حتى تكون الانتخابات جسرا للوحدة ومحطة لبناء النظام السياسي الفلسطيني
تاريخ النشر: 20/01/21 | 12:35جهاد سليمان
“فور عودتي الى أرض الوطن، سوف أدعو الى انتخابات عامة في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس، وسنحمل من يعترض على الانتخابات، المسؤولية أمام الله والمجتمع الدولي والتاريخ”.
بهذه الكلمات المرتجلة، ودون أي حوارات فلسطينية داخلية، أعلن رئيس السلطة الفلسطينية “محمود عباس” أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ (26 أيلول\ سبتمبر 2019)، عزمه الدعوة الى اجراء الانتخابات العامة الفلسطينية، وأتت هذه الدعوة، بعيدا عن المناخ السياسي الفلسطيني السلبي الذي كان سائدا، في ظل حالة التخبط التي تعيشها السلطة الفلسطينية، والقيادة الرسمية لمنظمة التحرير الفلسطينية.
خسرت السلطة الرهان سريعا، على إمكانية لعب إدارة الرئيس الأمريكي المنتهية صلاحيته “دونالد ترامب” أي دور إيجابي، في إعادة مسار العملية السياسية الفلسطينية، إلى المربع المفضل لها، أي المفاوضات الثنائية، التي أقفلت أبوابها، بقرار إسرائيلي أمريكي مشترك، بفعل الخطوات السريعة والخطيرة التي اتخذها رئيس الحكومة الإسرائيلي “بنيامين نتنياهو”، بالفتح على المسار الإقليمي لصفقة القرن، والتي نتج عنها فيما بعد سلسلة من اتفاقيات التطبيع الرسمية، بدأها النظام الاماراتي والبحريني فيما عرف بإتفاقية أبراهام (13 آب\ أغسطس 2020)، تلاها تطبيع النظام السوداني والاعلان عنه بشكل رسمي ببيان ثلاثي (أمريكي، إسرائيلي، سوداني) بتاريخ (23 تشرين أول \ أكتوبر 2020)، بالإضافة للنظام الرسمي المغربي بتوقيع اتفاقية رسمية مع إسرائيل برعاية أمريكية بتاريخ (10 كانون أول \ ديسمبر 2020)، وبذلك وضعت الإدارة الامريكية (الراحلة) والحكومة الإسرائيلية جميع إمكانيات العودة الى ذات المسار السابق (الفاشل)، في التعاطي مع الملف الفلسطيني، خلف ظهر الثنائي الفاشي (نتنياهو-ترامب)، ومشروعهم التصفوي للحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني، أي صفقة القرن وجوهرها مشروع الضم الصهيوني.
لم يكن (إعلان النية) أمام الأمم المتحدة، من قبل رئيس السلطة الفلسطينية “محمود عباس”، هو الأول في ظل حالة الانقسام السياسي، التي يتأرجح بينها الشعب الفلسطيني، منذ تاريخ (14نيسان \ أبريل 2007)، أي تاريخ انقلاب حركة حماس داخل قطاع غزة، وفي ظل حالة “اللانظام”، وحالة الفوضى السياسية، وفقدان الشرعية، التي تعيشها المؤسسات الفلسطينية، في كل من (السلطة الفلسطينية+ م.ت.ف)، بل سبقها العديد من المحاولات وصلت الى مرحلة اصدار المراسيم الرئاسية، وتكليف رئيس لجنة الانتخابات المركزية، بإتخاذ جميع الإجراءات والتحضيرات لإجراء الانتخابات الشاملة، بدء من المرسوم الرئاسي الذي صدر في العام (2009)، والذي دعا الى اجراء الانتخابات بتاريخ (24 كانون أول \ يناير 2010)، مرورا بإتفاق المصالحة (أيار \ مايو 2011)، وإعلان الدوحة (2012)، وإتفاق القاهرة (2012)، وبيان الشاطئ (24 نيسان \ أبريل 2014)، وبيان القاهرة (25آب\أغسطس2017) الذي نص على ضرورة اجراء الانتخابات الشاملة (تشريعية+رئاسية+مجلس وطني) في مدة زمنية أقصاها (2018).
