الرئيس الفلسطيني يتهيأ لمواصلة الرئاسة بقلم أحمد حازم
تاريخ النشر: 29/01/21 | 8:00الحديث عن الانتخابات الفلسطينية المقبلة هي حديث الشارع الفلسطيني ورجال السياسة والأحزاب داخل السلطة الفلسطينية وفي الشتات أيضاً. وبالرغم من أن الرئيس الفلسطيني دخل النصف الثاني من الثمانينات، ومن المفترض أن يخرج للتقاعد منذ سنوات عديدة، إلا أنه على ما يبدو كله إصرار على ترشيح نفسه للرئاسة. وما دام الأمر كذلك فلا بد له من اتخاذ إجراءات تمهيدية تضمن نجاحه في الإنتخابات خصوصاً وأنه متمسك بكرسي الرئاسة، حتى يأتيه ملك الموت وهو جالس عليها.
لا أدري ما الذي يمنع أبو مازن الموجود على رأس السلطة الفلسطينية منذ العام 2005، من إفساح المجال أمام دم فلسطيني جديد شاب لتكملة المشوار؟ المفروض بالرئيس عباس أن يبرهن على أنه (الأب الروحي) الحقيقي لـ(فتح) ويلعب دوراً في خيار ديمقراطي لإيجاد شخصية مقبولة من الجميع، لتكون في موقع الرئاسة. فما الذي يمنع أبو مازن من الإقدام على هذه الخطوة؟ هل هو عدم الثقة بالآخرين؟ أو هل هو جاذبية المنصب؟ أم الرغبة في الانضمام إلى نادي الدكتاتوريين العرب كما يرى معلق سياسي عربي؟ ومع احترامنا لتاريخ الرئيس الفلسطيني الذي وصل إلى عتبة السادسة والثمانين من العمر، فإن أكثر ما يميز إنجازاته السياسية هو الدور الذي لعبه في التوصل لاتفاق أوسلو، ولذلك من المفروض أن ينهي حياته السياسية بطريقة تسجل له في التاريخ الفلسطيني والعربي من خلال تنحيه عن السلطة طوعاً وإعطاء الجيل الجديد الفرصة بدعم منه كقيادي كبير. فهل هذا أمر صعب يا سيادة الرئيس؟
في كل جمهوريات العالم يتم انتخاب الرئيس لدورة واحدة أو لدورتين على الأكثر، باستثناء بعض الدول العربية. ويبدو أن الرؤساء العرب (وبينهم أبو مازن) نسوا أنهم بعيشون تحت نظام ديمقراطي أوصلهم للرئاسة، وهو نفسه النظام المفروض أن يوصل غيرهم ديمقراطياً، وليس نظاماً يجيز لهم التمسك بكرسي الرئاسة كما يشاؤون.
الزعيم الإفريقي نلسون مادديلا هو مثل يقتدى به للنضال الصادق. وعندما تم انتخابه بالإجماع رئيساً لوطنه جنوب إفريقيا في العام 1994 استمر في ممارسة مهامه الرسمية في خدمة شعبه. وبعد انتهاء ولايته في العام 1999 رفض قبول التجديد له كرئيس، وفسح المجال لغيره من القديرين على إدارة وحماية الوطن. فلماذا لا يأخذ عباس ماانديلا نموذجاَ كرئيس، ويعتبره فقط نموذجاّ في النضال؟
على أي حال، ما دام الرئيس عباس مصر على ترشيح نفسه، فلا بد له من اتخاذ إجراءات تؤمن له النجاح بأي ثمن. وبالرغم من وجود شخصيات فلسطينية (فتحاوية) لديها الرغبة في ترشيح نفسها لانتخابات الرئاسة الفلسطينية كونها محبة للتغيير، إلاّ أن إصرار عباس على ترشيح نفسه يحول دون ترشيح هؤلاء، لأنهم لو رشحوا نفسهم فيمكن أن يشكلوا خطراً على قيادة عباس. ولذلك، وبناءْ على معلومات تسربت من اجتماع مع قيادات فتح في السادس والعشرين من هذا الشهر، فإن أبو مازن استخدم لغة التهديد والوعيد بحق كل شخص فتحاوي يرشح نفسه منافساً له.
