ممارساتنا الوطنية هي أساس ثوابتنا
تاريخ النشر: 27/01/21 | 9:09د. ثابت أبو راس
مدير عام مشارك لجمعية مبادرات إبراهيم
أكثر من 100 عربي قُتلوا في العام 2020، وخلال الثلاثة أسابيع الأولى من بداية العام الحالي، 12 ضحية من أبناء مجتمعنا فقدت حياتها بسبب الجريمة والعنف. ونعم، هذا إرهاب مدني يعصف بمجتمعنا، لدرجة أننا فقدنا فيه الأمن والأمان الجماعي والفردي، ونلاحظه جيداً حيث بشاعة القتل والاجرام في توّحش وتوسع مستمر، ويبدو أنها ستسيطر على كل مشارب حياتنا، ولم تعد تميز بين الصالح والطالح بل تقتل الأبرياء دون هوادة.
هذا التوحش الذي يفتك بنا، ما هو إلا نتيجة واضحة لغياب سياسات حقيقية لمعالجة هذه الآفة من قبل المؤسسة، والتمييز الواضح اقتصادياً واجتماعياً حيث اتسعت دائرة الفقر، وغابت سلطة النظام والقانون، بحيث خلقت هذه الظروف مناخاً خصباً للعصابات، دون رقيب وبغض الطرف عنها بأغلب الحالات. وهذه الأسباب، أدّت برؤساء سلطات محلية عربية قيادية لتقديم استقالتهم إضافة الى الشعور بأنهم لا يستطيعون ضمان الأمن والأمان لسكان بلداتهم.
قامت الشرطة قبل سنوات بالقضاء على عصابات إجرامية في المدن اليهودية، حيث جنّدت الدولة قدراتها بما فيها قدرات الشاباك التكنولوجية، حيث وضعتها بيد الشرطة، وفعلاً، خلال عام واحد تم القضاء على عائلات الاجرام بالمجتمع اليهودي. فهل دم العربي أرخص من دم اليهودي؟
من هذه الارضية جاء الاقتراح، بقيام الدولة بمسؤوليتها تجاه المواطنين العرب، وتقديم الحماية لهم، من خلال اتخاذ قرار بالقضاء على الاجرام، ووضع كل قدراتها في يد الشرطة، وهو ذات المطلب لبعض من رؤساء السلطات المحلية.
أثار هذا الاقتراح، والذي كان مشروطا بموافقة القيادة العربية، ضجة مفهومة بين أوساط نشيطين كثر. لا شك أنه كان خروجاً عن المألوف في خطابنا السياسي، وفي البحث عن سبل لوقف شلال الدم النازف، والمستمر في مجتمعنا.
ولكن، بين هذا وبين الدعوة الى دخول الشاباك الى بلداتنا بون شاسع، وأعتقد أن الامر اختلط على البعض مما وجب توضيحه.
نحن أكثر من نعلم من هو الشاباك، ونعرف جيداً ممارساته. ومن هذا المنطلق لم نقترح أن يتولى شؤوننا كما أراد البعض فهم اقتراحنا، بل نصّ الاقتراح على استعمال أدواته ضد مجموعة صغيرة جداً ، ذات تأثير سلبي كبير على كل مجتمعنا – هم المجرمون وعصابات الاجرام.
لكننا وجدنا أن حسن النوايا لوحّدها لا تكفي، وأن اقتراحنا ممكن أن يُفهم بإعطاء الشرعية لعمل الشاباك في مجتمعنا، وأمام موقف اللجنة القطرية للرؤساء العرب الرافض للاقتراح، تم التراجع عنه سريعاً وبعد بعد 36 ساعة من طرحه على يد الجمعية.
يجدر التذكير بأن مبادرات إبراهيم، والتي تدار بالشراكة العربية اليهودية التامة، هي من أقدم وأكبر وأنشط الجمعيات في مجال مكافحة العنف والجريمة في مجتمعنا العربي ولها خبرة طويلة تعتمد بنشاطها بالأساس على التواصل مع الناس عن قرب، كذلك على الأبحاث المهنية والأكاديمية والترافع أمام مؤسسات الدولة، لوضع قضية العنف والجريمة على أجندة الجميع.
وللتذكير فقط، إن التراجع عن القرار يحسب لها ليس عليها، ففي حيزنا نادراً ما نشهد سلوكاً مهنياً مماثلاً. فالتراجع عن الخطأ فضيلة.
تعمل مبادرات إبراهيم في مجال المساواة والحياة المشتركة، وهي آخر من يدعو إلى إدخال المخابرات الى حياة الأقلية العربية، فهذا مناقضاً لمفهوم المواطنة، التي نعمل من أجلها، والبعيدة عن عسكرة المجتمع، وتشابك الامن ومفهوم الشرطة المدني – الامران اللذين يفشلا المساواة والحياة المشتركة.
كمدير مشارك للجمعية وناشط سياسي وجماهيري، كنت وما زلت أرى أن الثوابت الوطنية يجب ان تجمعنا سوية، وعلى رأس هذه الثوابت حبنا وعملنا لمجتمعنا.
فالوطنية الحقة هي ممارسة قبل أن تكون فكراً. وثقافة العطاء والانتماء لشعبنا هي الشعلة التي تنير دربنا، وفي نفس الوقت، ومن أجل بناء مجتمع واع من المهم اعتماد الحوار الداخلي، بعيداً عن التخوين والتفكير والخطاب الشعبوي.
لم نكن ولن نكون ولا مرة في الجانب الاخر لشعبنا، بل نحن ملتصقين في قضاياه دوماً، وعاملين على رفع شأنه بغض النظر عن الموقع العاملين فيه أمام سياسات عنصرية وجولات مكوكية لنتانياهو ومحاولة استغلال مأساتنا انتخابياً هناك طريق واحده ووحيدة، من الممكن أنها شاقة لمكافحة العنف والجريمة في مجتمعنا، لكن لا مفّر منها.
هذه الطريق تمر عبر تنظيم مجتمعنا، وتحصينه بطاقاته الجبارة والمغيبة واعتماد النضال الشعبي كأساس لإجبار الحكومة لتغيير سياساتها في موضوع الجريمة والعنف وفي مواضيع أخرى