هل التاريخ يُعيد نفسه؟
تاريخ النشر: 14/10/11 | 23:05اعتقد جازماً ان التاريخ لا يُعيد نفسه كما يدعي البعض من المؤرخين او دارسي التاريخ، فالتغييرات التي تحدث لا يمكن ضبطها ومقارنتها مع التغييرات التي حدثت، حتى اننا لا نستطيع ان نتنبأ كمفكرين وأدباء وعلماء اجتماع ونفسيين وانتروبلوجيين ان يحدث حدث تاريخي ما حدث شيئٌ في الماضي شبيهٌ له، لان السياقات (קונטקסטים) والظروف التي كانت في الماضي لا تشبه السياقات الآنية والظروف الحالية، ومن هنا نستطيع القول ان الناس ايضاً مختلفون في كل عصرٍ وفي كل زمان، فكلِ انسان فلاحٌ كان، او عاملٌ او صاحب مهنة او معلماً او قائداً او رئيس دولة او حكومة او وزيرٌ ما، له خصوصياته ورغباته وبصماته الخاصة، وهكذا خلق الله البشر مختلفون في الجوهر، فلا يمكن ان نجدُ انساناً يُشبه الاخر في تصرفاته، فيجب ان نُفرق بين الخلقة والخُلُق، فالله سبحانه وتعالى قد يخلقُ اناساً متشابهينَ مثل التوأم في صورتهم الخارجية، واقصد الخِلقة، فهناك الاسمرُ والابيض، وهناك القصير والطويل، وهناك اختلاف وتشابه في هذا المجال او الصورة الخارجية، فلا يمكن للانسان ان يُغير صورته وخلقته لان الله خلق هذه الصور متشابهه او مختلفة، ولله في خلقه شؤون.
اما الخُلق واعني الصورة الداخلية لكل انسان فهي غير متشابهه، ولا يمكن ان تكون متشابهه، لان الله سبحانه وتعالى كرّم كلِ انسان ومنحهُ عقلاً ووجداناً وقلباً، وشعوراً يختلف عن الآخر. ومن هنا تخرج التغييرات المُعد لها او المفاجئة، وذلك حسب مزاج واطباع وظروف كلِ انسان.
وبعد هذه المقدمة اريدُ ان اتطرقُ للاصطلاح الذي يُردد في الاعلام وعند الناس، وحتى المفكرين منهم والذي يسمى بربيع الشعوب العربية.
والسؤال هو: هل يوجد تشابه بين الاحداث التي حدثت في منطقتنا والتغييرات اذا كانت بالاصل تغييرات الى الاحسن او الى الاسوء؟ وهل يمكن ان نسمي هذه التغييرات بربيع الشعوب العربية؟ هل تعلمون ماذا حدث في سنة 1848 في دول اوروبا الغربية والتي تسمى سنة ربيع الشعوب؟
اريد اخي القارئ ان ابين بعض المعلومات عن ربيع الشعوب كدارس موضوع التاريخ لكي يستطيع القارئ والمتلقي من وسائل الاعلام سواءً كانت مكتوبة او مرئية او مسموعة ان يقارن ماذا يحدث اليوم وماذا حدث قبل 161 عاماً أي سنة 1848.
والسؤال هو ماذا نعني بربيع الشعوب؟
ربيع الشعوب 1848 (السنة المجنونة)
تعرف سنة 1848 بسنة ربيع الشعوب, ففي هذا العام نشبت ثورات في معظم دول اوروبا الغربية والوسطى. هذه الثورات عبرت عن الشعور القومي, وعارضت قرارات مؤتمر فينا الرجعية. وهكذا فقد وصل الصراع بين التقدميين والقوميين والاحرار وبين الرجعيين الى القمة في هذه السنة, فقد كانت معظم اوروبا في وضع مضطرب, ولهذا يمكن ان نطلق على هذه السنة “السنة المجنونة”.
كانت ثورة فبراير 1848 في فرنسا الشرارة التي اشعلت تيار الثورات الاخرى في انحاء اوروبا, فقد نجحت هذه الثورات بالقضاء على الحكم الملكي الدستوري الجمهوري الثانية في فرنسا.
باعقاب ثورة فبراير في فرنسا قامت اضطرابات في فينا, وهرب مترنيخ الذي لُقب بشيطان الرجعية الى لندن, كذلك قامت ثورة مجرية تطالب بالحكم الذاتي في اطار الامبراطورية النمساوية. كذلك حدثت ثورة في براغ في بوهميميا بلاد التشيك, ثم حدثت اضطرابات في برلين ومعظم الدويلات الالمانية الصغيرة, ثم ثورات في هولندا والدنمارك, وثورات في جميع الدويلات الايطالية مطالبين بالاستقلال والوحدة, حتى ان سكان البندقية طردوا النمساويين من بلادهم, ثم ان ملك سردينيا اعلن الحرب على النمسا وحاول طرد النمسا من ايطاليا, وارسلت الدويلات الايطالية المساعدات المادية والعسكرية والمعنوية لسردينيا.
