– إستعراض لقصَّة ( عفيف يُحبُّ الرَّغيف ) للأطفال – للأديب الأستاذ سهيل عيساوي –
تاريخ النشر: 16/02/21 | 9:55( بقلم : الدكتور : حاتم جوعيه – المغار – الجليل – فلسطين )
مقدّمة : تقعُ هذه القصَّةُ في 24 صفحة من الحجم المتوسط ، تأليف الأديب القدير الأستاذ سهيل إبراهيم عيساوي ، رسومات الكتاب بريشة الفنانة التشكيليَّة فيتا تنئيل ، حقوق الطبع محفوظة للمؤلف .
مدخل : تتحدَّثُ هذه القصَّةُ عن طفلٍ شقيٍّ يُحِبُّ المغامرات وطرحَ الإستفسارات ( كما يصفهُ الكاتبُ) اسمه عفيف وعمره 4 سنوات .
وحدثَ أن دخلَ هذا الطفلُ المطبخَ فوجدَ أمَّهُ مشغولةً في تحضير العجينِ فسألها : ماذا تصنعين ؟؟ …. فأجابتهُ : إنّها تعجنُ العجينَ ثمَّ ستخبزهُ وتصنعُ منهُ رغيفَ خبز..فاستغربَ الطفلُ كثيرا من كلامها وكيف سيتحوَّلُ العجينُ إلى خبزٍ وكأنَّ هذا عملٌ سحريٌّ… وبالطبع إنَّ كلَّ طفلٍ صغير سيستغربُ ويتعجَّبُ عندما يرى لأولِ مرةٍ كيف يتحوَّلُ العجينُ إلى أرغفة خبزشهيّةٍ بعد أن يوضع في الفرن وينضج .هذا وصاح الطفلُ عفيف بلهفةٍ وبصوتٍ مرتفع : كيف يحدثُ هذا يا أمِّي . فأجابتهُ أمُهُ شارحةً لهُ بالتفصيل كلَّ هذه العملية والمعادلة ( منذ زراعة حبات القمح حتى عجن الدقيق وخبزه وخروجه من الفرن خبزا شهيًّا )) : إنَّ الفلاحَ يبذرُ حبَّات القمح في الأرض في بدايةِ فصل الشتاء وبعد أن يهطلَ المطرُ تنمُو هذه الحباتُ وتعلو وترتفعُ ويصبحُ عليها سنابل جميلة..وفي بدايةِ فصل الصيف تنضجُ السنابل ويحصدُ الفلاحُ هذه السنابل التي في لونِ الذهب بواسطة الحاصدة الكبيرة ( وذكرت الأمُّ الحاصدة ولم تقل المنجل أوغيره من أدواتِ الحصادِ اليدويّةِ البدائيَّة التي كانت تستعمل قبل عقود من الزمن .. لأنَّ في يومنا هذه يُحصَدُ القمحُ وغيره من الحبوب بواسطةِ الحاصدة الحديثة والعملاقة . وأما قديما..بل قبل أكثر من 50 سنة كان قسمٌ كبير من الفلاحين في مجتمعنا يحصدون القمحَ بالأيدي وبواسطة المنجل وغيره)) . ثم يطحنُ القمحُ ويصبحُ دقيقا ، وبعد ذلك يعجنُ ويُخبزُ في الفرن ليصلَ بعد ذلك إلى الأيدي والناس أرغفة خبز شهيَّة ولذيذة الطعم تسدُّ الجوع وتغني المائدة . وكما يصنعُ من دقيقِ القمح (القمح المطحون) كلَّ أنواع الكعك والحلويات. … وبعد ان أنهت الأمُّ كلامَها فرحَ عفيفٌ كثيرا وبدأ ينتظرُ خروجَ رغيف الخبز من الفرن بفارغ الصَّبر . وبعد أن نضجَ الرغيفُ قالت لهُ أمُّهُ : تفضَّل يا عفيف الرغيفُ السَّاخنُ يضحكُ لكَ … وربما قد استلهمَ واستمدَّ الكاتبُ الأستاذ سهيل هذه العبارة البلاعيَّة ( الرغيف يضحكُ لك ) من هذه الجملة والمثل الشعبي الدارج ( فلان لا يضحكُ للرغيفِ السَّاخن )… لأنَّ رغيفَ الخبز عندما يخرجُ مباشرة من الفرن يكونُ منظرُهُ جميلا ويفرحُ ويبهجُ القلب ويثيرُ الشهيَّة، وخاصة لكل شخص جائع .. وأما الإنسان اللئيم والحقود والعابس فلا شيىء يفرحهُ ويجعلُ الإبتسامة ترتسمُ على وجههِ ، وحتى رغيف الخبز الجميل والشهي والفاتح للشهيَّة ( لأن رغيف الخبز الساخن والجميل وهو خارج من الفرن يجعلُ كل شخص يفرح ويبتسم ، وخاصة إذا كان جائعا . وقبل عقود وقرونٍ كان الكثيرُ من المجتمعات والشُّعوب تُعاني من القلة والفقر ، وبمجرد رؤية رغيف الخبز وهو خارج من الفرن أو التنور سيثيرُ السعادةَ والسرورَ والشهيَّة لكلِّ إنسانٍ وشخصٍ فقيرٍ بائسٍ جائعٍ ومعدته فارغة .
هذا وأكل الطفلُ عفيف كسرة من الرغيف ( ولم يقل الكاتبُ لقمة أو قطعةً للإشارة إلى الكمية القليلة ) وشعرَ بحلاوةٍ في لسانهِ .
والجديرُ بالذكر انه يوجدُ في الخبز نسبةٌ وكميَّة معيَّنة من السكر ، وعندما يتأخرُ الطفلُ أو أيُّ شخصٍ قليلا في عمليةِ مضغِ لقمةِ الخبز يصبحُ طعمُ الخبز حلوا في الفم ..وهذه الظاهرةُ يعرفها الأطفالُ جيدا من خلال التجربةِ والممارسة ..فالأطفال الصغار يُحبُّون الحلويات والسكاكر كثيرا وكل شيىء فيه مذاق وطعم الحلاوة ، ولهذا عندما يتناولون قطعة الخبز يتأخرون قليلا في عمليةِ المضغ مع التجربة ليصبحَ طعمُها أكثرَ حلاوة ويستمتعون أكثر في المذاق والطعم . وبعد ان شعرَ وأحسَّ عفيف بحلاوةٍ تحت لسانهِ عندما تناولَ بعض الكسرات من الرغيف قفز من مكانه قائلا بحماس :
( أريدُ أن أزرعَ القمح بنفسي في حديقة بيتنا ولكي أراقبَ يوميا عن قرب حبَّات القمح وهي تنمو وتكبر ، حتى تصبحَ سنابلَ تحملُ حبَّات القمح السمينة التي في لون الذهب ، وبعد ذلك سنطحنها ثمَّ نخبزها في فرننا وسنوزِّع الخبزَ الشهيَّ واللذيذ والطازج على الجيران والاقارب والأصدقاء والأصحاب. وسنطعم ُالعصافيرَ أيضا ) ( صفحة 16) . يُشيرُ الكاتبُ على لسنان بطل القصة ِ إلى مَحَبَّةِ الحيوانات والإهتمام بها والشفقة عليها ، وأن الطيور تأكل فتات الخبز) . فابتسمت الأمُّ وهزَّت رأسَها مؤيِّدةً وفرحة من فكرةِ عفيف الجميلة والبريئة . وفي الحال أحضرت لهُ حفنة كبيرة من القمح من الجرَّة القديمة ( ذكر الكاتبُ الجرَّة القديمة ولم يذكر إسم وعاء آخر يستعملُ اليوم ، مثل : المرطبان ،الصندوق ، التنكة ، الدلو ..إلخ ) ..وربما ليذكِّرَ الطفلَ وكلَّ الاطفال الصغار اليوم بالتراث والأدوات والأواني التي كانت تستعملُ عندنا وفي مجتمعنا قبل عشرات السنين، والتي كانت تخزن فيها المواد الغذائية كالقمح والحبوب وغيرها.. وأما اليوم فلا تستعملُ الجرار الفخارية والأباريق والخوابي الفخاريَّة إلا نادرا .
