعنية بحجز اللقاحات تبقى وزارة الصحة التي قالت في اكثر من مناسبة بأن اللقاح ستكون متوفرة في لبنان بدءا من منتصف شهر شباط. وقد جاء في بيان صادر عن الاونروا انها تعمل مع الوزارة ومنظمة الصحة العالمية لتوفير اللقاح مجانا للاجئين الفلسطينيين.. وأن الأولوية في التطعيم ستعطى للعاملين في المجال الصحي والمرضى الذين تزيد أعمارهم عن سبعين عاما والذين يعانون من أمراض أخرى تزيد الخطر على صحتهم.. وقد زودت الاونروا وزارة الصحة اللبنانية بأسماء بعض الفئات من اللاجئين الذين يمكنهم الحصول على اللقاح خلال المرحلة الاولى.
ولأن الوقت ليس في صالح احد، فيصبح مطلوبا الاسراع في حسم مسألة الجهة المعنية بتقديم اللقاحات للاجئين الفلسطينيين، والعمل على تذليل العقبات على اختلافها، سواء كانت مادية او لوجستية، بشكل مبكر. وهذه مسؤولية وكالة الغوث التي يعلن مسؤولوها في المجالس الخاصة ان المسألة محسومة لجهة تولي الاونروا مسؤولية التقليح باشراف وزارة الصحة، والمسألة لا تحتاج سوى الى تفاصيل صغيرة سيعمل على تذليلها خلال الايام القادمة. لكن رغم ذلك تبقى خشية اللاجئين الفلسطينيين قائمة في الشياطين الصغيرة التي تبدو حاضرة في كل تفصيل..
فتحي كليب – 19 كانون الثاني 2021