هل يتلقّى نتنياهو تطعيماً ضد الخسارة في الانتخابات؟
تاريخ النشر: 18/02/21 | 9:48د. جمال زحالقة
بقي حوالي الشهر على إجراء الانتخابات للكنيست الإسرائيلي، التي تم تبكير موعدها، بعد إصرار بنيامين نتنياهو على عدم تجديد الالتزام بتنفيذ التناوب على رئاسة الحكومة، لصالح الجنرال المتقاعد بيني غانتس، زعيم حزب «أزرق أبيض». ورغم كل الأزمات، التي مرّ بها ومرّت بها حكومته، بقي حزب نتنياهو هو الأكبر في استطلاعات الرأي العام، في حين تواصَل تفكك حزب غانتس ووصل إلى مرحلة يصارع فيها نسبة الحسم.
الانتخابات الإسرائيلية، التي ستجري في الثالث والعشرين من آذار/مارس المقبل، هي الرابعة على التوالي خلال عامين، ما يشير إلى عمق الأزمة السياسية التي تمر بها الدولة العبرية، التي قد تستمر، حيث هناك إمكانية جدية ان الانتخابات المقبلة ستنتهي بلا حسم لصالح نتنياهو، أو من هم ضدّه.
السبب المباشر للأزمة السياسية، التي تمرّ بها إسرائيل هو الخلاف الشديد حول شخص بنيامين نتنياهو، وحول ملفات الفساد التي تورّط بها، وأعلنت أحزاب كانت حليفة له في الماضي أنها لن تجلس في حكومة يواجه رئيسها لائحة اتهام ومحاكمة. لقد فشل نتنياهو في تشكيل حكومة بعد انتخابات نيسان/إبريل 2019 بسبب رفض أفيغدور ليبرمان، رئيس حزب «إسرائيل بيتنا» الانضمام إليها، معلناً أنه لن يكون في حكومة يرأسها الفاسد نتنياهو على حد قوله. والحقيقة أن مرد غضب ليبرمان ليس فساد نتنياهو، بل اعتقاده ان الأخير يقف خلف التحقيق معه في ملفات فساد متشعّبة، ترتبط بعضها بالمافيا الروسية، ومهما كان السبب، يبقى موقف ليبرمان قاطعاً بأنه يسعى إلى إسقاط نتنياهو ولن يتحالف معه بأي حال.
في انتخابات أيلول/سبتمبر 2019، وبعد خروج ليبرمان منها، كان واضحاً أن كتلة نتنياهو تقلصت وأصبحت مكوّنة من حزب الليكود والأحزاب الدينية فقط، وهي لم تحصل على أغلبية برلمانية، ما أدّى إلى انتخابات ثالثة في مارس 2020، لم تأت بالحسم لأحد، ما أدّى، وتحت غطاء مواجهة جائحة كورونا، إلى إقامة حكومة ائتلافية بين نتنياهو ومنافسه بيني غانتس، استندت إلى اتفاق تناوب على رئاسة الحكومة. شمل هذا الاتفاق، الذي تحوّل إلى قانون ملزم، بنوداً تمكّن نتنياهو من التملّص منه في حال عدم إقرار الميزانية. وقد استغل نتنياهو ذلك رافضاً طيلة الوقت تمرير مشروع الموازنة في الكنيست، ما أدّى في نهاية المطاف إلى تبكير موعد الانتخابات. أدّى قبول الجنرال المتقاعد بيني غانتس، الائتلاف مع نتنياهو إلى تفكك كتلة «كاحول لافان» فلم ينضم إليه شريكه يئير لبيد زعيم حزب «يش عاتيد» وتوالت الاستقالات والانشقاقات إلى أن وصل غانتس إلى انكماش حزبه، وإلى مصارعة نسبة الحسم، الموازية لأربعة مقاعد في الكنيست، بعد أن كان لهذا الحزب أكثر من ثلاثين عضواً في الانتخابات الثلاثة السابقة.