هذا ثمّ هرولَ عفيف وأمُّهُ ومعهما المعول ( ويسمَّى المنكوش بالعاميّة والرفش باللغة الفصحى ) .. وكلمة معول مفهومة للطفل ولكلِّ شخص .. وبذرَ عفيف حبَّات القمح القليلة في شقوق الأرض وقلبهُ وأساريرُهُ ووجدانه مترعة ومملوءة بالسعادة والغبطة والفرح . ومن شدّةِ التعب بعد ذلك نام عفيفٌ من دون غطاء ( كما يصف الكاتبُ حالته بعد أن أنهى عمله من زراعةِ حبات القمح ) ، وكان يحلمُ بسنابل القمح تتمابلُ وتتحرَّكُ مع الريح والشمس تحرسُ الحقلَ والعصافير في انتظار موعد موسم الحصاد ، ورغيف الخبز يبسمُ لهُ ويقول : تفضَّل يا عفيف ) .
وتنتهي القصةُ هنا هذه النهاية الرومانسيّة الشاعريّة المفتوحة والجميلة والسعيدة حيث استعملَ الكاتبُ هنا جملا شاعرية وعبارات بلاغيَّة مُنمَّقة .
تحليلُ القصّة :هذه القصَّةُ مثل جميع القصص التي كتبها الاستاذ سهيل عيساوي للاطفال تمتازُ وتتحلى باللغةِ الأدبية الجميلة والمنمقة والسهلة والممتعة والسلسة ، وفيها الكثيرُ من التعابير البلاغيَّة والصور الشعريّة الخلابة والمبهرة للجميع وحتى للطفل الصَّغير. والجديرُ بالذكر ان قصص سهيل عيساوي للأطفال تختلفُ عن بعضها من ناحية المواضيع حيث كل قصَّة يكتبها تتحدثُ عن موضوع يختلفُ كليًّا عن القصَّةِ التي قبلها .. وكان لي الشرفُ في كتابةِ أكثر من 13 دراسة لقصص صدرت له للأطفال بالإضافةِ إلى دراساتٍ لكتبٍ أخرى له في مجال التاريخ والأدب ..ولم يكن عندي أيُّ تكرار وإعادة واجترار في النصوص النقدية والإستعراض، لأنّهُ في كلِّ قصةٍ جديدة يجدِّدُ ويبتكرُ ويتخذُ موضوعًا جديدا وينتهجُ منحى مختلفا ويولجُ عالما آخر يُبهرُ فيه القرَّاء وَمُحِبِّي الأدب ، مع المحافظة والإتزام في نفس الوقت على المستوى الفني والجمالي العالي والراقي ، والمحافظة على اللغة الأدبيَّة الجميلة والمنمَّقة والسلسة والإنسياب والتسلسل الجميل في المعاني والمشاهد الدراميَّة في مجرى القصة..فكلُّ مشهدٍ ومقطع دراميٍّ عنده عبارةٌ عن لوحةٍ جميلةٍ خلابةٍ تحوي في داخلها وطياتها العديدَ من العناصر والأهداف والأبعاد: الجمالية والمعنويَّة والموضوعيه والفكرية والتعليميِّة .
إذا نظرنا من الناحيةِ الخارجيّة والشكليّةِ للقصّة فهذه القصَّة مزيج بين السرد والحوار (ديالوج ) ..بيد أنَّ عنصرالسرد هو الغالب والمهيمن فيها .