حقيقة يجب ان نذكرها ان معظم ثورات ربيع الشعوب فشلت ولم تحقق اهدافها التحررية والقومية. فقد استطاع الرجعيون المحافظون الانتصار من ناحية عسكرية على المعسكر اللبرالي التقدمي, واخمدت معظم الثورات. ويعود هذا الفشل الى عدم تأييد طبقات الدنيى (السفلى) (العمال + الفلاحون) للطبقة الوسطى البرجوازية التي قامت بهذه الثورات, وهذا بعكس الثورة الفرنسية فقد كانت البرجوازية والعمال والفلاحين بمثابة طبقة واحدة وقد نفذ العمال والفلاحون اوامر الطبقة البرجوازية. ولكننا نرى الان عكس ذلك فقد زادت الشكوك بين البرجوازية وبين البروليتارية (الطبقة العاملة المثقفة) + الفلاحون, وقد بدأت تظهر الاراء الاشتراكية بوضوح في هذه الفترة, تلك الاراء التي كانت تخدم مصالح الطبقة السفلى وتعارض الافكار البرجوازية الرأسمالية.
صحيح ان الاحرار فشلوا فشلا ذريعا في ثورات ربيع الشعوب, ولكن هذه الثورات اعطت درسا للقوى التحررية في كيفية الوصول الى الهدف. ولم يقف القوميون عند هذا الحد فقط, بل ظلوا يطالبون ويطالبون حتى حصلوا على اهدافهم القومية. وباعقاب فشل الثورات الليبرالية في 1848 ظهر زعماء اقوياء تسلموا زمام الامور, فقد ظهر نابليون الثالث في فرنسا, وظهر كافور في ايطاليا, وبسمارك في المانيا.
1- اخي القارئ بعد ان تعرفت ماذا حدث في هذه السنة المجنونة وانتفاضات الشعوب الاوروبية نلاحظ ان هناك فرق شاسع بين الاسباب للانتفاضات في ذلك الزمان والانتفاضات في هذا العام المبارك او الغير مبارك.
2- هل نجحت ثورات ربيع الشعوب آن ذاك ولماذا لم تنجح؟ وهل نجحت في تحقيق اهدافها وبعد فترة طويلة من الزمن وخاصة اهدافها القومية.
3- هل كانت هذه الثورات مفاجئة او كانت هناك محاولات تم اخمادها ولكنها ظلّت الاهداف كامنة في النفوس حتى تحققت.
4- من هي الشخصيات الفاعلة في ذلك الزمان؟ ومن هي الشخصيات الفاعلة في هذا الزمان؟ هل هناك تشابه بين هذه الشخصيات؟ وهل تغيرت الوجوه وبقي الجوهر الناس الفاعلة على الساحة اسوء او احسن من الوجوه التي خُلعت والاقنعة التي كشفت عن الوجوه الحقيقية للحُكام العرب.
5– تذكر اخي القارئ ان هناك بعض امثال عربية يجب ان نتذكرها في هذه المناسبة:
المثل العامي القائل: جينا تا تنكحلها عميناها.
المثل الثاني: يا فرحة ما تمت
المثل الثالث: اجا تا ينط على الجحش اجا من الناحية الثانية قال: هيك بقينا
لا اريد ان انهي مقالي بهذا الشعور اليائس ولكن يجب ان ننتظر ماذا سيحدث غداً ونرجو ان يكون الغد افضل من اليوم، فالمحاولة للتغيير بحد ذاتها هي جيدة ولكن يبقى السؤال وماذا عن الطبقات المغلوبة على أمرها؟ هل ستبقى هذه الطبقات ترزخ تحت نير الحكام الجدد؟ وهل هؤلاء الحكام المتنورين الذين ينادون بالديمقراطية سيتخلون عن هذه الشعارات عندما يركبون سرج الكرسي وستذوقون طعمه؟
تعلمت من هذا المقال عن ثورات ربيع الشعوب الاصلية ولم اكن اعرف ماذا يعني هذا الاصطلاح وشكرا لــ الاستاذ فؤاد كبها على هذه المعلومات التاريخية الرائعة والعلمية واكثر ما اعجبني في هذا المقال مقدمته وخاتمته التي انتهت بـ اسئلة للتفكير وامثال عربية سمعتها لاول مرة.