وقفة مع نص شعري للأستاذ نافع كبها
تاريخ النشر: 20/02/21 | 8:10بقلم : شاكر فريد حسن
أخي وصديقي الأستاذ نافع كبها، كان معلمي للغة العبرية بمدرسة كفر قرع الثانوية في أواخر السبعينيات من القرن الماضي، وأشهد أمام الجميع أنه جدي ومتمكن من هذه اللغة، ومخلص جدًا لرسالة العلم حتى النخاع، ولكنّي لم أكن أعرف أنه إلى هذا الحد يعشق لغتنا العربية، لغة الضاد، التي قال فيها شاعر النيل حافظ ابراهيم :
أنا البحر في أحشائه الدر كامن—فهل سألوا الغواص عن صدفاتي
كذلك لم أعرف أن أستاذنا المعطاء يجيد الكتابة الإبداعية بهذه الصورة الجميلة.
الأستاذ نافع كبها من قرية عين السهلة المتربعة على جبال الخطاف، تتميز بموقعها الخلّاب وطبيعتها الخضراء، ومن روابيها ترنو عين الناظر إلى ما هو ملهم للشعر والجمال، وتكفي يراعة ومخيلة صديقي الشاعر الإعلامي قيصر كبها، الذي يجود علينا ويتحفنا بشعر وجاني رقيق وعذب ورهيف.
واليوم وأنا أتصفح الفيسبوك استرعى انتباهي وجذبني وأسرني حد الدهشة نص مكثف سجعي حزين شفيف فيه روح الشعر، فاضت به قريحة ومخيلة الأستاذ نافع كبها، نشره على صفحته الشخصية باللغتين العربية والعبرية.
وكيف لا تفيض روحه وتبدع بترجمة مشاعر الحزن ولوعة الفراق والبعاد، وقد فجع بحالة الفقد وعاشها على جلده، وأصيب بشظايا الفراق في أعماقه..؟؟!
إنه نص عميم الحزن، طافح بالشجن، بالغ التأثير، فيه كل معاني الأسى والوجع، يصور ويعبر عن ألم داخلي يعصف في صدره، ووجد لم يهدأ بعد، لم تفلح الأيام في إطفاء نار الشوق ولهيب اللوعة وحرقة قلبه.
لقد فاضت روحه بكلمات ليست كالكلمات، في نص بديع ومؤثر يقوم على أيقاع حزين وصور محسوسة، وبوح وجداني صادق عفوي وشفاف، لعل ذلك يخفف من معاناته ووجده، ويقدم الموت وفق رؤية أكثر عمقًا وشمولية للحياة.
فلنسمعه يقول :
“الفراق”
عصفتْ بي الدُنيا وناءَتْ بثكلٍ وفراقْ.
أتَتْ تترَى بعامِ حزنٍ حدودَ كلَّ صبرٍ فاقْ.
أمسَتْ الروحُ كسيرةً ودمعُ العينِ رقراقْ.
وهبَّتْ نسائِمُها نديّةً وكمْ من فراقٍ وعناقْ.
صارَ الدمعُ عصيًا وما بالقلبِ حسٌّ وخِفاقْ.
بأفراحٍ جئْنَ تِباعًا لهُنَّ كنتُ بالوَجدِ تَواقْ.
طغى أوَلهُما على اخرِهما مُفرّغًا أعماقْ.
أعماقُ قلبٍ زاخرٍ عُلَّ وبهِ الصّدرُ ضاقْ.
منهُ باتَ كلُّ فراقٍ وأهْيا دونَ ذاكَ الفراقْ.
لقد أجدت يا صديقي ومعلمي وأستاذي نافع كبها في تجسيد ألم الفراق والبعاد المُرّ، وكم تأثرت وبكيت، حين قرأت النص، وانهالت العبرات على مقلتي وخدي، كيف لا وقد اكتويت أنا أيضًا بهذه اللوعة التي خلفت جرحًا عميقًا، وكيف له أن يندمل ..؟!
تحياتي ومحبتي لك وتقديري لحروفك أستاذ نافع كبها، ولعل هذا النص يكون ايذانًا بولادة شاعرية جديدة، وفاتحة لنصوص إبداعية أخرى فيها فرح الحياة وجمال المشاعر.