تجليات مؤنس الرزاز
تاريخ النشر: 28/02/21 | 15:27بقلم: شاكر فريد حسن
يعتبر مؤنس الرزاز من أبرز أعلام القصة والرواية والثقافة الأردنية المعاصرة، الذين احتلوا مقدمة المشهد الروائي الأردني. انطلق بقوة في عالم الكتابة والإبداع الثقافي منذ منتصف الثمانينات، وأمتاز بالجرأة والحيوية وغزارة الإنتاج. ووصلت مجموع أعماله إلى أكثر من 15 عملاً روائياً، أبرزها: “الشظايا والفسيفساء، متاهة الإعراب، اعترافات كاتم الصوت، أحياء البحر الميّت، ليلة عسل” وغيرها.
خرج مؤنس الرزاز من بطن أمه سنة 1915 وغادر الحياة إلى مرقده الأبدي في العام 2002، وبغيابه خسر القص العربي أحد فرسانه الكبار الذين ردموا الهوة بين الحكاية والحياة.
ينتمي مؤنس الرزاز إلى جيل الأحلام والخيبات الكبيرة، وإبداعاته القصصية والروائية خير شاهد على تردي الوضع العربي العام. وقد استعان بالسخرية العميقة وأسلوب المحاكاة في كشف وتعرية عوامل الانهيار في الواقع العربي المهزوم والمأزوم، وأسباب التخلف والوهن المترسبة من حقبة الرجل المريض، فحكى لنا قصة الوطن العربي والإنسان العربي، قصة أحلامه وطموحاته. وصوّر الهزائم والانتكاسات والخيبات المتتالية، التي حلت بالعرب في الربع الأخير من القرن العشرين الماضي، وخرج عن المألوف في عالم الرواية، وأغناها هندسة ومضموناً، وهو حاذق وماهر في تسيير شخصياته بإثارة وتشويق.
ومؤنس الرزاز كاتب مؤدلج، لم يكتب أدباً متحيزًا للصنعة الأدبية والشكل الجمالي، وإنما زجّ بفكره وموقعه السياسي والأيديولوجي بشكل صريح وواضح، وتشرّب النزعتين القومية والإنسانية من والده المفكر العربي والمناضل الراحل منيف الرزاز.
اعتمد أسلوب الرؤية كوسيلة للوصول إلى مبتغاه السياسي والاجتماعي. وفي جميع ما كتب عبّر عن وجهات نظره السياسية والفكرية والفلسفية، ونبش الجرح، وآمن بأن الكاتب يجب أن يكون ثورياً، تقدمياً، ليبرالياً، استفزازياً، رافضاً ومعرياً الواقع ومشاركاً في تغييره.
مؤنس الرزاز مثقف القلق والتوتر، ومثقف الأسئلة الواقف في وجه التيار. ولج مناطق العتمة والجدل في ثقافتنا العربية، وشكّل حلقة مستقلة واعية وظاهرة في صدقها وأصالتها وتغلغلها في التراث الإنساني. وهو أحد الأصوات القوية والمتمردة القابضة على الجمر في زمن القفز عن المراكب، بحثًا عن أطواق النجاة وشواطئ الأمان.
وصفوة القول، مؤنس الرزاز مبدع حقيقي، راحل أبداً ومتطلع إلى الحرية. سعى دائماً إلى هياكل الفن والإبداع الحقيقي ومعابد الجمال، وعرف تمامًا الواقع العربي الثقافي والفكري. وقد أضاء الفضاء الإبداعي الأردني والعربي ثم أنطفأ سريعًا، لكنه يبقى في الذاكرة والتاريخ الثقافي بإرثه الأدبي الإنساني المتميز، بعناده وصلابة مواقفه.