يستهلُّ الكاتبُ القصَّة بالتعريف على بطل القصَّة ( الطفل عفيف ) وبأسلوب سردي وأنه طفل يحبُّ ويريد المغامرت ويكثر من الإستفسارات … وبعدها ينتقل وبشكل مباشر وسريع إلى مشهد جديد عندما يكون الطفلُ عفيف في الطبخ ، يحدثُ ويجري حوارٌ جميلٌ طريفٌ بين الطفل وأمِّهِ ويطرح عليها عدة أسئلة هامة وتجيبهُ عليها ،بدورِها، بمحبَّة ورحابة صدر. والأسئلة عن كيفيَّة صناعة الخبز .. وكيف العجين يتحولُ إلى حبز ..إلخ.. …ولقد ذُكرِ هذا في بداية استعراض أحداث القصّة .
ولهذه القصَّة أهداف وأبعاد عديد ة وهامَّة، وفيها تكتملُ الجوانبُ والأسس المطلوبة وتتجلى الرسالةُ المثلى للطفل.. والتي من المفروض أن تكون موجودة في كل عمل وفي كل قصّةٍ تكتبُ للأطفال.
هذه القصَّة يشوبُها عنصرُالتشويق، وهي ممتعة وترفيهيَّة ومسليَّة للأطفال وحتى للكبار.. وتدخلُ للجميع السَّعادةَ والغبطة والسرور..عدا انها قصَّة مُسَليّة وَمُرفّهة من الدرجة الأولى(وهذه من أولى المهام والأسس التي يجبُ أن تكون موجودة في كل قصة تكتبُ للأطفال..ومن واجب كلِّ كاتب وأديب للأطفال أن يتقيدَ ويلتزم بها قبل كل شيء..أي بالجانب الترفيهي والمسلي وأن يعمل على تسليةِ وترفيهِ الطفل وأسعادهِ وإدخال الغبطة والفرح والبهجة ثم الإرتياح والإطمئنان إلى قلبه ونفسيَّتِهِ ووجدانه) يوجدُ فيها جوانب وأهداف وأبعاد أخرى هامة .
نجدُ في هذه القصَّة الجانب التعليمي حيث تعلم الطفلَ دروسا في الطبيعة وكيفية زراعة القمح ..وكيف ينمو القمحُ ويكبر ويحملُ السنابل ،وبعدها في فصل الصيف يُحصدُ ويُجمعُ ويخزنُ القمح ثم يطحنُ ويتحول إلى طحين ودقيق. وبعدها يعجن ثم يوضع في التنور أو الأفران ويتتحوَّلُ إلى أرغفة خبز شهية يحبُّها الجميع . ويصنع من القمح أيضا الكعكك والحلويات . وهذه المعلوماتُ البسيطةُ والمعروفة للكبار قد لا يعرفها معظمُ الأطفالِ الصغارالذين دون سن الخامسة…وحتى بعض الأطفال الذين فوق سن ال8 سنوات .. و قد يستغربُ أيُّ طفل صغير لأول مرة عندما عندما يرى أمَّهُ او أيَّ شخص يخبزُ كيف يضعُ العجين الأبيض في الفرن فيتحول مباشرة إلى خبز جميل وشهي للاكل..وكأنَّ هذاعملٌ سحري وغيرعادي وطبيعي .
وَتُعَلّمُ هذه القصَّةُ الأطفالَ حُبَّ العمل والكفاح وحب الأرض والفلاحة والزراعة . فالأرضُ هي الهويّةُ والإنتماءُ والبقاء والكرامة والإباء ..أي أن هذه القصة فيها الجانبُ الوطني والإنساني . ويذكرُ الكاتبُ في القصَّة بعضَ الأدواتِ المنزليَّة الشعبيَّة التي كانت تستعمل عندنا وفي مجتمعنا قبل عشرات السنين كالجرَّة الفخارية والتي كانت أمُّ الطفل عفيف تضعُ فيها حبوبَ القمح .. الجانب التراثي والشعبي والفلكلوري المهدد على مرِّ الزمن بالتلاشي والإنقراض ..