الا ان شيئا من هذه الاتفاقات لم ينفذ، وبقيت معلقة في الهواء، في ظل حالة الترقب الشديد، التي رافقها ومع كل فشل، خيبة أمل جديدة لدى الشعب الفلسطيني، وفي مقدمته الشباب، من الأجيال التي لم تمنح منذ عام (2006)، حق ممارسة الحياة الديمقراطية في اختيار ممثليهم، والمساهمة في إعادة هيكلة النظام السياسي الفلسطيني الشامل، بما يلبي المصلحة الوطنية العليا، وقد شكل اجتماع الأمناء العامين للفصائل الفلسطينية، الذي انعقد بتاريخ (3أيلول \سبتمبر 2020)، بين بيروت ورام الله عبر تقنيات التواصل الافتراضية، بارقة أمل جديدة للشعب الفلسطيني، بجميع تلك التحديات التي فرضتها صفقة القرن، وما رافقها من إجراءات عقابية، تهدف الى تركيع الشعب الفلسطيني أينما تواجد، وفرض سياسية الامر الواقع عليه، بما يلبي مصلحة المشروع الصهيوني، المعرف عنه بمشروع “دولة إسرائيل الكبرى” اليهودية، الذي يرتكز على قاعدتين أساسيتين وهما (قانون القومية+مشروع الضم الصهيوني)، خاصة وأن البيان الختامي الذي صدر عن اعمال هذا الاجتماع، حدد بشكل عملي وواقعي، استراتيجية شاملة لمواجهة صفقة القرن ومشروع الضم من جهة، وإعادة ترتيب البيت الفلسطيني، وانهاء الانقسام السياسي، وإعادة هيكلة النظام السياسي الفلسطيني وفق مبدأ الشراكة الحقيقية من جهة أخرى.
جرى في اكثر من مناسبة تحديد الأساس السياسي والتنظيمي للاستراتيجية المطلوبة، بدء من وقف العمل بما تبقى من اتفاقية أوسلو، خاصة على صعيد التنسيق الأمني والاقتصادي مع الاحتلال الإسرائيلي، وتشكيل القيادة الوطنية الموحدة للمقاومة الشعبية، التي تضطلع بمهمة أدارة الفعل الانتفاضي المقاوم للشعب الفلسطيني، وصولا لأطلاق إنتفاضة فلسطينية ثالثة، وإنهاء الانقسام على طريق استعادة الوحدة الوطنية الفلسطينية. ورغم الكلمات الإيجابية التي ألقيت على مسمع من رئيس السلطة الفلسطينية، والأجواء الإيجابية التي أرختها على المشهد السياسي الفلسطيني، الا ان خيبة أمل جديدة أنتجتها عقلية التفرد والهيمنة في اتخاذ القرارات، من خلال اعلان حسين الشيخ ، رئيس الهيئة العامة للشؤون المدنية التابعة للسلطة الفلسطينية، بتاريخ (17تشرين ثاني\نوفمبر2020)، عن عودة العلاقات بين السلطة الفلسطينية والحكومة الإسرائيلية،من وراء ظهر منظمة التحرير ومؤسساتها، ألامر الذي ارخى بظلاله سلبا، على عملية المضي قدما في تنفيذ ما تضمنه البيان الختامي، وهذا ما ظهر بشكل سريع، من خلال التصريحات الصحفية لبعض الفصائل، التي اعتبرت بشكل واضح، أن خطوة السلطة الفلسطينية وقرارها بعودة العلاقات، هي التفافا على جميع مخرجات اجتماع الأمناء ، واستدارة خطيرة في هذه المرحلة الحرجة التي تمر بها القضية الفلسطينية، ترافقت مع تعثر الحوار بين حركتي فتح وحماس، الذي انطلق في العاصمة التركية إسطنبول، واستكمل في القاهرة، عند آلية اجراء الانتخابات، بحيث رفض المكتب السياسي لحركة حماس إعطاء الموافقة على آلية (التتالي والترابط)، مصرا على ان تكون الانتخابات وفق آلية (التزامن)، الامر الذي رفضته حركة فتح.
لاقت هذه التعثرات بيانات فصائلية، دعت الى ضرورة تذليل جميع العقبات، بحيث دعت الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، الى عدم الربط بين قرار عودة العلاقات مع الجانب الإسرائيلي، وبين استئناف الحوار الفصائلي، خاصة بين حركتي فتح وحماس، والمضي في وضع التصور المشترك لآلية انجاز الانتخابات الشاملة، ألامر الذي تم فعلا بعد موافقة المكتب السياسي لحركة حماس، على الالتزام بمبدأ (التتالي والترابط) في خوض الانتخابات الشاملة، شرط ان تقترن هذه الانتخابات بمرسوم رئاسي يحدد سقف زمني لأجراء الانتخابات، على ان لا تتجاوز ال 6 أشهر.