بعد انهيار حزب «أزرق أبيض» الذي نافس الليكود على من يكون الحزب الأكبر وشكّل التحدي الأكبر لاستمرار حكم نتنياهو، لم يعد هناك حزب «كبير» مقابل الليكود، بل ثلاثة أحزاب متوسطة الحجم، قد يتحول بعضها الى أحزاب صغيرة مع اقتراب الانتخابات. هذه الأحزاب هي: حزب «يش عتيد» (يوجد مستقبل) بزعامة لبيد، وهو يعرّف نفسه بأنّه حزب وسط ويصل في الاستطلاعات إلى 18 عضو كنيست. ويحظى بدعم من الطبقة الوسطى الأشكنازية، وشعاره المركزي هو إسقاط نتنياهو الفاسد. أمّا من الناحية السياسية، وبكل ما يخص القضية الفلسطينية، فهو لا يختلف كثيراً عن نتنياهو وعبّر عن دعمه لصفقة القرن، ويريد عملياً استمرار الوضع الراهن مع تشديد المحافظة على «أمن إسرائيل» ويسعى لبيد الى تفاهم مع الإدارة الديمقراطية في الشأن الإيراني، وعدم الدخول في صدام معها بأي حال. حظوظ لبيد في تشكيل حكومة ضئيلة، لدرجة أنه لم يعلن أنه مرشّح لرئاسة الحكومة، مع انه يحلم بذلك، فهو مرفوض من قبل الأحزاب الحريدية الدينية من جهة، ولن يستطيع تشكيل حكومة ثابتة تجمع حزب ميرتس من اليسار الصهيوني وحزب «يمينا» اليميني المتطرف.
الحزب المتوسط الثاني هو «تكفا ليسرائيل» (أمل لإسرائيل) الذي أسسه جدعون ساعر، بعد انسحابه من الليكود، في خطوة شكّلت أكبر تحدٍّ لنتنياهو في الانتخابات الحالية. أثار انشقاق ساعر عن الليكود ضجة كبيرة، وحصل في الاستطلاعات المبكرة على 22 عضو كنيست، انخفضت تدريجياً إلى أن وصلت هذا الاسبوع إلى 13 فقط، وإذا استمر هذا التراجع فسيتحول هذا الحزب إلى حزب صغير، لا يشكّل بديلًا لنتنياهو، كما يعلن زعيمه ساعار صباح مساء. المقولة السياسية المعلنة لساعار وحزبه هي أيضا إسقاط نتنياهو، والالتزام بعدم الجلوس معه في الحكومة. أمّا من الناحية السياسية فيعد ساعار أكثر تطرفاً من نتنياهو، وهو من أنصار «أرض إسرائيل الكاملة» ومقبول من الأحزاب الدينية، ويمكنه ان يشكّل حكومة، إذا حصل معارضو نتنياهو على أغلبية برلمانية، وحصل حزبه على عدد كافٍ من المقاعد، وهذا ضعيف المنال تبعاً لتراجع التأييد. يبدو ان مفتاح بقاء نتنياهو، أو نزوله عن العرش موجود بيد نفتالي بينيت، زعيم حزب «يمينا» الذي بدا قبل أسابيع أنه بديل لنتنياهو، لكنه تراجع تدريجيا ليصل إلى 11 مقعدا برلمانيا في الاستطلاعات الأخيرة. بينيت نفسه ينتمي إلى التيار الديني القومي، وهو يمثل خطاً سياسياً أكثر تشدّدا من نتنياهو، وهو من أنصار الاستيطان والضم والتهويد. وبسبب عدم قدرته على منافسة الليكود في التطرف، لجأ بينيت إلى هجوم على نتنياهو في مجال إدارة الأزمة الصحية والأزمة الاقتصادية، في محاولة لاستقطاب المتضررين من الأوضاع الاقتصادية المتردّية. وعلى الرغم من الانتقادات اللاذعة التي يوجهها بينيت إلى نتنياهو، فإنه لم يلتزم بالجلوس أو عدم الجلوس معه في حكومة مشتركة، وسيكون من الصعب، بل من المستحيل على أحد أن يشكّل حكومة بدونه.