وفي هذه القصةِ القليل من العنصر والجانب الفانتازي الخيالي الذي يضيفُ لكلِّ قصَّةٍ سواء للاطفال أو للكبار جماليّةً ورونقا خاصًّا وإشعاعا ووهجا مميزا يمنحُ القصَّة التألقَ والتميُّز ويرفعها من حيِّز ومجالِ الكلام والسرد العادي إلى مصاف وسماء الروعة والإبداع ..ويبدو هذا الجانب في نهايةِ وخاتمة القصَّة وبشكل سردي على لسان الكاتب ، وذلك عندما كان الطفلُ عفيف يحلمُ بعد أن نامَ من دون غطاء ومن دون تهليل لتعبهِ بعد أن أنهى عمله ومهمَّتهُ بزراعة القمح في الحديقة .. فاستعملَ الكاتبُ في هذا المشهد وهذه اللوحةِ جُملا رومانسيَّة شاعريّة ، وفيها الفحوى والخلاصة وهدف الرسالة التي يريدها الكاتبُ . يتحدثُ الكاتبُ عن الزراعة والنمو والنضوج والحصاد ( دورة الطبيعة.. قدوم فصل الشتاء وحراثة الارض وبذر حبوب القمح وَنُموّها وترعرها ونضوجها وقطفها وحصادها وطحنها ثم تحضير العجين ، وبعد ذلك عملية وضع العجين في الأفران ليتحوَّلَ ويصبحَ أرعفة خبر وغذاء وطعاما شهيًّا .
هذه القصةُ قصيرةٌ في مساحتها الجغرافيّة ، لكنها عريضة وواسعة في أهدافها وأبعادها الجماليّةِ والإنسانيّة والأدبيّة والتعليميَّة. ومن أهدافها الهامة انها تُدخلُ إلى الطفلِ روحَ المثابرة والديناميكية والنشاط وحُبَّ العمل وحبَّ وعشق الأرض والوطن والإعتناء والإهتمام بالأرض وزراعتها ولكي لا تبقى مهملةً ومقفرةً لا تعطي ولا تنتجُ ثمارا وغلالا.
ويظهرُ في القصَّة الجانبُ الإجتماعي والإنساني والمشاعرُ الرقيقة والجيَّاشة والعواطف السامية ليس فقط بين الأنسان وأخيه الإنسان بل أيضا للحيوانا ت والمخلوقات الأخرى ، وذلك عندما يتحدثُ الكاتبُ على لسان الطفل عفيف…وأنه بعد أن ينضج القمحُ ويُحصد ويدرس ثم يطحن ويصبح دقيقا سوف يعجنهُ ويخبزه..وسيهدي ويطعم أرغفة الخبز للأقارب والجيران والأصدقاء..وحتى للطيور ..( تظهر هنا مَحبَّةُ الحيوانات والشفقة عليها من قبل الاطفال أيضا ) .