وبناء على هذه التطورات، أصدر رئيس السلطة الفلسطينية بتاريخ (15 كانون الثاني\يناير2021) المرسوم الرئاسي الذي حدد مواعيد إجراء الانتخابات الشاملة (التشريعية، رئاسية، مجلس وطني)، على ان تبدأ بعد خمسة شهور، في (22 مايو \ أيار) المقبل، للمجلس التشريعي، تليها في نهاية (تموز\يوليو) المقبل للرئاسة الفلسطينية، و تختتم بإنتخاب المجلس الوطني لمنظمة التحرير الفلسطينية حيث أمكن في الخارج، يضاف اليهم أعضاء المجلس التشريعي المنتخبين، وبذلك تصبح الأشهر الأربع القادمة، أشهرا دقيقة بالنسبة للشعب الفلسطيني، الذي تفاعل مع صدور المرسوم الرئاسي بشكل إيجابي، مع الاحتفاظ بهامش من القلق المجبول بالحذر الشديد، لجدية المضي قدما في انجاز هذا الاستحقاق الديمقراطي الكبير، الذي من شأنه أن يفتح صفحة جديدة ونوعية، في خيارات الشعب الفلسطيني، وحياته السياسية، وقضيته الوطنية.
ان الخطر الشديد والجدي، الذي تعيشه القضية الوطنية الفلسطينية اليوم، خاصة في ظل استمرار سياسية فرض الامر الواقع على الأرض الفلسطينية، من ناحية تصعيد النشاط الاستيطاني، وبناء الكتل الاستيطانية، واعتبارها لا تنافي الشرعية الدولية من قبل الإدارة الامريكية، وفي ظل سياسة الضم المعلنة، والتي باتت تنفذ على الأرض في الاغوار الفلسطينية، وما يشهده الإقليم من عمليات التطبيع العربية الرسمية، في تجاوز لجميع القرارات التي اتخذتها مختلف القمم العربية والإسلامية، وعلى رأسها قمة بيروت (2002)، التي وضعت تحت اقدام نتنياهو واليمين المتطرف الصهيوني.
اما كل هذا وفي ظل محاولة شطب حق العودة للاجئين الفلسطينيين وسلخهم عن هويتهم الوطنية، وذلك بإستهداف وكالة الاونروا من قبل الإدارة الامريكية، وقطع المساعدات المالية عنها، والسعي الى وضع تعريف جديد للاجئين الفلسطينيين، بحصر عددهم بما يقارب ال (40) ألف لاجئ، وهم الذين ولدوا في فلسطين، أي اسقاط صفقة اللجوء عن ما يقارب (6) مليون فلسطيني، موزعين على مختلف دول اللجوء ودول المهجر.
انطلاقا من ذلك، فعلى الكل الوطني الفلسطيني، أن يدرك حساسية ودقة المرحلة الراهنة، باعتبار الشعب الفلسطيني، مازال يناضل في اطار حركة تحرر وطني، تسعى الى انتزاع الحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني، وتقرير مصيره على أرضه، وفي دولته المستقلة كاملة السيادة، بعاصمتها القدس، وعودة اللاجئين، وفقا للقرارات الدولية ذات الصلة بالقضية الفلسطينية، وهذا ما يبني بالنسبة للشعب الفلسطيني وحركته الوطنية معادلة ذهبية تقوم على منهجية، أنه ومن أجل إنجاز التحرر الوطني، فعلى الحركة الوطنية والشعب الفلسطيني أن يتبنى ويمارس المقاومة وبجميع أشكالها، فهذا العدو الاستيطاني الإحلالي، لا يفهم الا لغة القوة، ولا يمكن ان يقدم شيئا للشعب الفلسطيني الا تحت ضغط الفعل المقاوم، وأن هذه المقاومة لا يمكن ان تستمر وتتسع وتتخذ شكلا شموليا، إلا اذا توفر لها وحدة وطنية وسياسية صلبة، تمنهجها وتضعها على مسار برنامج نضالي وطني واضح المعالم.
كما لا يمكن للوحدة الوطنية أن تقف على أرضية صلبة، الا اذا جاءت كمحصلة لعملية التشريع الديمقراطي، التي تشكل الانتخابات الشاملة احداها، بحيث تعيد ضخ الدماء الشابة، الى شرايين المؤسسات الشرعية للشعب الفلسطيني، وينتج عنها إعادة هيكلة فعلية للنظام السياسي الفلسطيني، وهذا ما يتطلب روح المسؤولية العالية، والحس الوطني المسؤول، من جميع الأطراف الفلسطينية، وعلى رأسها حركتي فتح وحماس، في اطلاق حوار وطني شامل وصريح، يعبد الطريق أمام هذا الاستحقاق الديمقراطي، ويذلل أي عقبات (داخلية او خارجية)، من شـأنها ان تعرقل هذه العملية، حتى لا تغرق القضية الوطنية أكثر في رمال التجاذبات المتحركة، وكي تكون الانتخابات جسر للوحدة ومحطة لبناء النظام السياسي الفلسطيني