ما يصيبنا هو ثمن سلوكنا… انتبهوا لأولادكم إن كانوا حقاً فلذات أكبادكم
تاريخ النشر: 22/02/21 | 11:24كثيراً ما نقرأ ولاسيما في الآونة الأخيرة، عن حالات العنف والإجرام التي تنخر في مجتمعنا، والتي تتفاقم باستمرار دون التمكن من وضع حد لهذا التفاقم. لقد تناولت هذا الموضوع مرات عديدة في الماضي والحاضر، وكنت قد حذرت في أحد مقالاتي من التخوف من الوصول إلى نقطة عدم السيطرة على ما يجري في مجتمعنا، وها نحن قد وصلنا لهذه النقطة وأصبحنا مجتمع القتل والعنف و”الطوشات” وما تشهده قرانا ومدننا خير دليل على ذلك. هناك جملة بااللغة الانكليزية تقول:”Too Late ” وتعني أن الوقت أصبح متأخراً. نعم، وأنا أقول متأسفاً أن الوقت أصبح متأخراً لمعالجة حقيقية لمسألة تفشي العنف في المجتمع العربي، وكان المفروض معالجته بجدية فعلية منذ بداياته وليس بعد تفاقمه. هذا التطور المخيف للعنف لم يأت بين ليلة وضحاها إنما بدأ بالتدريج. فأين كان من يهمهم الأمر وقتها؟ لماذا لم يعيروا هذا الموضوع الاهتمام الفعلي قبل تفاقمه؟
يختبيء بعض الهاربين من المسؤولية وراء الآية الكريمة: “قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ “. صحيح أننا نؤمن بهذه الآية الكريمة وبكل آيات القرآن الشريف، لكن لا علاقة لهذه الآية بما يجري في مجتمعنا. لأن ما يصيبنا هو بسبب أفعالنا وسلوكياتنا والفرق كبير جداً بين تصرفاتنا وبين مضمون الآية الكريمة.
تعالوا نتصارح ونقولها بشفافية واضحة: كم من الأبناء دون سن الثامنة عشرة يعودون إلى بيوتهم متأخرين بعد منتصف الليل ولا يتخذ الأهل إجراءات بحقهم، ويكتفون بالقول. ” والله مش عارف شو أعمل مع هالولد مش غادرلو” ؟ “ليش مش غادرلو…ليش؟ “كم عدد الأولاد الطائشين في الشوارع والذين يغض الأهالي الطرف عنهم وكثيراً ما نسمعهم يقولون:” جيل ما بسمع الكلمة”؟ إذاً فليتحملوا مسؤولية تربيتهم. كيف سيكبر هؤلاء الأولاد وعلى أي أسس؟ طبعاً سيكبرون على تربية خطأ وعلى القواعد المخالفة والمنافية للتربية الاجتماعية الصحيحة.
نرى ظاهرة غريبة في الشوارع العربية. ظاهرة “التراكتورون” في الحارات. فهل تعلمون أن الذين يقودون “تراكتورون” هم شبيبة صغار ومنهم بسن أطفال؟ فأين أهل هؤلاء ؟ أليسوا هم من اشتروا لهم هذا ألـ” نراكنورون” الممنوع رسميا على الشوارع؟ يزعجون أهل الحي وإذا سألهم أحد يسمع جواب:” أنا حر شو دخلك انت؟” أكيد الشرطة لا تفعل أي شيء وغير معنية (فخار يكسر بعضو).
منذ بداية انتشار مقاهي الأرجيلة في البلاد، تناولت هذا الموضوع في مقال لي وحذرت من عواقبه على الشبيبة، إذا لم يتم وضع ضوابط لهذا الانتشار. فلم يهتم أحد بالموضوع. وبدلاً من أن نرى نوادي ثقافية للشبيبة منتشرة هنا وهناك، أصبحنا نرى مقاهي الأرجيلة واسعة الانتشار في كل القرى والمدن العربية. المفترض أن الدخول لهذه المقاهي يجب أن يكون لمن هم فوق سن الثامنة عشر، ولكن ما يحصل يدل بصورة واضحة أن الكثير ممن هم دون هذا السن يعنبرون زبائن دائمين لبعض المقاهي.
تعالوا نقارن بين المكتبات ومقاهي الأرجيلة. وحسب التقديرات فإن عدد المكتبات في الوسط العربي لا يوازي ثلث عدد مقاهي الأرجيلة، المكتبة توفر مراجع ثقافية للشاب فماذا توفر الآرجيلة. وهل “راس أرجيلة” أصبح أكثر أهمية من رواية أو قصة. وإذا كان “راس الأرجيلة بعبي الراس” فإن الكتاب يملأ الرأس يثقافة عامة والفارق كبير بين ملء الرأس والصدر بأشياء ضارة جداً للصحة وتعبئة الرأس بمادة ثقافية. ولكن من يفهم ذلك؟
المجتمع الذي يحترم نفسه هو المجتمع الذي يهتم بأبنائه ويوفر لهم سبل الحماية من السقوط في المهالك، وهذا يتطلب نشر نوادي ثقافية، وهذا الأمر من اختصاص السلطات ال محلية . فأين النوادي الموجودة في مدننا وقرانا؟ وأين المؤسسات المعنية بالشبيبة والجيل الصاعد.؟ لماذا تتكاتر جمعيات ما تسمى بـ “حماية المرأة من العنف” وهي منتشرة بكثرة ولا توجد جمعيات مماثلة لحماية الشبيبة.
كلمة أخيرة، لا بد من قولها، وهي أن مجتمعنا المحافظ (يتطور؟!) بالفعل والدليل على ذلك وجود أجنحة خاصة للعائلات في مقاهي الأرجيلة. يعني أن الرجل يصطحب زوجته “”لسحب نفس يعبي الرأس” في مكان عام ، وليس من المستبعد أن يكون هناك إبنه أو إلنته مبروك عليكو هذه الحضارة، وبالفعل ما يصيبنا هو بسبب سلوكياتنا.