اعتادت القيادة الفلسطينية انتظار نتائج الانتخابات الإسرائيلية، لعلّها تحمل خيراً، لكن هذه المرّة لا يوجد حتى سراب أمل منها
مقابل هذه الأحزاب الثلاثة يحافظ حزب الليكود، بزعامة نتنياهو، على مكانته كأقوى حزب في إسرائيل، على الرغم من تراجعه من 36 عضواً في الانتخابات السابقة إلى 29 نائباً في الاستطلاعات الأخيرة. ويعتمد تحالف الليكود الثابت على اصطفاف الأحزاب الدينية الثلاثة معه: حزب المتدينين الاشكناز «يهودوت هتوراة» برئاسة موشيه جافني، ويصل في الاستطلاعات إلى 7 مقاعد بشكل ثابت، وحزب المتدينين الشرقيين «شاس» برئاسة أرييه درعي، وتقدّر قوّته بمعدل 8 مقاعد، وحزب «الصهيونية المتدينة» الذي يضم بتسلئيل سموتريتش ممثل غلاة المستوطنين ومردخاي بن غفير، تلميذ كاهانا، ويحصل على 5 مقاعد في الاستطلاعات. وكان نتنياهو قد دفع بكل قوّة لهذا التحالف اليميني العنصري الفاشي لضمان عدم سقوط قوائم يمينية تحت نسبة الحسم وضياع أصوات ومقاعد للكتل المتحالفة معه. لم يبق مع نتنياهو أي حزب علماني، لا من اليمين ولا من الوسط، ما يصعّب عليه تشكيل حكومة بعد الانتخابات، وهو بحاجة إلى دعم حزب «يمينا» المكوّن من متديّنين وعلمانيين، وقد لا يكفيه ذلك لتشكيل حكومة، وسيحتاج إلى دعم حزب علماني له، لكن كل هذه الأحزاب تخوض الانتخابات معلنة أنها تسعى لإسقاطه وتتعهّد بعدم التحالف معه. إزاء هذا المأزق يسعى نتنياهو إلى الوصول إلى تطعيم ضد الخسارة، حتى يأتي يوم الانتخابات، وقد جرى تطعيم الغالبية الساحقة من المواطنين في إسرائيل، وتمت السيطرة على جائحة كورونا بالكامل، ليقف أمام الناخبين معلناً الانتصار على الوباء طالباً منحه الانتصار في الانتخابات. وقد بدأ بالتسخين لهذا الإعلان بالقول إن إسرائيل ستكون قريبًا الدولة الأولى في العالم التي ستنجح في احتواء جائحة كورونا بالتطعيم الجماهيري. وقد جرى تسريب لقاء لنتنياهو مع أصحاب محلات تجارية قال فيه، إنه كلما انخفضت معدلات الإصابة بكورونا ارتفعت شعبيته، وتوقع أن يحصل تغيير كبير في موازين القوى الحزبية، حين ينجح مشروع التطعيم في القضاء على الوباء.
يغيب ذكر القضية الفلسطينية عن الانتخابات الإسرائيلية، في ظل الإجماع الصهيوني، الذي يحظى بالتواطؤ العربي والدعم الأمريكي والتسامح الأوروبي، ويتمتع بهدية الهدوء الفلسطيني. لن يكون للانتخابات للكنيست أي بعد سياسي مهم سوى بقاء أو ذهاب نتنياهو. ولن يكون بديل نتنياهو، إذا وصل، اقل تطرفاً منه لكنّه سيكون أقل نجاعة منه في صناعة الأفعال الشريرة، وبالأخص في تبرير وتمرير السياسات العدوانية العنصرية وتسويقها على أنها حرب «العالم الحر» ضد «الإرهابيين البرابرة». لقد اعتادت القيادة الفلسطينية على انتظار نتائج الانتخابات الإسرائيلية، لعلّها تحمل خيراً، لكن هذه المرّة لا يوجد حتى سراب أمل من هذا النوع، وليس للفلسطيني أن ينتظر سوى فعله هو، الذي إذا جمع بين الحكمة والشجاعة يمكن ان يحرّك الدنيا ويقيمها ويقعدها على رأس نتنياهو أو على رأس بديل نتنياهو.
د. جمال زحالقة