ويظهرُ في القصَّة بوضوح عاطفةُ الأمومة القويّة ومحبةُ الأم لأطفالها والتضحية لأجلهم … وكيف أنَّ الأمَّ تعاملُ طفلهَا الصغير بمنتهى الحنان والرِّقَّةِ والإحترام ..وتعملُ على تقويةِ شخصيته منذ بدايتهِ ونشأته الأولى وبإدخالٍ الثقة إلى نفسيتهِ،وانه إنسان له شخصيتهُ ولهُ رأيهُ الصحيح وفكرهُ المنطقي والثاقب ، وبالأمكان أن يُستشار في كل أمرٍ وموضوع مهما كان وأن يُعتمدَ عليه..ويظهر هذا جليًّا عندما تصنعُ وتحضرُ الأمُّ رغيفَ الخبز الشهيّ وتقدمه لطفلها وحبيبها .وتقول له : تفضل يا عفيف .. وهذه العبارة وهذا المشهد يجعلُ كلَّ طفل يشعر عندما يقرأ أو يستمع للقصَّة أن جميع الامهات يحبون أطفالهنَّ ويحترمونهم وَهُنَّ حريصات جدا على مشاعر أطفالهن وراحتهم وسعادهم ..وعلى تأمين وتوفير كل شيىء لهم وإعطائهم كلما يحتاجونهُ، وخاصة الطعام..وأيضا تلبية طلباتهم ورغباتهم وطموحاتهم في اللعب أو في أي مجال ونشاط وطموح يصبون إليه .ومثال على ذالك : عندما أراد الطفلُ عفيف أن يزرعَ حبات القمح في حديقة منزله لكي تنمو وتكبرهذه الحبات ويصبح عليها سنابل وتنضج وبعدها سيحصدها ثم تطحن وتعجن ثم يخبزها ويصنع منها أرغفة خبز ..فاستجابت أمُّهُ لطلبهِ برحبابة صدر ونفذت له كلَّ ما يريد .. فالأهلُ وخاصة الأم هي دائما تحبُّ أن تلبي طلبات ورغابات أطفالها .ويهمُّهَا جدا إسعادهم .
هذه القصَّةُ قصيرة من ناحية المسافة الجغرافية – كمعظم القصص التي تُكتبُ للأطفال – مع أن هذا لا يعيبُهَا . وكان بإمكان الكاتب أن يتوسعَ أكثر ويدخل شخصيات أخرى هامة ومحورية في القصة مثل : شخصيَّة الأب الذي لم يكن له أيُّ ذكر ووجودٍ في القصّة. وأن يدخلَ أسماء وشخصيات بعض الإخوة للطفل عفيف ..أو بعض الأصدقاء والجيران فتصبح القصة أطول وأشمل ، وربما تكون مُمتعةً أكثر للطفل . ونجد أن العنصرَ الفنتازي الخيالي فيها ضعيفا وَهَشًّا أيضا .
الخاتمة : هذه القصةُ جميلةٌ وشائقةٌ وترفيهيّةٌ من الدرجةِ الاولى ومُشعَّة بأبعادِها الجماليَّةِ وناجحة في جميع المقاييس والمفاهيم الأدبيَّة والذوقيَّة والنقديَّة..وهي تدعو إلى تقويةِ النسيج الإجتماعي وتوطيدِ وتعميقِ الوشائج والعلاقات بين أفراد المجتمع ، وتمنحُ وتعطي الطفلَ الراحة النفسيَّة والثقة والطمأنينة والبهجة والسرور، وتدخلهُ أجواءً جميلة ساحرة..أجواء الطبيعة والوداعة والحب والجمال ، وتفرحهُ وتسليه وتملأ قلبَهُ وروحَهُ بالغبطةِ والبهجةِ والسرور .. وتعلمهُ أيضا دروسا في كيفية زراعةِ حبوب القمح ثم نموها ونضجها…إلخ …. وتُعَزِّزُ وتقوي فيه المحبَّة والشعورَ والإنتماءَ للأرض والوطن . وتستحقُّ هذه القصَّةُ وبكلِّ جدارةٍ أن تكون في جميع المكتبات وأن تحظى باهتمام الأدباءِ والنقاد الكبار ويكتبوا عنها المقالات والدراسة العميقة والمطولة .. وأن تُترجمَ إلى لغاتٍ عالميةٍ وتدخل ضمن المناهج الدراسيَّة في مجالِ أدب الأطفال في المدارس والمعاهد .
( بقلم : الدكتور حاتم جوعيه – المغار – الجليل )
( الأديب الأستاذ سهيل عيساوي مع الشاعر والناقد الدكتور حاتم جوعيه )