وما دام الشيء بالشيء يذكر، يتساءل بعض المراقبين عما إذا كان محمد دحلان القيادي الفتحاوي المنشق عن رام الله والموجود حالياً في الإمارات، ستتاح له إمكانية خوض الانتخابات، علماً بأن دحلان مدعوم أيضاً من السيسي وإسرائيل. لقد تسربت في الأيام الأخيرة معلومات تتحدث عن وجود تفاهم بين دحلان والسلطة الفلسطينية فيما يتعلق بالانتخابات وعودة دحلان إلى رام الله بناءً على ترتيبات معينة. هذا الأمر نفاه كلياً قيادي فلسطيني عضو في اللجمة التنفيذية لمنظمة التحرير، في مكالمة هاتفية أجريتها معه، و نفاه أيضاً ( فتحاوي) عضو سابق في المجلس المركزي خلال حديث هاتفي معه أيضأً. لكن الأخير أقر بوجود وساطات من جهات عربية لمصالحة دحلان مع عباس الذي أصر على بقاء دحلان خارج رام الله. لكن في السياسة لا يوجد شيء ثابت ويمكن أن يتغير كل شيء.
الباحث الفلسطيني محمد المشارقة مدير مركز (تقدم) للسياسات في لندن وهو مقرب من القيادة الفلسطينية، يقول: “إن النظام الفلسطيني قد انتهى تركيبه، بتوزيع مقاعد التشريعي الـ132، بواقع 60 نائبا لحركة فتح و60 نائبا لحماس و12 مقعدا توزعها فتح على فصائل منظمة التحرير، على أن يتولى جبريل الرجوب قيادة المجلس، فيما الرئاسة ستكون دون تنافس لعباس”. ويقول مشارقة:” سيتم تمكين حماس من قيادة المجلس الوطني لمنظمة التحرير برئاسة القيادي الحمساوي خالد مشعل. ويبدو من خلال هذه التركيبة أن محمود عباس هو مرشح فتح وحماس للرئاسة، ما يعني وجود اتفاق مسبق بين الجانبين، مما يعزز الإنطباع على نية الطرفين في الحفاظ على الواقع الفلسطيني الراهن.
الرئيس عباس أصدر في وقت سابق من هذا الشهر مرسوما بإجراء أول انتخابات تشريعية ورئاسية، وحدد المرسوم الرئاسي يومي الثاني والعشرين من شهر مايو/أيار والحادي واثلاثين من يونيو/حزيران هذا العام موعدين للانتخابات البرلمانية والرئاسية على التوالي، وحدد نهاية أغسطس/آب موعداً لانتخابات الهيئة التشريعية لمنظمة التحرير.
في مطلع الشهر القادم ستلتقي الفصائل الفلسطينية مجدداً في القاهرة لبحث موضوع الانتخابات الفلسطيتية. ويرى محللون فلسطينيون أن السلطة الفلسطينية مطلوب منها أن تكون جاهزة خلال اللقاء لتقديم تفسيرات واضحة المعالم عن التعديلات التي أدخلها عباس على السلطة القضائية والمتعلقة بقانون الانتخابات، وقانون القضاء في الجزء المتعلق بمرجعية محكمة الانتخابات وآليات تشكيلها، وسلطة المحكمة الدستورية على المجلس التشريعي، والتي أصبحت تحت أمرة الرئيس. فهل ستكون الانتخابات الفلسطينية المقبلة نزيهة بكل معنى الكلمة في ظل هذه التغييرات والوقائع والترتيبات، رغم مشاركة مجموعة مراقبين عرب ودوليين في الإشراف على سير الانتخابات؟ هذا بالطبع إذا جرت عملية الانتخابات.
أحمد حازم